أصدرت محكمة النقض بالمغرب قرارا جديدا يكرس حق المرأة في الوصول إلى الأراضي السلالية، إعمالا لاتفاقيّة القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة ولمقتضيات دستور 2011 التي تكرس مبدأ المساواة بين الجنسين. وتكمن أهمية هذا القرار الذي تنشره المفكرة القانونية في كونه يعيد إلى الواجهة الإشكاليات العملية التي تواجه النساء السلالايات في الوصول إلى تملّك الأراضي رغم المصادقة على قانون جديد.
ملخص القضية
تعود فصول القضية إلى تاريخ 10/04/2015 حينما تقدّمت امرأة بمقال أمام المحكمة الإدارية بالرباط تعرض فيها أن والدها توفي وخلف قطعة أرضية خضعت لاستغلال جماعي بين الورثة، إلا أنه تبين لاحقا أن أخاها سجل نفسه كوارث وحيد للقطعة الأرضية المذكورة مند سنة 1986. وعند عرض النزاع على الجماعة النيابية، أصدرت قرارها بتاريخ 22/01/2014 لصالح أخيها اعتمادا على العرف المحلي الذي يجعل استغلال الأراضي السلالية لرجال القبيلة لا لنسائها، وبعد الطعن في القرار أمام مجلس الوصاية تم تأييد قرار الجماعة النيابية .
وأضافت المدعية في مقال الدعوى المسجل أمام المحكمة الإدارية أن العرف السائد في المنطقة كان يقضي بتسجيل الأراضي في اسم فرد ذكر من ذوي الحقوق لتسهيل الإجراءات الإدارية فقط، وأن هذا التسجيل لا ينهض كسبب للملكية، لأنه يخرق مبدأ المساواة بين الجنسين، ملتمسة إلغاء قرار مجلس الوصاية.
وبعد جواب المدعى عليه بأن الأرض موضوع النزاع تخضع لمقتضيات القانون المنظم للأراضي السلالية والذي يجعل تدبيرها يخضع للأعراف المحلية، قضتْ المحكمة الإدارية بإلغاء قرار مجلس الوصاية مع ترتيب الآثار القانونية على ذلك، وهو القرار الذي أيّدته محكمة الاستئناف الإدارية.
فلجأ المدعى عليه للطعن في القرار بعلة خرقه للقانون إذ أن محكمة الموضوع أخطأت في تطبيق القانون، ولم تأخذ بعين الاعتبار أن القانون واجب التطبيق هو قانون الأراضي الجماعية والذي ينصّ على تسجيل الأراضي التي تدخل في نطاق تطبيقه في اسم فرد ذكر من ذوي الحقوق، كما أن الطبيعة القانونية للدعوى هي المنازعة في مدى استحقاق الاستغلال بين الورثة الذين يعتبرون أشخاصا ذاتيين، مما يجعل الاختصاص منعقدا للقضاء العادي لا القضاء الإداري.
موقف المحكمة
قضت محكمة النقض بتأييد القرار الاستئنافي القاضي بإلغاء قرار مجلس الوصاية، والقول باستحقاق المدعية لنصيبها من العقار موضوع النزاع، معتمدة على العلل التالية:
– لا مجال للاحتجاج بأن الأرض موضوع النزاع تخضع لمقتضيات ظهير 1969 المتعلق بالأراضي الجماعية ما دام أن البيّن من القرار النيابي ومن قرار مجلس الوصاية المطعون فيهما أنهما يتعلقان بأرض جماعية خاضعة لظهير 1919 المتعلّق بالأراضي السلالية؛
– مقتضيات الفصل 12 من ظهير 1919 بشأن الوصاية على الأراضي الجماعية نسخت ضمنيا بالمادتين 8 و 12 من قانون المحاكم الإدارية واللتيْن أسندتا الاختصاص للقضاء الإداري في طلبات إلغاء قرارات السلطات الإداريّة بسبب تجاوز السلطة ولم تستثنِ أيّ قرار إداريّ من الخضوع للرقابة القضائية. وهو ما كرّسه دستور 2011 في فصله 118 الذي نص صراحة على كل قرار اتّخذ في المجال الإداري سواء كان تنظيميا أو فرديا يمكن الطعن فيه أمام الهيئة القضائية الإدارية المختصة، مما يعني منع تحصين أيّ قرارٍ إداريّ من الخضوع للرقابة القضائية؛
– لما كانت قرارات مجلس الوصاية على أراضي الجماعات السلالية قابلة للطعن بالإلغاء بسبب تجاوز السلطة بما فيها القرارات المتعلقة بحق الانتفاع، فإنه وفي غياب أي نص قانوني صريح يحدّ من مدى هذه الرقابة القضائية فإنها تكون رقابة شاملة بما فيها المنازعات في حق الانتفاع بالأراضي الجماعية؛
– الفصل 19 من الدستور يجعل المواطنين متساوين أمام القانون، وتشمل المساواة الرجال والنساء منهم، فضلا عن الاتفاقيات الدولية المصادق عليها من طرف المغرب وخاصة اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة.
وعليه خلصت محكمة النقض إلى أن العرف القائم على حرمان النساء من الانتفاع بالأراضي السلالية يخالف مبدأ المساواة بين الجنسين الذي يكرسه الدستور والاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب مما يجعل قرار مجلس الوصاية المطعون فيه والقاضي بحرمان البنات من الحق في الانتفاع بالأرض موضوع النزاع غير مشروع مما يستوجب إلغاءه.
تعليق على قرار محكمة النقض
يعيد قرار محكمة النقض إلى الواجهة الإشكاليات العملية التي تواجه المرأة بالمغرب في الوصول إلى الانتفاع من الأراضي السلالية، والتي تشكل اليوم احتياطيا عقاريا مهما إذ تبلغ مساحتها ما يقارب 12 مليون هكتار أي ثلث المساحة الزراعية والرعوية والغابوية، وتستفيد منها ساكنة تقدر بحوالي 10 ملايين نسمة، أي ما يزيد على ربع سكان المغرب؛
كان لافتا أن محكمة النقض اعتمدت في قرارها على مبدأين:
– المساواة بين الجنسين وحظر التمييز بين المرأة والرجل في التمتع بكافة الحقوق إعمالا لمقتضيات الفصل 19 من الدستور واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة والتي تنص وبشكل واضح على “واجب الحكومات في اتخاذ جميع التدابير المناسبة، بما في ذلك التشريعية منها، لتعديل أو إلغاء القوانين والأنظمة والأعراف والممارسات التي تشكل تمييزا ضد المرأة”، وهو ما يجعل هذا القرار من بين التطبيقات القضائية القليلة في إعمال اتفاقية سيداو التي صادق عليها المغرب، فضلا عن مبدأ حظر تحصين أي قرار إداريّ من رقابة القضاء وهو ما يكرّس دور القضاء في حماية الحقوق والحريات؛
– يكشف القرار الصعوبات الإجرائية التي تواجه المرأة السلالية في الوصول إلى الأراضي إذ كان عليها اللجوء إلى الجماعة النيابية ومجلس الوصاية قبل طرق أبواب القضاء الإداري. وهو ما انعكس على أجل البتّ في النزاع والذي استغرق أزيد من ثماني سنوات بين تاريخ صدور قرار الجماعة النيابية سنة 2014، وتاريخ تقديم الطلب أمام القضاء الإداري سنة 2015 وتاريخ صدور قرار محكمة النقض سنة 2022. وهو ما يطرح إشكالية احترام الأجل المعقول في معالجة القضايا المعروضة على أنظار القضاء وتأثير الأجل في فعلية اللجوء إلى سبل الانتصاف؛
رغم صدور قانون الأراضي السلالية الجديد، والذي أقرّ مبدأ المساواة بين الجنسيْن في الوصول إلى الانتفاع من هذه الأراضي، فإن النّزاعات السابقة لصدور هذا القانون ما تزال معروضة على أنظار القضاء، ويطرح سؤال تصفية التركة الثقيلة التي خلفها ظهير 1919، وسبل إنصاف مئات النساء اللواتي حرمْنَ سابقا من الاستفادة من هذه الأراضي اعتمادا على الأعراف المحلية. كما أن تنزيل القانون الجديد يصطدم باستمرار العقليات المحافظة وبروز عقبات جديدة تحول دون وصول المرأة إلى الأراضي السلالية، ومن بينها فرض شرط الإقامة داخل نطاق الأرض السلالية للاستفادة منها. وهو ما دفع الجمعيات النسائية بالمغرب في وقت سابق إلى إطلاق عريضة لإسقاط شرط الإقامة للاستفادة من الأراضي السلالية .