رأس السنة الأمازيغية

يحل اليوم رأس السنة الأمازيغية، وتحتفل الشعوب الأمازيغية هذه الأيام ببداية تقويمها العريق، وبذلك يتجدد، في المغرب، مطلب إقرار المناسبة عيدا وطنيا ببلادنا، وعطلة مؤدى عنها.
المطلب ليس على سبيل السعي لكثرة الأعياد والعطل، وليس رغبة ثانوية، ولكن الأمر يعني إعمال إرادة سياسية، وتثمينا لوعي راسخ بحقيقة التعدد الثقافي واللغوي ضمن الهوية المغربية المتنوعة.
رأس السنة الأمازيغية أو»إيض إيناير»، وبرغم تباين الروايات بشأن الأصل التاريخي للمناسبة أو الاحتفال، فهو يجسد، في مختلف الكتابات، الانتصار للأرض والدفاع عنها والارتباط بها، وهذه الدلالة تعتبر مهمة جدا في سياقنا الوطني المغربي، ويمكن أن تكون مناسبة لتجديد التعبير والتعبئة من أجل الوطن، ولترسيخ قيم المواطنة والدفاع عن الحقوق والهوية الوطنيتين، أي أن مطلب إقرار رأس السنة الأمازيغية هو مطلب يندرج ضمن السعي العام لتحديث مجتمعنا، ومن أجل إبراز تعدده الثقافي واللغوي.
من جهة ثانية، لقد حقق المغرب خطوات مهمة في إطار النهوض بالأمازيغية، منذ خطاب أجدير التاريخي وإنشاء المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، وجرى تتويج كامل هذه الدينامية التصالحية مع الذات المغربية بدسترة الأمازيغية واعتبارها لغة رسمية في البلاد، ومن ثم فإن إقرار رأس السنة الأمازيغية عيدا وطنيا سيكون التعبير الموضوعي والمنطقي عن جدية هذه الإرادة السياسية وامتدادا لها، وسيمكن من تثمين ما تحقق من منجزات إلى اليوم، والعمل على تطويرها.
لقد تطلعت الحركة الثقافية الأمازيغية والقوى الديمقراطية لكي تقدم الحكومة الحالية على تحقيق مطلب ترسيم الاحتفال برأس السنة الأمازيغية، ولكي تستثمر  من أجل ذلك توفرها على أغلبية واسعة في مختلف المؤسسات التمثيلية، لكنها اكتفت بتصريحات عمومية بلا أي مضمون أو أجرأة، وأمعنت في تكريس الطبيعة الفلكلورية للاحتفال، واعتبرت أن الإعلان عن تخصيص ميزانية للأمازيغية كاف لتحقيق المطلوب.
الأمازيغية اليوم في حاجة إلى عمل ملموس وجدي في القوانين، وفي الآليات التنظيمية والمؤسساتية، وفي تقوية الانسجام والملاءمة بين المنظومات والنصوص الموجودة، وضرورة تطويرها، كما أن الأمازيغية في حاجة إلى عمل كبير في التعليم والإعلام والإدارة والقضاء، وبالتالي هي في حاجة إلى رؤية، وإلى وعي حكومي حقيقي بأهميتها وضرورتها، وفي حاجة كذلك إلى قرارات سياسية عملية وملموسة تكون امتدادا فعليا  للدينامية الإصلاحية والإرادة السياسية التي تجسدت من قبل في التنصيص الدستوري وفي خطب وقرارات جلالة الملك بهذا الشأن.
إن إقرار رأس السنة الأمازيغية عيدا وطنيا يجسد خطوة رمزية ذات دلالة، ويمكن أن تعبر عن تثمين للإرادة السياسية القوية وانتصار للتعدد اللغوي والثقافي ببلادنا ضمن احترام الهوية الوطنية المغربية كما يكرسها دستور المملكة.
في انتظار تحقق المطلب، وأن تدرك الحكومة أهمية ذلك وضرورته ورمزيته، نهنئ شعبنا بالعام الأمازيغي الجديد، ونبارك له الاحتفال بهذه المناسبة الدالة على الهوية المغربية التعددية، والمجسدة للالتفاف حول الأرض، والانتصار للانتماء للوطن.

محتات‭ ‬الرقاص

[email protected]

Related posts

Top