لن نستعرض كل الوقائع والمواقف والديناميات التي تتعلق بقضية وحدتنا الترابية وما حققه المغرب من مكاسب ديبلوماسية وسياسية في السنوات الأخيرة على هذا الصعيد، فهي باتت كلها معروفة وقيل وكتب عنها الكثير.
ولكن نكتفي اليوم بالوقوف عند المستجدات التي حدثت في الأيام الأخيرة، ولعل آخرها وأبرزها الموقف الكيني الجديد، والذي أصاب خصوم المملكة بدوخة كبيرة، وصدر من داخل العاصمة الكينية، وبحضور زعيم جمهورية الوهم في عين المكان.
لقد قررت كينيا العدول عن اعترافها بـ «الجمهورية الصحراوية» المزعومة، والشروع في خطوات إغلاق تمثيليتها في نيروبي، كما أنها و»احتراما لمبدأ الوحدة الترابية وعدم التدخل، تقدم كينيا دعمها التام لمخطط الحكم الذاتي الجاد وذي المصداقية الذي اقترحته المملكة المــــــغربية، باعتباره حلا وحيدا يقوم على الوحدة الترابية للمغرب من أجل تسوية هذا النزاع»..
الموقف الكيني الجديد يعتبر جوهريا ولافتا، ذلك أنه يصدر عن إحدى قلاع مناصرة الطغمة الانفصالية بالقارة الإفريقية، ويجسد تحولا أساسيا في الشرق الإفريقي وفي البلدان الأنغلوساكسونية تجاه ملف الوحدة الترابية للمغرب…
أما المستجدات الأخرى التي حدثت في الفترة الأخيرة، فهي تبرز من داخل الديناميات التحضيرية للقمة العربية المرتقبة بالجزائر في نونبر المقبل.
لن نعود هنا لكل السقطات الجزائرية ذات الصلة، ولن نكرر اللاءات العربية التي رفعت ضد مناورات النظام العسكري الجزائري لاستغلال القمة العربية للتآمر على المملكة ووحدتها الترابية، فكل هذا صار معروفا اليوم، وتجسد، بوضوح، في مقررات اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة.
الجديد أن موضوع القمة العربية بالجزائر تحول في الأيام الأخيرة، على الصعيد الإعلامي العربي والدولي، إلى تساؤل بشأن حضور المغرب أم لا؟ وهل سيشارك العاهل المغربي أم لا؟ ومرة أخرى بات المغرب هو الحدث الأبرز حتى قبل أن تفتتح القمة أشغالها.
صحيح أن الحديث عن نجاح القمة أو فشلها لن يكون إلا بعد اختتامها والاطلاع على مقرراتها، وصحيح أن الشعوب العربية في الغالب لا تنتظر كثير أشياء من اجتماع قادة دولها، وأيضا صحيح أن سياقات وظروف اليوم في غاية التعقيد والحدة…
مع ذلك، يجدر الوقوف عند إشارتين صدرتا في الأيام الأخيرة لهما، في نفس الوقت، صلة مباشرة وغير مباشرة بكل هذه الدينامية العربية في أفق قمة الجزائر.
الإشارة الأولى وردت من اجتماعات الدورة الـ 51 لمجلس حقوق الإنسان بجنيف، حيث جددت مجموعة دعم الوحدة الترابية للمغرب، المؤلفة من أربعين دولة، في بيان، تلي بالمناسبة، دعمها لسيادة المملكة الكاملة والشاملة على أقاليمها الجنوبية، وللجهود الجادة التي تبذلها قصد تسوية هذا الخلاف حول الصحراء المــــــغربية.
وفضلا عن رمزية هذه المبادرة وعدد الدول المنخرطة فيها وقوة مضمونها، فقد كان لافتا أن الذي نسقها وقدمها هو وفد دولة الإمارات العربية المتحدة.
الإشارة الثانية جسدتها أجوبة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في حوار نشرته وكالة الأنباء القطرية، على هامش زيارته للدوحة.
لقد شدد الرئيس المصري على «حتمية استعادة عدد من المبادئ والمفاهيم في منطقتنا العربية، في مقدمتها التمسك بمفهوم الدولة الوطنية، والحفاظ على سيادة ووحدة أراضي الدول، وعدم التعامل تحت أي شكل من الأشكال مع التنظيمات الإرهابية والميليشيات المسلحة، وفي المقابل دعم الجيوش الوطنية والمؤسسات العسكرية»، ثم أكد، في السياق نفسه، على أهمية «تعزيز سلطة المؤسسات المركزية لعدم ترك أية مساحة أو فراغ لأي قوى خارج هذا الإطار للعبث بمقدرات الدول العربية وشعوبها، وغلق الباب أمام أي تدخلات خارجية، إلى جانب التمسك بمبدأ المواطنة كعنصر أساسي للحفاظ على السلام المجتمعي»، مشيرا إلى أن تلك هي مبادئ عامة تتمحور حولها كافة مشاكل المنطقة العربية، وهذا هو الإطار الذي نتطلع للتعاون من خلاله مع الإخوة والأشقاء العرب خلال القمة المقبلة.
لقد قرأ معظم المحللين هذه التصريحات باعتبارها رسائل قوية موجهة، أساسا، إلى الدولة المستضيفة للقمة العربية القادمة، وكشفت عن معالم موقف عام تشترك فيه عدد من الدول العربية الرئيسية، وينتصر لتأييد الوحدة الترابية للدول ورفض دعم الميليشيات المسلحة والحركات الانفصالية والإرهابية ضد سيادة الدول أو المس بالدولة الوطنية، وهو ما يعني فضحا وهزيمة مدويين لنظام الجار الشرقي للمغرب الذي جعل من تمزيق الوحدة الترابية للمملكة واستهداف سيادتها الوطنية عقيدة له وسلوكا دائما طيلة عقود.
ارتباطا بهذه المستجدات، والمواقف التي أعلنت مؤخرا، سواء التي صدرت عن الرئيس الكيني الجديد وليام بروتو، أو التي جسدها بيان أربعين دولة في مجلس حقوق الإنسان بجنيف، والذي تلاه ممثل دولة الإمارات العربية المتحدة، أو تلك التي عبرت عنها تصريحات الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في الدوحة، فالواضح أن المغرب تحول إلى حدث القمة العربية حتى قبل أن تفتتح، ويستمر في تحقيق مكاسب جديدة داخل القارة الإفريقية لصالح حقوقه الوطنية المشروعة، وكل هذا يفرض علينا تمتين يقظتنا الديبلوماسية، وتقوية جبهتنا الداخلية الوطنية، وتعزيز فعلنا الوطني بشكل عام.
<محتات الرقاص
[email protected]