تشهد العلاقات المغربية الإسبانية دينامية واضحة تؤسس، من دون شك، لمرحلة جديدة في العلاقات الثنائية بين البلدين، وأيضا لبداية تشكل وضع إقليمي متوسطي مختلف، ولينجح الطرفان في هذا التحدي، لا بد من تقوية الوعي المشترك بأهمية ذلك، واعتماد الحكمة وبعد النظر لصنع المستقبل.
المرحلة الجديدة في العلاقة بين الرباط ومدريد، لا شك أن الموقف التاريخي الذي أعلن عنه رئيس الوزراء الإسباني بشأن قضية الوحدة الترابية وتأييد المقترح المغربي للحكم الذاتي لأقاليمنا الجنوبية، ساهم، بشكل كبير، في التأسيس لها، ولكن أيضا الحزم الديبلوماسي المغربي ووضوح المواقف السياسية لعبا دورا مركزيا في صنع قواعد مبدئية جديدة في التفاوض، ومن ثم لعبت الديبلوماسية دورها، وخصوصا الثوابت التي كان قد حددها خطاب جلالة الملك في عشرين غشت الماضي، وكل هذا أفضى إلى جعل زمنية العلاقات المغربية الإسبانية ليومنا هذا مختلفة عما سبقها.
إن علاقات الرباط ومدريد، وفضلا عن معناها الثنائي والتاريخي، وأيضا حجم وطبيعة المصالح المتداخلة بين البلدين، فهي أيضا تتأثر بالسياقات الإقليمية والدولية، وبتحولات الأوضاع العالمية، ولهذا هي تبقى محكومة بشرط موضوعي يفرض عليها أن تتعزز وتتغير وتتطور.
إسبانيا فكرت في مستقبلها، واستحضرت مصالحها الاقتصادية والسياسية والإستراتيجية، واتخذت، من ثم، الموقف المناسب لذلك، وكان طبيعيا أن يجسد هذا التحول تغييرا جوهريا في موقفها من الوحدة الترابية للمغرب، ومن النزاع المفتعل حول مغربية الصحراء، خاصة أن مدريد هي القوة المستعمرة السابقة للمنطقة، وتعرف حقائق وتفاصيل الملف.
المرحلة الجديدة تضع اليوم أمام البلدين فرص تعاون وشراكة عديدة، تضاف إلى الرصيد التاريخي العريق من العمل الثنائي المشترك بين الطرفين، ومن المعرفة المتينة لبعضهما البعض، ومن القرب الجغرافي بينهما، وكل هذا يفتح كثير آفاق واعدة، ويؤسس لمستقبل مختلف.
بقيت الإشارة إلى أن تحديا لا يخلو من أهمية يطرح أمام العقل الإسباني في علاقته بالمغرب، ويتعلق بالترسبات الثقافية والقيمية الموروثة عبر التاريخ، وهو ما يجب أن يشترك في التصدي له المثقفون ووسائل الإعلام والطبقة السياسية، وذلك من أجل تطوير الفهم الإنساني والتمثلات الثقافية التاريخية، وبالتالي العمل معا لترسيخ التواصل بين البلدين والشعبين ضمن رؤية تستحضر أوضاع اليوم، والمسؤولية المشتركة عن صنع المستقبل.
<محتات الرقاص
