أنهى الدكتور مصطفى الكثيري، المندوب السامي لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، أول أمس الأربعاء، من مدينة بوجدور، جولته بالأقاليم الجنوبية، التي انطلقت بداية الأسبوع الجاري، بمناسبة تخليد الذكرى 46 لجلاء آخر جندي أجنبي عن الصحراء المغربية.
ووصف المندوب السامي لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، في كلمة له بمناسبة تخليد الذكرى 46 لجلاء آخر جندي أجنبي عن الصحراء المغربية، مدينة بوجدور بقلعة النضال والصمود، موئل الشهامة والإباء.
واعرب الكثيري عن فخره واعتزازه بالتئام المقاومين وأسر الشهداء بهذه الربوع الفيحاء المجاهدة، احتفاء بالذكرى 64 لمعركة الدشيرة الغراء والذكرى 46 لجلاء آخر جندي أجنبي عن الأقاليم الجنوبية، الحدثين التاريخيين اللذين جسدا أسمى قيم التضحية والفداء، التي قدمها أبناء القبائل الصحراوية مسترخصين أرواحهم دفاعا عن حياض الوطن والذود عن مقدساته الدينية وثوابته الوطنية.
حضور حافل وقوي
وقال الكثيري إن سجل أمجاد هذه الربوع الأبية حافل بالصفحات المشرقة المجيدة وتحتفظ ذاكرة التاريخ بإكبار وإجلال بالملاحم التي صنعها أبناء هذا الإقليم في مواجهة الأطماع الاستعمارية والمحاولات الأولى للغزو الأجنبي ما بين سنتي 1913 و1915 والتي امتدت إلى سنة 1935 حيث تصدوا بكل عزيمة وبسالة لصد الحملات العسكرية متمسكين بشخصيتهم المغربية وهويتهم الوطنية وببيعتهم للعرش العلوي المنيف.
وأضاف المندوب السامي أن الذاكرة التاريخية الوطنية لمنطقة بوجدور والقبائل المجاورة لها سجلت حضورها القوي ومساهمتها الفعالة في الانطلاقة المظفرة لجيش التحرير بالأقاليم الجنوبية، وكان ذلك في سنة 1956 من أجل استكمال الاستقلال الوطني وتحرير المناطق الجنوبية للوطن، التي كانت ترزح تحت نير المستعمر الأجنبي، فضلا عن انغمارها في خوض معارك ضارية ذاكرا منها: معارك ضد الاستعمار الفرنسي، كمعركة أم العشار ومركالة والسويحات سنة 1956 والرغيوة ووادي الصفا والروضة سنة 1957 وغيرها. ومعارك ضد الاستعمار الاسباني: إنتفاضة ايت باعمران سنة 1957 ومعركة بوجدور سنة 1957م ومعركة الدشيرة سنة 1958. علاوة على المناوشات والمواجهات بكل من منطقة أريدال وسبخة توزونى، تلكم المعارك الخالدة التي تناقلت أطوارها ومجرياتها أمهات الصحف العالمية مشيدة باستماتة المقاومين وأعضاء جيش التحرير وصمودهم وروحهم القتالية العالية ووقوفهم في وجه قوة الاحتلال الأجنبي والتحالف الاستعماري الفرنسي الاسباني.
وتابع الكثيري أن هذه الربوع المجاهدة تفاعلت أيضا مع كافة المحطات والمنصات النضالية التي خاض غمارها الشعب المغربي بقيادة العرش العلوي المجيد لاستكمال مسلسل التحرير الوطني الشامل الذي أعلن عنه جلالة المغفور له محمد الخامس في خطابه التاريخي بمحاميد الغزلان يوم 25 فبراير 1958 وهي السنة التي استرجعت فيها بلادنا مدينة طرفاية.
الأجيال الجديدة
وشدد الكثيري على أن الأجيال الجديدة والناشئة هي في أمس الحاجة إلى تعريفها بهذا التاريخ، تاريخ بلدنا التليد الطافح بالملاحم والبطولات والزاخر بالأمجاد والمكرمات، لاستقراء جوانبه وفصوله واستلهام قيمه وعبره وعظاته لتقوية الروح الوطنية حب الوطن والاعتزاز بالانتماء الوطني وترسيخ قيم المواطنة الايجابية وحفز الأجيال الصاعدة والجديدة على استيعاب الأبعاد العميقة والدلالات الرمزية لذاكرتنا التاريخية الوطنية في مسيرات البناء والنماء وإعلاء صروح المغرب الجديد، مغرب التنمية الشاملة والمستدامة والبناء المؤسساتي والديمقراطي والحداثي.
واستطرد الكثيري: “إننا اليوم ونحن نخلد الذكرى 64 لمعركة الدشيرة الغراء والذكرى 46 لجلاء آخر جندي أجنبي عن الأقاليم الجنوبية، لنحن نستلهم قيمها ومثلها العليا، وما تختزنه هذه الذاكرة والمناسبة الوطنية من مواقف الشهامة والإباء وشمائل الوطنية الحقة والصادقة، ونتوخى أن يكون الاحتفاء بذكرى هذا الحدث في هذه الظروف، ظروف خروج بلادنا من الحجر الصحي بالتدرج، وقفة وكما في السابق للتأمل والتدبر حتى يشب الخلف على هدي السلف، ويضطلع نساء ورجال اليوم والغد بأدوارهم ومهامهم على الوجه المطلوب والمأمول في ملاحم الجهاد الأكبر ومسيرات العهد الجديد التي يحمل لواءها ومشعلها بحنكة وتبصر واقتدار وبعد نظر صاحب الجلالة الملك محمد السادس حفظه الله في سبيل الارتقاء ببلادنا وإعلاء صروحها بين الشعوب والأمم، وفي سبيل إنجاز المشروع المجتمعي الحداثي والديمقراطي والتنموي، وتأهيل البلاد لمواجهة ورفع كل التحديات وكسب رهانات التنمية الشاملة والمستدامة”.
تكريم واعتراف
وبهذه المناسبة، وترسيخا للسنة المحمودة والتقليد الموصول للوفاء والبرور والعرفان برجالات المغرب الأبرار الذين أخلصوا للوطن وأسدوا وضحوا ذودا عن حريته واستقلاله، تم تكريم 6 من قدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، وهم صفوة أبناء هذه الربوع المجاهدة. والذين يحق لنا اليوم أن نقف لهم وقفة إكبار واعتزاز بما برهنوا عنه من روح المسؤولية والتضحية وقيم الإيثار ونكران الذات، سيحفظها لهم التاريخ بمداد من الفخر والإعجاب وهم:
1. المقاوم المرحوم البشير الأنصاري؛
2. المقاوم المرحوم سيدي أحمد هداد؛
3. المقاوم المرحوم عياد لكرواز؛
4. المقاوم المرحوم بلعيد ريكاط؛
5. المقاوم المرحوم البدري بوركع؛
6. المقاوم المرحوم محمد سالم أبي.
فإليهم جميعا عبارات الثناء والتقدير والامتنان والعرفان على ما بذلوه وما قدموه من أعمال جليلة للوطن، كما نبتهل بالمناسبة إلى الباري جلت قدرته، أن ينزل عليهم وكل شهداء الحرية والاستقلال والوحدة الترابية منازل الأبرار، بجوار النبيئين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا، إنه سميع مجيب.
وإلى جانب التكريم المعنوي، فإن المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير تحرص على التكريم المادي، حيث خصصت إعانات مالية لعدد من قدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير وأرامل المتوفين منهم بهذه المناسبة الغالية عرفانا بما أسدوه خدمة للوطن، وتعدادها 40 إعانة مالية تتعلق بالإسعاف الاجتماعي بغلاف مالي إجمالي قدره 40.000.00 درهم.
استحضار للقضية
وقال المندوب السامي إن الحديث عن تخليد الذكرى 64 لمعركة الدشيرة الغراء والذكرى 46 لجلاء آخر جندي أجنبي عن الأقاليم الجنوبية ذكرى جلاء آجر جندي أجنبي عن أقاليمنا الجنوبية، تحتم علينا جميعا، كل من موقعه، استحضار قضيتنا، الوطنية الأولى قضية الوحدة الترابية التي هي من مسؤولية جميع المغاربة كما أكد ذلك جلالة الملك محمد السادس في العديد من المناسبات.
واعتبر الكثيري أنه من واجبنا ونحن نحيي هذه الذكرى ونستحضر هذه الأمجاد أن نعبر ونبرهن على الوقوف الدائم والمستمر من أجل صيانة الوحدة الترابية وتثبيت المكاسب الوطنية. كما نعبر عن الموقف الثابت لأسرة المقاومة وجيش التحرير من أجل نصرة القضية الوطنية، لأن قدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير كانوا هم من أوقدوا جذوة الكفاح التحريري للأقاليم الجنوبية وخاضوا غمار الكفاح الوطني من أجل تحريرها من الاحتلال الاسباني والاحتلال الفرنسي.
فاسترجاع أقاليمنا الجنوبية هو مكسب وطني للمغاربة جميعا ملكا وحكومة وشعبا، علينا واجب صيانته وتثبيته في وجه خصوم الوحدة الترابية الذين يريدون معاكسة بلادنا في وحدتها وسيادتها على كامل ترابها وأراضيها.
عبد الصمد ادنيدن