رحيل المرأة الاستثنائية: عائشة الشنا.. أيقونة النضال من أجل النساء والأطفال المتخلى عنهم

غادرتنا إلى دار البقاء، يوم أمس الأحد، الناشطة الاجتماعية والحقوقية عائشة الشنا، التي كرست حياتها على مدى قرابة 82 سنة، للدفاع عن حقوق الأمهات والأطفال المتخلى عنهم.
مسار حافل بصمت عليه «ماما عائشة» أو»تيريزا المغرب»، كما كان يلقبها من خبروا مبادراتها ونضالاتها لفائدة النساء والأطفال.
منذ كانت شابة في مقتبل العمر، عانت من اليتم وتطوعت داخل الجمعيات المعنية بالأسرة والطفولة، وعلى رأسها العصبة المغربية لحماية الطفولة والتربية الصحية، ولاحقا الجمعية المغربية للتخطيط العائلي.
ثم اختارت أن تشتغل رسميا في قطاع الصحة كممرضة لتظل قريبة من مجال اهتمامها الذي سيدفعها بعد ذلك، في سنوات الثمانينات، إلى تأسيس جمعية «التضامن النسوي»، اقتناعا منها بضرورة دعم ومساندة الفتيات اللواتي وقعن في فخ الحمل خارج مؤسسة الزواج، وإشفاقا منها على حالاتهن وهن يواجهن مأساة الحمل والولادة في ظل رفض صارم من القانون والمجتمع، وكذا معاناة الأطفال الذين ينتجون عن تلك المأساة فيتم «خنقهم ورميهم في القمامة» كما وصفت الشنا يوما في صورة صادمة، أو يتم رميهم أحياء إلى المجهول ليواصلوا فصول المأساة المدمرة حيث يرفض المجتمع الاعتراف بهم ويتركهم عرضة للتشرد والضياع.
واقع مؤلم رفضت الشنا أن تصم الآذان عنه مثل ما يفعل الآخرون، وأبت إلا أن تكسر الطابو حوله لتصبح مدافعة شرسة، في جميع المحافل الوطنية والدولية، عن حقوق الأمهات في وضعية صعبة وعن أطفالهن المتخلى عنهم، شراسة لا يضاهيها سوى حنانها وعطاؤها اللامتناهي لفائدة هاته الفئة من «بناتها وأبنائها» كما كانت تقول، حيث كرست وقتها وجهدها لتطوير عمل ومبادرات «جمعية التضامن النسوي» وذلك حتى في أصعب الظروف الصحية التي كانت تواجهها هاته المرأة الاستثنائية، إذ عانت طويلا من مضاعفات مرض السرطان، إلى أن أضحت الجمعية من أهم الجمعيات المعروفة والفاعلة في مجال العمل الاجتماعي والإنساني، محليا ودوليا.
النضال الدؤوب لعائشة الشنا، والتزامها الصادق بالدفاع عن قضيتها المبدئية، جعلها تستحق الكثير من التنويه وتحظى بالمزيد من التكريم على مدى مسيرة عطائها، حيث نالت عدة جوائز إنسانية من بينها جائزة «أوبيس» للعمل الإنساني التي أحرزتها عام 2009 والتي بلغت قيمتها مليون دولار. كما حصلت الشنا على جائزة وسام الشرف للملك محمد السادس الذي عبر في غير ما مناسبة عن دعم جلالته لها.. وحازت أيضا على وسام جوقة الشرف من درجة فارس للجمهورية الفرنسية، وعدة جوائز أخرى من هيئات حقوقية ونسائية، من داخل الوطن وخارجه.
عمل الشنا الذي كانت تعتبره هي دفاعا عن أمهات وأطفال تم التخلي عنهم من قبل المجتمع، لم يسلم من الانتقادات من طرف بعض من اعتبروا أنه «تطبيع» مع أحد مظاهر «الفساد» الأخلاقي والانحراف القانوني، متمثلا في العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج، لكن الشنا كانت أكثر اقتناعا وإقناعا من خلال دفاعها المستمر عن وجهة نظرها النابعة من ملاحظة دقيقة لواقع المجتمع ورغبة صادقة في تغييره إلى الأفضل، وكذا إصرارها على مواجهة الفساد ليس بالصمت والتجاهل وتكريس الطابوهات بل بعملها اليومي على مواجهة الفقر والتهميش، وكذا من خلال مساهماتها الواسعة في جهود التوعية والتحسيس، وهي صاحبة مقولة «أنا لست مع الإجهاض بل مع التربية الجنسية»، حيث كانت تتوجه بخطابها البسيط والتلقائي من امرأة وأم خبرت دروب الحياة ومنعرجاتها إلى الشباب والشابات، خصوصا، من أجل حثهم على التحصن بالعلم والوعي والنضج الضروري لتفادي السقوط لاحقا في وضعية أقل ما يقال عنها إنها صعبة، بعواقبها الوخيمة على المستويات الصحية والاجتماعية والاقتصادية كذلك.

> سميرة الشناوي

 تصوير: رضوان موسى

Related posts

Top