عدم مشاركة المغرب في التصويت بالجمعية العامة للأمم المتحدة، تعاطى معه بعض المتكلمين كما لو أنه يجسد (اللاموقف)، والحال أنه إلى جانب التصويت بنعم أو ضد أو بالامتناع، هناك كذلك اختيار (عدم المشاركة في التصويت) ويمارسه الكثيرون في محافل عدة، وليس اختراعا جديدا.
هذا الاختيار الذي اعتمده المغرب في التصويت على قرار غير ملزم بالأمم المتحدة، تجب قراءته من داخل مضامين البلاغ السابق الذي كانت قد أصدرته وزارة الخارجية بشأن الحرب الروسية الأوكرانية، وليس بمعزل عنه، ذلك أن اختيار الحياد والنأي بالنفس، يعني رفض الاندراج ضمن وقود حطب القطبية الجاري تشكيلها في الوضع الدولي المستجد، كما أن التصويت المغربي كشف تبني الرباط لقرار ديبلوماسي وسياسي مستقل، ولم يخضع لضغوط أي طرف، برغم شراكاته وعلاقاته المتنوعة مع الأطراف كلها.
تبعا لما سبق، الموقف المغربي يقوم في المبدأ على دعم الوحدة الترابية والوحدة الوطنية لكل الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، ويتشبث بمبدأ عدم استخدام القوة لتسوية الخلافات بين الدول، وهو يشجع كل المبادرات والإجراءات الرامية إلى تعزيز التسوية السلمية للنزاعات…
ومعنى هذا، أن كل تصعيد من أي طرف أو أي اصطفاف مباشر مع هذا أو ضد ذاك، من شأنه أن يخلف تداعيات، ويدفع نحو إدامة التوتر والمأساة، في حين اختيار الحياد في مثل هذه المواقف الدقيقة قد يشجع على التهدئة ووقف التصعيد وفتح مجالات للتفاوض والديبلوماسية والحوار.
الحرب الروسية الأوكرانية هي حرب مختلفة، وهي حرب تحضر فيها بقوة الإستراتيجيا والتاريخ والمصالح، وكل موقف يساند هذا الطرف أو ذاك من شأنه إنتاج ردود أفعال غير محسوبة العواقب، كما أن التصعيد بالمواقف وخطوات الدعم والترجيح سيفضي إلى تداعيات ومخاطر مدمرة، بما في ذلك على بلدان وشعوب أخرى خارج مناطق النزاع.
لكل هذا، الموقف المغربي، بلاغ الخارجية وقرار التصويت في نيويورك، تشبث بالمبدأ من الحروب وحل الخلافات بين جميع الدول واحترام وحدتها، واستحضر، في نفس الوقت، مصالحه الوطنية والإستراتيجية، أي أنه سعى للتعبير عن موقف دقيق في ظرفية دقيقة، من دون أن ينسى مخاطر أي خطوة غير محسوبة على مصالحه وعلاقاته مع شركائه الدوليين.
التحولات التي يحياها العالم اليوم، بما في ذلك تداعيات زمن الجائحة، يجعلنا أمام إرهاصات لوضع قادم لا يخلو من مخاطر، ربما لم تعشها البشرية من قبل، وإذا أضفنا هذه التبدلات الإستراتيجية المعقدة إلى وضعنا الداخلي العام وما يطرحه آنيًا ومستقبلا من تحديات وطنية واستراتيجية وتنموية واجتماعية، فإن ذلك يفرض التفكير في السؤال الديبلوماسي والتموقعات الإقليمية والدولية للمملكة على ضوء ذلك، كما يجدر أن نقرأ التصويت المغربي الأخير انطلاقا من كل ذلك، وليس اعتبار الديبلوماسية كما لو أنها مقالة تحليلية أو خطبة منبرية أو… قصيدة شعر تعج بالحماسة.
الأمر يتعلق بمواقف وقرارات يجب أن تكون مدروسة جدا، وتخضع لحسابات بدورها دقيقة جدا، ولا تنسى، ولو لثانية واحدة، التداعيات وردود الفعل على القضايا الداخلية والمصالح الوطنية.
نأمل أن ينتصر العقل في الحرب الروسية الأوكرانية، وأن يتوقف القتل والدمار في أقرب وقت، وأن يعود السلام والاستقرار، وتنتصر الأخوة بين الشعبين الشقيقين والجارين، وأن ينجو العالم كله من تبعات استمرار هذه المأساة.
محتات الرقاص