أقرت رئاسة النيابة العامة بفشل السياسة الجنائية في خفض الاعتقال الاحتياطي ، ووجود إفراط في اللجوء إلى هذا الإجراء حتى أصبح يعد أحد الإشكالات المعقدة التي تساهم في ظاهرة الاكتظاظ داخل السجون، إذ ترتفع نتيجة ذلك الساكنة السجنية ليصل عددها وفق آخر المعطيات الرقمية إلى ما يزيد عن 88 ألف شخص، معتبرة أن التعريف الواسع الذي أقره المشرع لهذا الاعتقال وغياب العقوبات البديلة تعد أحد الأسباب التي تجعل القضاة سواء قضاة النيابة العامة أو قضاة التحقيق يلجؤون إلى هذا التدبير الإجرائي.
جاء ذلك في عرض تواصلي حول موضوع ” الاعتقال الاحتياطي” قدمه القاضي مراد العلمي رئيس شعبة تتبع تنفيذ السياسة الجنائية وتحليل ظاهرة الجريمة برئاسة النيابة العامة ، وذلك ضمن فعاليات الدورة 27 للمعرض الدولي للنشر والكتاب بالرباط، الذي تشارك فيه هذه المؤسسة تحت شعار ” نيابة عامة مواطنة”.
وقال القاضي مراد العلمي ” أن الاعتقال الاحتياطي الذي يشكل اللجوء إليه استثناء ، سجل طفرة خلال فترة الطوارئ الصحية المرتبطة بظروف تفشي وباء كوفيد، حيث شهد عدد المعتقلين ارتفاعا مهولا وصل إلى 103 ألف و374، مشيرا أن السبب الرئيسي في اللجوء إلى الاعتقال الاحتياطي يتمثل أساسا في التعريف الواسع الذي أعطاه المشرع لهذا التدبير الإجرائي ونظرا أيضا لارتباط الاعتقال الاحتياطي بالجريمة التي تتطور يوما عن يوم ، حيث أن النيابة العامة تتوصل في هذا الصدد بأكثر من 2 مليون من محاضر الشرطة القضائية”.
وأبرز في هذا الإطار، أن عدد الجرائم المرتكبة ضد الأشخاص بلغ عددها 14843، فيما بلغت جرائم الأموال 22327 جريمة، وجرائم تمس بنظام الأسرة والأخلاق العامة بلغ عددها 8197، مشيرا إلى تطور الحراسة النظرية بين سنوات 2017 و2021 ، حيث بلغ عدد ألأشخاص الذين خضعوا لهذا التدبير نحو 111 ألف شخص، مؤكدا أن اللجوء إلى الاعتقال يكون في الغالب بناء على وسائل إثبات ثابتة .
وأردف القاضي مراد العلمي ، موضحا أن العقوبات السالبة للحرية تهمين على المنظومة القانونية الوطنية ، فضلا عن عدم فاعلية البدائل الموجودة لترشيد الاعتقال الاحتياطي عمليا، مشيرا إلى أن قضاة النيابة العامة يتفادون ما أمكن اللجوء إلى الاعتقال الاحتياطي، وأنه لايجب أن يكون إلا في حالة الضرورة القصوى، خاصة وأن اللجوء إلى هذا الاعتقال يكون تحت رقابة مركزية بل ومراقبة المجتمع أساسا من طرف المحامي وأسرة المتابع، ودافع عن هذا المعطى بعدد قرارات الاعتقال الاحتياطي الصادرة عن قضاة النيابة العامة والتي بلغ عددها 8413 ، في حين صدرت عن قضاة التحقيق أكثر من 19 ألف و200 قرار بالاعتقال الاحتياطي.
وحرص قاضي النيابة العامة على تعداد اللآثار السلبية التي تحيط بالاعتقال الاحتياطي ، خاصة وانه يمس بقرينة البراءة ، حيث يتم اعتقال الشخص قبل الحكم عليه، مشيرا إلى أن نتائج الإفراط في الاعتقال الاحتياطي بينت براءة عدد من المعتقلين ، حيث بلغ عدد الذين صدرت في حقهم أحكام بالبراءة بعد اجتياز مرحلة الاعتقال الاحتياطي 1428 شخص، 132 حكم بالبراءة صدر عن الوكلاء العامين للملك، و686 صدرت عن وكيل الملك، و17 حكما صدر عن رئيس غرفة الجنايات الابتدائية في محكمة الاستئناف، فيما صدر عن قاضي التحقيق نحو 574 قرار بالبراءة.
وأكد القاضي رئيس شعبة تتبع تنفيذ السياسة الجنائية وتحليل ظاهرة الجريمة برئاسة النيابة العامة ، أن الاعتقال الاحتياطي يكلف غاليا الدولة من الناحية المالية، فضلا عن التأثير السلبي لهذا التدبير على المعتقل خاصة حينما يحكم عليه بالبراءة وما يتبعه ذلك من وصم مجتمعي كشخص ذي سوابق بما يمس بقيمته الاعتبارية سواء داخل المجتمع ومحيطه الأسري .
وشدد على أن رئاسة النيابة العامة نتيجة كل المظاهر السلبية التي تحيط بالاعتقال الاحتياطي تعمل بشكل حثيث من أجل تخفيض اللجوء إلى اتخاذ قرارات بهذا الاعتقال الذي تتراوح نسبه الحالية بين 40 و50 في المائة وتسعى أن تصل نسبة التخفيض إلى 31 في المائة في أفق 2030.
وفي إشارة إلى عدم فاعلية العقوبات البديلة عن الاعتقال الاحتياطي الموجودة حاليا كالكفالة والمراقبة القضائية ، أكد قاضي النيابة العامة على أهمية اعتماد تدابير جديدة للاعتقال الاحتياطي وكذا العقوبات البديلة والتي من شأنها تخفيض نسبة إصدار قرارات هذا الاعتقال، على أن يتم على المستوى اللوجيستيكي إنشاء الآليات والأجهزة الضرورية لتنفيذ بدائل الاعتقال مثلا فيما يخص زجر الإدمان على المخدرات حيث يوجد حاليا أكثر من 60 ألف متابع .
ودعا في الوقت ذاته بالنسبة لمستوى التدبيري على تطوير الآليات المعلوماتية التي تمكن من تتبع ومراقبة وضعية الاعتقال الاحتياطي ، مؤكدا على أن الأمر معقد ويتطلب تظافر جهود مختلف المتدخلين، وتوفر عدد من العناصر ، فالعقوبات البديلة رغم أهميتها لن تشكل الحل السحري لمعالجة إشكالية الاعتقال الاحتياطي وما يسببه من اكتظاظ داخل السجون وما يخلفه هذا من تأثير سلبي بل وإفشال سياسة الإصلاح والتهذيب، خاصة بالنسبة للأحداث.
ودعا في هذا الصدد إلى تعزيز المجهودات القضائية لترشيد الاعتقال الاحتياطي وعدم تفعيله إلا إذا توفرت وسائل الإثبات الكافية لإدانة مرتكب الجرم،التثبت من وجود أسباب موضوعية وشخصية تجعل الاعتقال الاحتياطي الحل الوحيد والضروري في مواجهة مرتكب الفعل الجرمي، على أن يتم في المقابل البث بالسرعة الكافية في قضايا المعتقلين الاحتياطيين وإحالة المطعون فيها على محكمة أعلى درجة لإصدار الحكم النهائي.
< فنن العفاني