تستمر المفاوضات الروسية الأوكرانية دون أن تراوح مكانها أو أن يبرز من داخلها سيناريو يقود لوقف الحرب وعودة الأمن والسلام لأوكرانيا.
الطرفان يصران على شروطهما المبدئية، والضربات الروسية تتواصل في مناطق أوكرانية متعددة، وواشنطن، بمعية حلفائها في أوروبا والناتو، تعلن عن العقوبات ضد موسكو وقيادتها، وتروج لكون الحرب ستطول ولن تكون نهايتها قريبا.
وحدهم الأوكران اليوم يستحضرون شاعرهم التاريخي والأسطوري تاراس شيفتشينكو، ويرددون معه أبياتًا من قصيدته: (إلى مجهولة)، والتي كتبها سنة 1847، عندما يقول:
الشمس تغرب، والجبال ظلام.
والطير يصمت، والحقول نيام.
والناس قد خلعوا نهارهم
فنفوسهم جذلى حواها منام…
من سيرة شاعر الفلاحين في أوكرانيا الماضية يمكن أن نفهم العقليات والخلفيات والنفسيات، ذلك أنه عاش شاعرا وسياسيا وناشطا اجتماعيا، ناهض القياصرة الروس، وفي نفس الوقت كتب بالروسية وأسس لمرتكزات اللغة الأدبية الأوكرانية المعاصرة، كما وضع له الرئيس السوفييتي خروتشوف تمثالا في موسكو عام 1964، وجرى ترميمه عام 1995، وذلك قرب فندق أوكراينا بالعاصمة الروسية، وبقي الأوكران إلى اليوم يستحضرونه ويلوذون بسيرته وشعره عند مواجهة كل عدو خارجي، أو عند الحاجة إلى التعبئة الداخلية أو إلى الانتصار للوطن وللشعور القومي.
التاريخ يحضر بقوة في الحرب الروسية الأوكرانية الحالية، تماما كما تحضر الإستراتيجيا والمصالح.
وحتى روسيا نفسها لا تنفك من التاريخ في كل مواقفها وخطواتها السياسية والعسكرية، ذلك أن العلاقة مع الغرب تحضر باستمرار، وأيضا غياب الثقة في أمريكا وبلدان الناتو.
اليوم روسيا بوتين تحركها كل هذه العوامل مجتمعة، أي التاريخ وعدم الثقة وحماية المصالح الوطنية والإستراتيجية، وأيضا الغضب من الاستهتار الأمريكي والغربي، وعدم المبالاة بمخاوف روسيا، وبهذا الخصوص، قد تجد من (يتفهم) كل هذه الدواعي، أو يساندها حتى، ولكن طريقة الدفاع عن ذلك، والمرور مباشرة عبر الاعتداء على بلد وشن الحرب على شعبه، هو الذي لا يمكن لأحد تبريره مطلقا.
ولكن في نفس الوقت، المواقف الأمريكية والأوروبية، والترويج هذه الأيام بأن الحرب ستطول، علاوة على خروج ألمانيا لأول مرة عن حيادها العسكري، كل هذا يبعث على الاستغراب، ويثير القلق بشأن المستقبل.
العالم يتابع اليوم يوميات وتفاصيل الحرب وسط الكثير من الدعايات الإعلامية والمغالطات وحروب المعطيات، ويتابع أيضا مواقف الدول الكبرى وحساباتها الإستراتيجية، وفي نفس الوقت يتابع مأساة الناس بأوكرانيا، وتأثيرات ما يقع على شعوب ومواطنين آخرين من بلدان عديدة، وحشود الفارين واللاجئين، كما تخشى بلدان متوسطة وصغيرة تداعيات هذه الحرب المختلفة على أوضاعها ومصالحها، وبالتالي، فإن هذه الجوانب كلها تجعل الحرب الروسية الأوكرانية مختلفة وخطيرة، ولم تعش البشرية مثلها منذ الحرب العالمية الثانية…
محتات الرقاص