قال محمد نبيل بنعبد الله، الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، إنه من غير المقبول أن تبرر الحكومة الحالية فشلها وعدم تدبيرها بما ورثته من سياسات الحكومات السابقة والبرامج التي تمت خلال السنوات العشر السابقة.
وأوضح بنعبد الله الذي كان يتحدث ليلة أول أمس الثلاثاء، في لقاء نظمته مؤسسة الفقيه التطواني، أنه من غير المقبول أن يصدر مثل هذا الخطاب التعجيزي والتبريري من الحزب الذي يقود الحكومة، في الوقت الذي كان هو نفسه مسؤولا عن أهم الإجراءات التي تمت خلال العشر سنوات الماضية وعن أهم السياسات العمومية والاقتصادية والاجتماعية، وعلى رأسها وزارة الاقتصاد والمالية التي تعد المسؤولة المباشرة عن عدد من الإجراءات.
ونبه بنعبد الله إلى مخاطر ترويج هذا الخطاب على العملية الديمقراطية والمشهد السياسي العام، معتبرا أنه خطاب متجاوز لأن جميع الحكومات تشتغل على إرث الحكومات السابقة بنجاحاتها وفشلها، فضلا عن كون الحصول على أغلبية أصوات الناخبين يعني تنزيل البرنامج الذي قدمته هذه الأحزاب في الانتخابات ولا يعني ترويج خطاب التبرير والعجز.
وبعدما سجل صعوبة المرحلة الحالية التي تعرف ظروف الحرب وانعكاساتها على السوق العالمية، وكذا ما خلفته جائحة كورونا من انعكاسات سلبية على الاقتصاد، قال بنعبد الله إن أي حكومة تزامنت مع المرحلة الراهنة كانت ستواجه صعوبات حقيقية بفعل ما يعرفه العالم من تقلبات.
وأردف بنعبد الله أنه لا يمكن تبرير هذه الصعوبات والوقوف للتباكي على الأوضاع والتملص من المسؤولية، مشددا على أن أي حكومة مطالبة باتخاذ القرارات اللازمة وتنزيل السياسات العمومية المناسبة، ومباشرة الإصلاح وتحمل مسؤوليتها.
وأكد بنعبد الله أن المطلوب اليوم هو ملء الساحة والفضاء العمومي بالنقاش، وأن “تخرج الحكومة لمخاطبة لمواطنات والمواطنين وتوضح لهم الصعوبات التي تعترضهم، وعن الإجراءات التي تنوي اتخاذها وعن أجل البرامج التي رفعتها في شعاراتها وفي مخطط عملها، وتبرز أهم التعديلات الممكنة للتأقلم مع المتقلبات العالمية”.
ووجه زعيم حزب “الكتاب” انتقادات واسعة للحكومة في هذا الجانب، حيث اعتبر أن السياق العام الذي يتسم بالصعوبة يحتاج إلى كثير من التواصل والحضور في المشهد، وتقريب الناس من التصورات وما تم إنجازه وما لم يتم، وما الذي تنوي الحكومة تأجيل إنجازه بفعل الصعوبات الحالية.
واستغرب بنعبد الله من أسباب هذا الغياب غير المبرر للحكومة ومكوناتها عن النقاش السياسي والتواصل مع المواطنات والمواطنين، خصوصا في ظل هذه الظروف الصعبة، كما استغرب المتحدث نفسه عن استمرار الحكومة في الاحتفاظ بتصريحها وبرامجها بدون أي تعديلات تتلائم مع الوضعية الراهنة، مشيرا إلى التناقض الصارخ بين ما جاء في شعارها وبرنامجها وما تقوم به على أرض الواقع من إجراءات لا تلامس واقع المواطنات والمواطنين.
وجدد الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية انتقاداته للشعارات التي جاءت بها الحكومة من قبيل الدولة الاجتماعية وتبني ما جاء به النموذج التنموي الجديد، مشيرا إلى أن محاور النموذج التنموي الجديد وشعار الدولة الاجتماعية يحتاج إلى أفعال حقيقية وإلى سياسات عمومية يستشعرها المواطنون على أرض الواقع، في الوقت الذي لم تبين فيه الحكومة الحالية عن أي نية لذلك، سواء واقعيا أو في تصريحها أو في القوانين أو حتى في الإجراءات التي قامت بها، أو حتى في مواجهة ما تعرفه الساحة الدولية من تقلبات في الأسعار.
في هذا الصدد، توقف بنعبد الله عند الزيادات المهولة التي عرفتها اسعار المحروقات والتي قال إنها تحتاج إلى إرادة حقيقية لمواجهتها ومن خلال قرارات تعبر حقيقة عن الدولة الاجتماعية وعن دور الدولة في حماية القدرة الشرائية للمواطنات والمواطنين.
إجراءات الحكومة في مواجهة غلاء المحروقات محدودة ويجب امتلاك الإرادة للتدخل
وعاب زعيم حزب التقدم والاشتراكية ارتكان الحكومة إلى إجراءات محدودة من قبيل دعم بعض مهنيي النقل مقابل استمرار الغلاء الفاحش في أسعار المحروقات التي ارتفعت بما يزيد عن درهم في مادة البنزين والتي يرتقب أن يصل سعرها إلى ما يزيد عن 20 درهما.
وتساءل بنعبد الله عن عدم مباشرة الحكومة لإجراءات حقيقية تخفف آثار غلاء أسعار المحروقات على المواطنات والمواطنين كما تم في بلدان مجاورة كفرنسا وإسبانيا، التي اختارت تقليص أو حذف الضريبة المفروضة على الاستيراد لامتصاص تقلبات الأسعار العالمية، أو اللجوء إلى تقليص هامش ربح الشركات في القطاع التي حققت أرباحا كبيرة، فضلا عن ما يتعلق باستمرار إغلاق لاسامير وتكرير البترول محليا لتقليص نفقات الاستيراد، معتبرا أن الحكومة عاجزة عن اتخاذ قرارات حقيقية وتفتقد للإرادة الحقيقية للإصلاح بالنظر لما يعرفه الجميع ومن تضارب المصالح في هذا الجانب.
إلى ذلك، لفت بنعبد الله إلى غياب المقاربة الديمقراطية والجانب السياسي والحقوقي في برامج الحكومة وتصريحها، التي اكتفت به بعنوان يتيم بدون أي مضمون، محذرا من هذا التوجه الذي يضرب بعرض الحائط أهم مقوم في مقومات التنمية وهو تقوية الفضاء الديمقراطي والسياسي والحقوقي.
لا نجاح في المقاربة الاقتصادية والاجتماعية بدون فضاء سياسي
وقال بنعبد الله إنه لا نجاح في المقاربة الاقتصادية والاجتماعية بدون فضاء سياسي وديمقراطي، داعيا إلى تقوية الفضاء السياسي والديمقراطي بالحضور القوي في المشهد والدفاع عن التوجهات والبرامج والدفاع عن القرارات والإجراءات والتواصل مع المواطنات والمواطنين بشكل دائم ومستمر، مجددا التأكيد على أن السياسة مغيبة لدى الحكومة الحالية التي ترتكن الى التقوي بالأغلبية العددية فقط، محذرا من مخاطر ذلك على المستقبل وخصوصا على العلاقة بين المؤسسات والعملية السياسية من جهة والمواطنات والمواطنين.
ودعا بنعبد الله إلى العمل على رأب الهوة التي تزيد اتساعا بين المؤسسات والمواطنات والمواطنين وإعادة القوة إلى المشهد السياسي والديمقراطي وإعادة الثقة في المشهد العمومي الوطني وملء الساحة، وامتلاك الإرادة الحقيقية للإصلاح.
عبد اللطيف وهبي: ارتفاع الأسعار كان يمكن أن يكون أكبر لو لم تتدخل الحكومة
من جانبه، قال عبد اللطيف وهبي الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة ووزير العدل الحالي إن الحكومة الحالية جاءت في ظروف صعبة تتمثل في انعكاسات جائحة كورونا وظروف الحرب التي أثرت على العالم.
وأضاف وهبي في ذات اللقاء الذي سيره بوبكر الفقيه التطواني رئيس مؤسسة الفقيه التطواني وشارك في محاوره كل من الصحفيين محمد الغروس مدير موقع العمق المغربي ومريم بوتوراوت الصحفية بالإذاعة الوطنية، (أضاف) أن الحكومة الحالية وبالرغم من الصعوبات باشرت مجموعة من الإصلاحات واتخذت مجموعة من القرارات لمواجهة الأزمات الحالية من قبيل دعم قطاع النقل ورفع ميزانية صندوق المقاصة لتدعيم المواد الأساسية.
وأوضح وهبي أن هناك إكراهات وظروف تزامنت مع طموحات الحكومة الحالية، مبرزا أن العمل متواصل لتذليل العقبات، مردفا أن هناك مجموعة من الأمور التي يتم مناقشتها واتخاذ القرار بشأنها مع الأخذ بعين الاعتبار التوازنات المطلوبة.
وعبر وهبي عن مخاوف أخرى تتملك الحكومة والمرتبطة باستمرار الأوضاع على ما هي عليه، حيث قال إن استمرار الحرب يعني استمرار الصعوبات وتقلص الميزانيات، معربا عن مخاوفه من الوصول إلى إجراءات اشد في حال طالت التقلبات الحالية التي يعرفها العالم.
إلى ذلك، جدد وزير العدل في الحكومة الحالية التأكيد على أن ارتفاع الأسعار كان يمكن أن يكون أكبر لو لم تتدخل الحكومة، وهو ما اضطر الحكومة إلى أن الإنفاق أكثر مما تملك، في بعض الأحيان، لكي تحافظ على القدرة الشرائية للمواطنين، مشيرا إلى الإشادة التي حصل عليها المغرب في التقرير الأخير للبنك الدولي.
من جهة أخرى، كشف عبد اللطيف وهبي عن استمرار عمله على القانون الجنائي، موضحا أن التأخر في الإعلان عنه يأتي نتيجة قراءة متأنية في المسطرة وفي مواد وفصول القانون ومقتضياته، مشيرا إلى أنه منذ وصوله إلى وزارة العدل يشتغل إلى جانب فريق خاص من أجل إعادة النظر في التشريعات كلها ليعيد لهذا القانون حداثته وأوجه وانفتاحه.
وشدد وهبي على أن القانون الجنائي سيكون وفق الطموحات وسيأتي نتيجة مجهودات كبيرة من التفكير والتمحيص والمراجعة الدقيقة، مبرزا أن جزءا من التأخير مرتبط بالتباحث في العقوبات البديلة، حيث أوضح أن هذا الأمر يحتاج الى جهد فكري أكثر منه إلى جهد مادي.
وبخصوص تقوية الفضاء السياسي والديمقراطي، قال وهبي إنه يشترك مع حزب التقدم والاشتراكية هم تقوية الفضاء السياسي والديمقراطي باعتباره فضاء ضروريا لكافة الإصلاحات، مؤكدا بأن الحكومة مستعدة لفتح حوار مع جميع الأحزاب الوطنية، للخروج بتصور كيف تستطيع الحكومة تعميق المسار الديمقراطي دون بدون المساس باستقلالية الأحزاب.
< محمد توفيق أمزيان
< تصوير: رضوان موسى