اجتاح “هاشتاك” السر المهني خلال الأيام الأخيرة، موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، الذي كشف عن حجم الغش والتلاعب والنصب، إضافة للتمويه الذي يتعرض له المستهلك المغربي، على كافة الأصعدة وفي مختلف المجالات (التغذية، الزينة والتجميل، السلع باختلافها، الخدمات الصحية والإدارية…).
هذه الأسرار التي تم الإفصاح عنها بقدر ما تبعث الرعب في نفوس القراء والمتلقين، وتزعزع ثقتهم في كل شيء محلي، فإنها في المقابل تعري من جديد حقيقة الفساد واللامبالاة المستشرية في مختلف اللجان المكلفة بالمراقبة والتتبع، بمختلف القطاعات، التي يفترض فيها أن تكون الذراع الذي يدرأ الخطر الذي يحدق بالمواطن، سواء الذي يمس صحته أو جيبه وفي مختلف المجالات.
صراحة ما تم الكشف عنه من حقائق وأسرار، من طرف أشخاص كانوا إلى وقت قريب شركاء في هذه الجرائم التي تهدد سلامة الشعب المغربي الصحية والاقتصادية، ليس بالجديد، بل يزكي ما سبق وتطرقنا له في أكثر من مناسبة في هذه الجريدة وهذا العمود الأسبوعي، أملا في تحريك المياه الراكدة وإيقاظ الضمائر النائمة، التي يبدو أنه بات يحكمها ويحركها الجشع والطمع والأنانية، ولتذهب صحة المواطن إلى الجحيم.
إن ما صُرح به في هذه المكاشفة الجماعية، يضاف إلى ما نشرناه الأسابيع الماضية، من أحداث ومعطيات وحقائق واقعية، من قبيل “البرتقال المغربي المصدر إلى هولندا” والتفاعل المغربي المتأخر مع قضيتي “شوكولاته كيندر وبيتزا بيوتوني”، وأيضا موضوع “الغش في الذهب”، والتسممات التي يتعرض لها تلاميذ الداخليات (آخرها بنواحي زاكورة خلال الأسبوع الماضي)، وجودة المأكولات التي تقدم بعدد من المطاعم “نموذج قضية أوزود”، وأيضا قضايا النصب والاحتيال التي يتعرض لها المستهلكون على مستوى منصات البيع الإلكترونية الوهمية، كلها كفيلة بتقديم استقالة العديد من الوزراء لو كان لدينا مسؤولين حريصين على صحة وأمن المواطن الاستهلاكي، لكن أمام غياب المتابعة وعدم تحمل المسؤولية، وضعف إن لم نقل غياب لجان المراقبة وفساد بعض مكوناتها، يجعل الجميع ينفلت من المسؤولية الاخلاقية قبل القضائية، أما السياسية فذلك أمر مؤجل.
لو كنا في بلد ديمقراطي، فتصريحات رئيس جمعية تجار قيسارية الذهب بالقصر الكبيرK التي صرح فيها بأن لجان المراقبة لم تقم بزيارة المحلات ومراقبتها منذ تسعينيات القرن الماضي، كانت كافية لتقيم الدنيا ولا تقعدها، لكن يبدو أن لا حياة لمن تنادي، وهو ما كشفت عنه أيضا قضية شوكولاته “كيندر” التي عاينت بيان اليوم في أكثر من مناسبة استمرار تسويقها من طرف محلات تجارية كبرى وفي شوارع رئيسية، بالرغم من إيقاف تسويقها في عدد من البلدان الحريصة على صحة مواطنيها.
يبدو أن ثقافة المراقبة شبه غائبة للأسف عن الساهرين على تدبير الشأن العام، وذلك يعود لعدة أسباب منها ما هو أخلاقي ومنها ما هو قانوني، إذ أن الأمر مرتبط بانتشار ثقافة “شوف وسكت” بين المواطنين أو ثقافة “ديالنا” و”دهن السير يسير” بين المسؤولين عن المراقبة، حيث أضحى التغاضي عن جرائم الغش والتلاعب أمرا سائدا ولا يمكن إنكاره، في حين أن غياب أحكام رادعة من قبل القضاء المغربي عمق من الأزمة، حيث تشجع الأحكام المخففة على قلتها أصلا في استمرار الظاهرة بشكل جعلها جزء من الخبز اليومي للمواطن أو المسؤول.
قد يعلل ذلك بقلة أعداد العنصر البشري للقيام بالمهام المنوطة بها على الصعيد الوطني، لكن هذا لا يبرر “الكسل” حتى لا نقول شيئا آخر، عن عمل هذه اللجان التي تكلف المال العام الشيء الكثير دون نتائج تذكر، أو أن نتائجها محتشمة في أفضل الأحوال، إن لم نقل مناسباتية وسياسة الواجهة.
نعتقد أن هشتاك “سر مهني” هي مكاشفة مغربية جديرة بالدراسة والتحليل، وهي مناسبة للحكومة أن تعالج هذا الموضوع بالجدية اللازمة، لأن الأمر لا يتعلق بمسألة عابرة، بل أصبح ظاهرة مسيئة جدا، ليس فقط على صحة وأموال المواطن المغربي، بل أيضا لسمعة الوطن دوليا، خصوصا أننا نرفع رهانات كبرى ترتبط بالحكامة والشفافية وربط المسؤولية بالمحاسبة… فهل يستقيم كل ذلك مع التطبيع مع ثقافة الغش؟
< عبد الصمد ادنيدن