تعتبر الأزمات المالية والإقتصادية إحدى أبرز الظواهر الإقتصادية التي يكون لها أثرا عميقا على حركة النشاط الاقتصادي وعلى العلاقات الاقتصادية الدولية.
وتحتاج الأزمات المالية، مدة زمنية قد تكون طويلة جدا، للتعافي من آثارها السلبية، كما أنها تهدد الاستقرار الاقتصادي والسياسي للعلم بشكل عام والدولة المعنية بشكل خاص.وأمست الأزمات المالية والاقتصادية من أبرز سمات العقود الأخيرة، مثيرة اهتمام اهتمام الكتّاب والباحثين والاقتصاديين وحتى السياسيين في مختلف دول العالم وتطور الفكر الاقتصادي الذي يتناول الأزمات ويبحث في مسبباتها وكيفية معالجتها.
ولا غرو أن الأزمات الإقتصادية والمالية لها آثار سلبية عديدة تتعدى الجانب الاقتصادي ممتدة إلى الجوانب الأخرى كالسياسية والاجتماعية والصحية والتعليمية وغيرها، لذا فإن دول العالم تحاول قدر الإمكان التخفيف من آثار هذه الأزمات.
وفي هذا الصدد، سنحاول خلال هذه الفقرة اليومية طيلة هذا الفضيل، تسليط الضوء على أبرز الأزمات الاقتصادية التي عرفها العالم، مسلطين الضوء على سياقها وأبرز أسبابها ونتائجها.
” أزمة تونس الاقتصادية 2021″
وسنتطرق في فقرة اليوم، لأزمة “تونس الاقتصادية”، وشهدت تونس في 2021 إحدى أسوأ أزماتها الاقتصادية التي عرفتها منذ الاستقلال، وفاقمتها التجاذبات السياسية وتداعيات انتشار جائحة كورونا.
ورغم تعافي دول عديدة من تبعات الجائحة، وعودة النشاط الاقتصادي إلى سالف نشاطه، فإن تونس لم تستفد من هذه الوضعية بسبب عدم الاستقرار السياسي الذي عاشته منذ بداية العام.
أمام هذه الوضعية، فإن ما ميّز هذه السنة هو بلوغ الدين العام مستويات قياسية، وتفاقم العجز في الميزانية، وارتفاع نسب البطالة والتضخم مع تراجع النمو الاقتصادي.
كما ساهم عدم الاستقرار السياسي في عجز الحكومة عن الخروج إلى الأسواق المالية العالمية، ومن ثم عن تعبئة موارد للدولة.
عدم تحقيق المأمول
في ظل التجاذبات السياسية التي عرفتها البلاد منذ بداية العام، كان من الصعب تحقيق نمو اقتصادي كما كان متوقعا، ليتم في قانون المالية التعديلي خفض توقعات النمو لعام 2021 إلى 2.6 بالمئة، من 4 بالمئة.
وعلى عكس التوقعات، بدأت السنة بتسجيل انكماش بـ 1.7 بالمئة في الربع الأول من العام، على أساس سنوي، ثمّ نمو بـ 16.2 بالمئة في الربع الثاني، و0.3 بالمئة في الربع الثالث 2021.
ويرى محللون أن حتى نسبة 2.6 بالمئة لكامل العام من الصعب تحقيقها، في ظل الوضع الحالي.
الدين العام
شهد الدين العام نسقا تصاعديا منذ سنوات ما بعد الثورة، فبعد أن كان حجمه لا يتجاوز 43 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي في 2009، ارتفع إلى 90 بالمئة في 2020.
وتشير توقعات قانون المالية الأصلي للعام الحالي، إلى بلوغ الدين العام مستوى قياسيا ليصل إلى 109.23 مليارات دينار (37.6 مليار دولار) منها 74.21 مليار دينار (25.5 مليار دولار) دينا خارجيا.
وفي 2020، بلغت قيمة الدين العام 93.04 مليار دينار (32.08 مليار دولار)، منها 61.29 مليار دينار (21.1 مليار دولار) دينا خارجيا.
وبلغ الدين العام في 2019، ما قيمته 83.33 مليار دينار (28.7 مليار دولار)، منها 58.60 مليار دينار (20.2 مليار دولار) دينا خارجيا.
التضخم صعودا
شهدت نسبة التضخم ارتفاعا متواصلا منذ بداية 2021، حيث كانت تبلغ 4.9 بالمئة في يناير، لترتفع إلى 5.7 بالمئة في يونيو، و6.4 بالمئة في نوفمبر.
هذا الارتفاع في التضخم قادم أساسا من الارتفاع المتواصل للأسعار، رغم الدعوات المتكررة للحد من الارتفاع المشط للأسعار واحتكار المواد الأساسية.
تعطّل المفاوضات مع صندوق النقد
سعت تونس في 2021 إلى تجاوز الأزمة الاقتصادية التي تعيشها منذ سنوات ما بعد الثورة، والتي فاقمتها الأزمة الصحية، من خلال دخولها منذ مايو/ أيار الماضي في مفاوضات جديدة مع صندوق النقد الدولي بهدف الحصول على قرض جديد قيمته 4 مليارات دولار.
لكن الأخير يشترط توفر الاستقرار السياسي وتوافقاً بين جميع الأطراف السياسية والمنظمات الوطنية، إلى جانب الالتزام بتنفيذ جملة من الإصلاحات المتأخرة.
هذه المفاوضات توقفت تزامنا مع قرارات 25 يوليوز، نتيجة عدم الوضوح السياسي، لتستأنف في بداية نوفمبر.
ورغم التصريحات المتكررة بشأن مواصلة صندوق النقد تقديم الدعم إلى تونس، فإنه لم يتم التوصل إلى أي اتفاق مبدئي بين الطرفين.
عجز الميزانية
الفشل في تعبئة موارد للدولة خارجيا، أجبر الحكومة على مراجعة توقعاتها ليس فقط للنمو، بل أيضا للعجز في الميزانية.
ووفقا لقانون المالية التعديلي لعام 2021، رفعت الحكومة قيمة العجز إلى 9.79 مليارات دينار (3.37 مليارات دولار)، صعودا من 7.094 مليارات دينار (2.44 مليار دولار)، في قانون المالية الأصلي.
وتسعى الحكومة إلى تغطية هذا العجز باللجوء إلى الاقتراض الداخلي.
عجز في تعبئة موارد للدولة
أثقلت تداعيات الأزمة الصحية كاهل الموازنة العام في 2021، فمع تراجع العائدات السياحية، وقيود الإغلاق التي كانت مفروضة عام 2020، فإن الحكومة كانت في حاجة إلى تعبئة موارد إضافية للدولة عبر الاقتراض بقيمة 19.6 مليار دينار (6.75 مليارات دولار).
يتوزع مبلغ التعبئة المفترض، بين 16.6 مليار دينار (5.72 مليارات دولار) في شكل اقتراض خارجي، و2.9 مليار دينار (مليار دولار) كاقتراض داخلي.
ارتفاع نسب البطالة
شهدت نسب البطالة منحى تصاعديا منذ بداية جائحة كورونا، وما فرضته من قيود على المواطنين بسبب الحجر الصحي وهو ما أدّى إلى فقدان العديد إلى مواطن شغلهم.
هذه الوضعية أدت إلى ارتفاع نسبة البطالة إلى 18 بالمئة في الربع الثاني 2020، صعودا من 15.1 بالمئة في الربع الأول من العام نفسه.
ولكن ورغم عودة الأنشطة الاقتصادية فإن البطالة في تونس لم تتراجع بل واصلت نسقها التصاعدي في 2021، لتبلغ 17.8 بالمئة في الربع الأول، و17.9 المئة في الربع الثاني، ثم 18.4 بالمئة في الربع الثالث.
ومنذ 25 يوليو الماضي تشهد تونس أزمة سياسية حين بدأ رئيس البلاد قيس سعيد اتخاذ إجراءات استثنائية منها، تجميد اختصاصات البرلمان ورفع الحصانة عن نوابه، وإلغاء هيئة مراقبة دستورية القوانين، وإصدار تشريعات بمراسيم رئاسية، وترؤسه للنيابة العامة، وإقالة رئيس الحكومة، وتشكيل أخرى جديدة.
وترفض غالبية القوى السياسية بالبلاد قرارات سعيد، وتعتبرها “انقلابا على الدستور”، بينما تؤيدها قوى أخرى ترى فيها “تصحيحا لمسار ثورة 2011″، التي أطاحت بالرئيس آنذاك، زين العابدين بن علي.
فيما يقول سعيد، الذي بدأ في 2019 ولاية رئاسية من 5 سنوات، إنه اتخذ تدابير في إطار الدستور لحماية الدولة من “خطر داهم”، مشددا على أنه “لن يتم المساس بالحقوق”.
> عبد الصمد ادنيدن