تنطلق اليوم الجمعة ببوزنيقة أشغال المؤتمر الوطني الحادي عشر لحزب التقدم والاشتراكية، ويتطلع التقدميات والتقدميون لجعله محطة فارقة في مسيرة حزبهم، الذي يخلد سنة 2023 العام الثمانين على تأسيسه، وأن يؤسس بداية صنع مرحلة المستقبل.
بقدر ما يعتبر حزب التقدم والاشتراكية من أقدم وأعرق القوى السياسية ببلادنا، ويؤكد دائما اعتزازه بتاريخه وإصراره على تميزه، وعلى إمساكه بهويته اليسارية التقدمية الحداثية، فقد عرفت عنه دائما واقعيته وعقلانية تحليله وقراءته للوقائع والصيرورات، وعرف أيضا ببعد نظره وامتلاكه لأفق نضالي وفكري ينتصر للمستقبل، وللمساهمة في صنع وبناء مستقبل البلاد.
وعندما يرفع الحزب اليوم شعار»البديل الديموقراطي التقدمي»لمؤتمره الحادي عشر، فذلك يندرج، تماما، ضمن صياغة رؤية للمستقبل، ويقدم ملامح عرض سياسي للمستقبل، ويعلن، هو نفسه، الإنخراط في بناء تنظيم حزبي وقوة نضالية للمستقبل.
هذا التطلع الإرادي يتأسس على قراءة موضوعية واعية لتحولات المجتمع والعالم، ولمهمات المرحلة الحالية على كل المستويات، وأيضا انطلاقا من إدراك المشكلات والإكراهات المحيطة بالعمل الحزبي الجاد، ومن ثم تشمل منظومة رؤيته المستقبلية ذاته الحزبية كذلك، والوعي بالحاجة الى الارتقاء بالأفكار والأدوات التنظيمية والعلاقات، وكل تجليات السلوك والأداء الحزبيين.
وبناء على ما سبق، من المؤكد أن رهان مؤتمر حزب التقدم والإشتراكية لا تجسده الأيام الثلاثة في بوزنيقة فقط، وإنما ما سيليها، أي المرحلة التي ستنتجها مقررات وتصورات المؤتمر، والتي عليها أن تؤسس لمسلسل إعادة بناء واعية ومنصتة لما يشهده المحيط والسياق من تبدلات جوهرية.
حزب التقدم والإشتراكية يعلن، من خلال وثيقته السياسية المعروضة على هذا المؤتمر، بداية رسم معالم قراءة فكرية وسياسية للواقع والمستقبل، وفي ذلك هو يصر على إبراز هويته اليسارية التقدمية، وبناء مقومات اجتهاد فكري متجدد يعانق المستقبل، وهذا ما يتعين لاحقا تطويره وتقويته لترسيخ الهوية وتميزها، وإحكام عرض سياسي حزبي جديد.
مناقشات المؤتمر في بوزنيقة ستكون بداية هذا المسار، ولابد من إكماله فيما بعد، وتقوية تكوين الأعضاء عليه، والتحسيس به، والتأطير انطلاقا من مضامينه ورؤاه، واستثماره أيضا لترسيخ حضور الحزب وفعله في معارك شعبنا من أجل الحداثة والمساواة والحرية والعدالة الاجتماعية والتقدم.
لقد ولد الحزب ونشأ أساسا كقوة تقدمية تميزها الأفكار والقناعات والمواقف ومنهجية التحليل، والظروف الحالية اليوم تفرض العمل على هذه المقومات الأساسية التي تميز هذا الحزب، وصياغة أفق للمستقبل انطلاقا منها.
حقلنا السياسي والحزبي الوطني في حاجة، بشكل عام، الى الوضوح، وإلى شجاعة التحليل والتعبير عن الموقف، والتقدم والاشتراكية مؤهل ليقود هذه الدينامية التأهيلية في الساحة الوطنية، والمساهمة في بناء فعل سياسي مختلف لمصلحة شعبنا ومستقبل بلادنا الديموقراطي.
من دون شك، عملية إعادة البناء لا يجب أن تغفل كذلك الذات النضالية الحزبية، ومن هنا يعتبر السؤال التنظيمي بدوره أساسيًا في السعي إلى بناء المستقبل وامتلاكه، ولهذا تعرض على المؤتمر أيضا تعديلات للقانون الأساسي للحزب.
إن دينامية إحكام الأفكار والهوية هي مقترنة بضرورة إنجاح دينامية موازية تتعلق بتكوين المناضلات والمناضلين عليها، وتمتين تأطيرهم السياسي والإيديولوجي والفكري، ومن ثم بناء علاقة الأعضاء بالحزب على قاعدة الأفكار والقناعات، وعلى جدلية الحقوق والواجبات داخل التنظيم الحزبي.
وفي نفس الإتجاه، وبعد أن اخترقت الحقل الحزبي والسياسي الوطني عديد سلوكات أنانية وانتهازية وريعية، وبعد أن تبدلت القيم والتطلعات، وتراجع الالتزام، يبقى العمل على بناء شخصية المناضل مهمة أساسية اليوم بالنسبة لكل الأحزاب الجادة وذات المصداقية.
وطبعا، التكوين والتأطير والتنظيم، في سياقات اليوم، يجب أن يكون مقترنا بالانفتاح على طاقات جديدة، والحرص على تجديد النخب الحزبية، وإنجاح استراتيجيات الامتداد والإشعاع وسط فئات مختلفة من المجتمع، وخصوصا الشباب والنساء، وفي العديد من المهن المستجدة والقطاعات التي لا تزال بعيدة عن الانخراط في العمل الحزبي، وفي الاهتمام بالشأن العام ككل.
كل هذا، يقتضي التفكير في أشكال التنظيم وبنيات الاستقبال والعلاقات الحزبية الداخلية، ذلك أن هذه الجوانب بدورها ليست جامدة، وإنما هي تتطور بحسب السياقات والظرفيات والأجيال والفئات، ويجب تطويرها وتكييفها ضمن بنيان تنظيمي وتسييري وتدبيري حزبي، يشمل كل الهياكل، وكذلك العلاقات البينية وتقييم الأداء الفردي والجماعي، ومختلف مستويات العمل الحزبي.
وترتيبا على ما يطرح اليوم على حزب التقدم والإشتراكية من تحديات بمناسبة مؤتمره الوطني الحادي عشر، فإن الأهم سيكون خلال المرحلة التي تعقب أيام المؤتمر، أي مرحلة تقوية البناء الشامل، على ضوء ما يشهده الواقع من تحولات عديدة.
أي تمتين بناء الأفكار والرؤى للمستقبل، تقوية التأطير والتكوين على قاعدة ذلك، ترسيخ وتعزيز الانفتاح، تطوير التنظيم والعلاقات الحزبية، إبراز الحزب كقوة يسارية تقدمية حداثية تمتلك تصورات للمستقبل وعرضا سياسيا وبرنامجيا يختلف عن سواه.
مؤتمر بوزنيقة يجب أن يجسد نجاح التقدميات والتقدميين في إطلاق هذه الدينامية المستقبلية، والتعبير الجماعي عن الانخراط فيها، وفي العمل بجد لكسب رهانها في المستقبل القريب.
<محتات الرقاص