ما معنى شهادة الزور؟ الزُّور في اللغة هو وصفُ الشيء على خِلاف حقيقته، واصطلاحاً هو تعمُّد النكث باليمين لتزوير الحقائق، ويكون منطوقاً أو مكتوباً، والهدف منه تضليل السلطة القضائية؛ قال صاحب الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد المالكي: ومن الفرائض العينية صون اللسان عن شهادة الزور، وهي أن يشهد بما لم يعلم وإن وافق الواقع. أداء اليمين هو الحد الفاصل بين التصريح الكاذب وشهادة الزور، ذلك أن كل شهادة يصرح بها أمام جهة غير القضاء، لها عقوبتها الخاصة بها إذا تبث أنها غير حقيقية، كإهانة الضابطة القضائية بالإدلاء بتصريحات كاذبة أو الوشاية الكاذبة أو صنع إقرار يتضمن وقائع غير صحيحة، ولكن بعد أداء اليمين أمام المحكمة في صيغتها القانونية، فإن ما سيصدر عن الشخص سيعتبر شهادة فإن ثبتت زوريتها، ولم يتراجع عنها قبل أن تصبح أقواله نهائية، نكون آنذاك أمام شهادة الزور. وهذا ما ذهب إليه المشرع في تعريف شهادة الزور بالفصل 368 من ق ج : شهادة الزور هي تغيير الحقيقة عمدا، تغييرا من شأنه تضليل العدالة لصالح أحد الخصوم أو ضده، إذا أدلى بها شاهد، بعد حلف اليمين، في قضية جنائية أو مدنية أو إدارية، متى أصبحت أقواله نهائية. أضافت مسودة ق ج كلمة تجارية واليمين هو فعل قديم قدم البشرية، وليس حكرا على ديانة دون أخرى، بل عرفته كل الديانات والحضارات المعتنقة لها. وفي دينننا الحنيف نجد أن للشهادة شأن عظيم في إثبات عدد من الأمور الدنيوية، كقوله تعالى : فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ. وقوله سبحانه: (وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً). وقوله تعالى : (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ). وقد نتساءل عن سبب إقحام هذا الفعل في المحاكمات والاعتماد عليه كوسيلة إثبات حاسمة في إدانة أو تبرئة متهم، إن كل إنسان له جانبه الاعتقادي الذي يلازمه في حياته، ولأن الشاهد يفضي بتصريح قد يكون الوحيد الذي عاينه، فلا رقيب عليه إلا ضميره، فكلما كان الجانب الإيماني والعقائدي حاضرا وقويا لدى الشاهد، كلما كانت شهادته صادقة وحقيقية، إلى حد ما. ولكن نلاحظ أن مسودة مشروع قانون المسطرة الجنائية في المادة 123 ، أضافت عدم أداء اليمين بالنسبة للضحية أمام القضاء، والمادة 286 : من المشروع سمحت بتلقي التصريحات دون أداء اليمين علما أن نفعه أكثر من ضرره، وله ارتباط وثيق بالمعتقد والشخصية، فكم من شخص تراجع عن شهادة الزور بعد أداء اليمين، بل إن بعض النظم تخضع المتهم نفسه لأداء اليمين لما في ذلك من ارتباط بالديانة.
> هل يمكن القول بأن شهادة الزُّور مجرد حالات منعزلة أم أنها أصبحت ظاهرة؟ مادام أن الشهادة هي حجة قاطعة أمام القضاء، فهي بالتالي من الوسائل التي تركن إليها المحكمة لتكوين قناعتها، فهذا يعني أنها ستكون متداولة بكثرة في مختلف القضايا، وهذا التداول سيحمل بطبيعة الحال حالات زور كما سيحمل حالات شهادات حقيقية. ومع ذلك فالسؤال تستعصي الإجابة عليه ما دمنا لا نعلم أصلا عدد حالات شهادة الزور أمام المحاكم، – فهناك حالات شهادة الزور التي تضع المحكمة يدها عليها بالجلسة، فيلتمس ممثل النيابة العامة تحريك الدعوى العمومية بشأنها طبقا للقانون؛ – وهناك حالات شهادة الزورالتي يتم التراجع عنها بطريقة أو بأخرى فتستغني المحكمة عنها، وتأمر صاحبها بالانصراف؛ – وهناك حالات شهادة الزورالتي لا تظهر إلا بعد مدة من أدائها أو بمناسبة دعاوى جارية أمام المحاكم، فيتقدم دفاع المتضرر منها بدعوى طعن من خلالها في شهادة أحد الأطراف، فلا يمكن بالتالي احتسابها شهادة زور حتى يصدر بشأنها حكم حائز لقوة الشيء المقضي به؛ – وهناك الرقم الأسود الذي يظل طي الكتمان، le chiffre noir وهو الذي يؤرق الجهات المكلفة بالإحصائيات، حيث يبقى في عالم مجهول وقد يدفن معه حقيقة كان من الممكن أن تبرئ شخصا أو تدين آخر.
> كيف يجري التعامل مع شهادة الزُّور وشهود الزور؟ أولا يجب أن نعلم أن هناك عملية غربلة سابقة لشهود الزور في كل قضية، لأن ضابط الشرطة القضائية يتحرى في جمع المعلومات عن الجريمة بين المصرحين، وقد يثبت له أن هناك شخصا لم يكن حاضرا للواقعة ومع ذلك يريد أن يقحم إفادته، فيستغني عنه للبحث عن الحقيقة في جهة أخرى، ولو فتحنا هذا الباب لأصبحنا أمام كل جريمة نقدم مع مرتكبها أشخاصا حاولوا تضليل العدالة ومسار البحث. وأسوق مثالا هنا : ضحية جرم سابق لنفس الفاعل الذي يشهد أن هذا الأخير هو مرتكب الجريمة، لأنه معروف بذلك وأنه أحد ضحاياه السابقين وأن سكان الحي يخافون مغبة اعتدائه عليهم مستقبلا، ولكن في الواقع هو لم يكن شاهدا وإفادته هذه لن تؤثر في البحث إيجابا أو سلبا. ثانيا أعطى المشرع الحق للقضاء ليتعامل مع الشاهد بطريقة تساعده على اكتشاف الحقيقة منها مثلا : – تذكير الشاهد بأن عقوبة شهادة الزور هي دنيوية وأخروية، – الاستماع إلى الشهود فرادا أي كل واحد على حدا، – مواجهة الأطراف بعضهم البعض، – الاستماع إلى الشاهد على سبيل الاستئناس دون أداء اليمين – حمى المشرع المغربي الشهود في ق. م .ج لتشجيعهم على أداء الشهادة دون الخوف من مغبة الاعتداء أو معرفة هوية الشاهد، إذا أراد هذا الأخير عدم الإعلان عن هويته.
> ما دام المشرع المغربي خصص عددا من الفصول لشهادة الزُّور انطلاقا من هذا هل هناك إحصائيات لشهود الزُّور؟ نعم هناك مصالح خاصة بكتابات ضبط المحاكم ترسل شهريا إحصائيات لوزارة العدل تتضمن نوع الجرائم وعددها ومآلها، ولكن هذه الإحصائيات لا تعكس الرقم الحقيقي لهذه الجريمة، التي تبتدئ مع الجريمة نفسها أو حتى قبل ارتكاب الجريمة، لأنه لا يجب أن نحصر شهادة الزور في ذلك التصريح الكاذب أو غير الحقيقي أمام المحكمة، ولكن شهادة الزور هو كل إشهاد أو إقرار أو شهادة مكتوبة أو تصريح من طرف كل شخص له علاقة بالقضاء أو أحد مساعدي القضاء، يكون من شأنه تغيير الحقيقة وتضليل القضاء. الفصول المخصصة لجريمة شهادة الزور والتعديلات المقترحة لها في مسودة مشروع القانون الجنائي الفرع 6: في شهادة الزور واليمين الكاذبة والامتناع عن الشهادة الفصل 368 : شهادة الزور هي تغيير الحقيقة عمدا، تغييرا من شأنه تضليل العدالة لصالح أحد الخصوم أو ضده، إذا أدلى بها شاهد، بعد حلف اليمين، في قضية جنائية أو مدنية أو إدارية، متى أصبحت أقواله نهائية. أضافت مسودة ق ج كلمة تجارية الفصل 369: من شهد زورا في جناية، سواء ضد المتهم أو لصالحه، يعاقب بالسجن من خمس سنوات إلى عشر. خفضت مسودة ق ج العقوبة سنة إلى خمس وغ 10 الاف إلى 100 ألف فإذا ثبت أنه تسلم نقودا أو مكافأة من أي نوع كانت، أو حصل على وعد، كانت العقوبة السجن من عشر إلى عشرين سنة. خفضت المسودة من خمس إلى عشر وغ 20 ألف إلى 200 ألف وإذا حكم على المتهم بعقوبة أشد من السجن الموقت، فإن شاهد الزور الذي شهد ضده يحكم عليه بنفس العقوبة. الفصل 370 :من شهد زورا في قضية جنحية، سواء ضد المتهم أو لصالحه يعاقب بالحبس من سنتين إلى خمس سنوات وغرامة من مائتين إلى ألف درهم. خفضت مسودة ق ج من سنة إلى 3 وغ 10 آلاف إلى 50 ألف فإذا ثبت أن شاهد الزور تسلم نقودا أو مكافأة من أي نوع كانت، أو حصل على وعد فإن عقوبة الحبس يمكن أن تصل إلى عشر سنين، والغرامة إلى ألفي درهم. خفضت مسودة ق ج الحبس إلى خمس س الفصل 371: من شهد زورا في مخالفة، سواء ضد المتهم أو لصالحه، يعاقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنة وغرامة من ستين إلى مائة درهم. خفضت مسودة ق ج بجلها غرامة فقط 2/5 آلاف فإذا ثبت أن شاهد الزور تسلم نقودا أو مكافأة من أي نوع كانت، أو حصل على وعد، فالعقوبة الحبس من ستة أشهر إلى سنتين وغ من مائتين إلى خمسمائة درهم. المسودة إلى خمس سنوات وغ مائة ألف الفصل 372: من شهد زورا في قضية مدنية أو إدارية يعاقب بالحبس من سنتين إلى خمس سنوات وغرامة من مائتين إلى ألفي درهم. خفضت المسودة من سنة إلى 3 س من 10 إلى 100 ألف فإذا ثبت أن شاهد الزور تسلم نقودا أو مكافأة من أي نوع كانت، أو حصل على وعد، فإن عقوبة الحبس يمكن أن تصل إلى عشر سنين والغرامة إلى أربعة آلاف درهم. ويطبق هذا الفصل على شهادة الزور في قضية مدنية مرفوعة أمام القضاء الزجري تبعا لدعوى عمومية. الفصل 373: من استعمل الوعود أو الهبات أو الهدايا أو الضغط أو التهديد أو العنف أو المناورة أو التحايل لحمل الغير على الإدلاء بشهادة أو تصريحات أو تقديم إقرارات كاذبة، في أية حالة كانت عليها الدعوى، أو بقصد إعداد طلبات أو دفوع قضائية، في أية مادة كانت، يعاقب بالحبس من شهر واحد إلى ثلاث سنوات وغرامة من مائتين إلى ألفي درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط، خفضت المسودة شهر إلى سنة وغ 2/20 ألف ,سواء أدى تدخله إلى نتيجة أم لا، ما لم يكون فعله مشاركة في جريمة أشد، من الجرائم المعاقب عليها بالفصول 369 و370 و372. الفصل 374: المترجم الذي يغير عمدا في جوهر التصريحات الشفوية أو الترجمة الشفوية لوثائق مكتوبة، سواء كان ذلك في المواد الجنائية أو المدنية أو الإدارية، يعاقب بعقوبة شهادة الزور، حسب التفصيلات المشار إليها في الفصول 369 إلى 372. وإذا وقع التغيير في ترجمة مكتوبة لإحدى الوثائق المعدة لإثبات حق أو واقعة لها نتائج قانونية أو التي يمكن استعمالها لذلك، فإن المترجم يعاقب بعقوبة التزوير في المحررات، حسب التفصيلات المشار إليها في الفصول 352 إلى 359، تبعا لطبيعة الورقة المغيرة. الفصل 375: الخبير الذي تعينه السلطة القضائية، إذا قدم شفويا أو كتابيا، في أية مرحلة من مراحل الدعوى، رأيا كاذبا أو قرر وقائع يعلم أنها مخالفة للحقيقة، يعاقب بعقوبة شهادة الزور، حسب التفصيلات المشار إليها في الفصول 369 إلى 372. الفصل 376: التأثير على الخبير أو المترجم يعاقب عليه بالعقاب المقرر للتأثير على الشهود، حسب مقتضيات الفصل 373. الفصل 377: كل شخص وجهت إليه اليمين أو ردت عليه في المواد المدنية، إذا أدى يمينا كاذبة، يعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات وغرامة من مائتين إلى ألفي درهم. الفصل 378 :من كان يعلم دليلا على براءة متهم محبوس احتياطيا، أو مقدم للمحاكمة من أجل جناية أو جنحة، وسكت عمدا عن الإدلاء بشهادته عنه فورا إلى السلطات القضائية أو الشرطة، يعاقب بما يلي: – الحبس من سنتين إلى خمس سنوات والغرامة من مائتين وخمسين إلى ألف درهم، إذا كان الأمر متعلقا بجناية. خفضت المسودة – الحبس من شهر واحد إلى سنتين والغرامة من مائتين إلى خمسة آلاف درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط، إذا كان الأمر متعلقا بجنحة تأديبية أو ضبطية. ولكن لا يعاقب إذا أدى شهادته متأخرا، متى تقدم بها من تلقاء نفسه. ولا تطبق أحكام هذا الفصل على المتهم في الجريمة موضوع المتابعة ولا على المساهمين أو المشاركين فيها، ولا على أقاربهم، أو أصهارهم إلى الدرجة الرابعة. الفصل 379 :في الحالة التي تكون فيها العقوبة جنحية فقط، تطبيقا لفصول هذا الفرع، فإن المجرم يمكن أن يحكم عليه علاوة على ذلك، بالحرمان من واحد أو أكثر من الحقوق المشار إليها في الفصل 40 من خمس سنوات إلى عشر.
بقلم: ذ. عبد العالي المصباحي
محام عام بمحكمة النقض وعضو رابطة قضاة المغرب