هذا( أوكاز) من الرئيس… المقدس
الرسالة التي عممها حزب التجمع الوطني للأحرار جوابا على الرسالة المفتوحة التي كان حزب التقدم والاشتراكية قد بعثها إلى رئيس الحكومة، تستحق القراءة والتمعن، وخصوصا في جوانبها الشكلية، وفي بعض ما تضمنته من محددات يقتنع بها حزب رئيس الحكومة.
الاختراع العجيب الأول الذي كشفت عنه الرسالة أن الحزب السياسي في بلادنا لا يحق له مخاطبة رئيس الحكومة أو توجيه رسالة إليه، ومن ثم تعتبر رسالة حزب التقدم والاشتراكية (بعيدة عن القواعد الدستورية والأعراف السياسية…).
أيها الناس، هل يوجد بينكم عاقل؟
ألم يصلكم بعد الحديث البديهي عن الأدوار التأطيرية للأحزاب، وأيضا النقابات والجمعيات؟ ألم تدركوا بعد أن رئيس الحكومة مسؤول عن التفاعل مع انشغالات الناس؟ هل تعتبرون شخص رئيس الحكومة مقدسا إلى هذه الدرجة ولا يجوز حتى للأحزاب مخاطبته، ولو بواسطة رسالة؟
هذه هي البدعة فعلا التي وردت في رسالتكم الجوابية، أما رسالة التقدم والاشتراكية فهي ترافع سياسي عادي ومسؤول تجاه الحكومة، ومن موقع حزب يوجد في المعارضة، أي أنها تعتبر إبداعًا وليس بدعة.
فقط هذا الدفع البليد والخطير من طرفكم يفضح فهمكم للديموقراطية، وزيف تلويحكم بشعاراتها، رغم أن الشيء الغائب أصلا في حكومتكم وحواليها هو بالضبط الانشغال بالأجواء والحياة الديموقراطية ببلادنا، كما أن حزبكم ليس له، في كل الأحوال، تاريخ معروف في النضال الوطني من أجل الديموقراطية والحرية والعدالة…
حزب رئيس الحكومة فضل ممارسة (حمية الجاهلية) خلف زعيمه، لكنه نسي أنه لم يتوصل بأي رسالة كحزب، وأن الحكومة ورئيسها هم من عليهم الجواب، ولهذا جاء جوابه بنفس التدني الذي جسدته خرجة أحد صغار الحزب في تجمع دعائي مؤخرا.
لقد منحت رسالة حزب التقدم والاشتراكية للحكومة ورئيسها فرصة للتموقع في وسط المشهد العام عبر حوار سياسي عمومي رصين وعالي الجودة، لكن، مع الأسف، غاب عنهما المعنى وحسن التقدير، وفضلوا معانقة لغة الشتم والتبخيس و…السطحية.
ولهذا لا داعي لاستعراض محتوى ومضامين الرسالة التجمعية الجوابية، ذلك لأنها، وهي تنشغل فقط بالقذف وكيل الاتهامات، أغفلت الرد والجواب على كل الاقتراحات التي عرضتها رسالة التقدم والاشتراكية، وبالتالي لا نعثر في الرسالة ولو على جواب واحد يهم القضايا السياسية أو التدابير البرنامجية والاقتصادية والاجتماعية، وبقي الرد شاردا وتائها بين الشتم وبين اجترار الحديث عن «منجزات» مفترى عنها.
أيها الأذكياء جدا، نحن، هنا والآن، نتحدث عن غلاء الأسعار، وعن المضاربة والتضخم وعن المحروقات، وعن تدهور القدرة الشرائية لفئات واسعة من شعبنا، وهذه قضايا من عمق الواقع المعاش ويتكلم عنها كل الناس، والجاهل هو من ينكرها، أو يعتبرها نقاشا هامشيا.
أيها الأحرار، رغما عنهم، كل ما تعتبرونه في رسالتكم منجزات هي نفس ما فعلته الحكومات التي سبقتكم، وربما، في بعض المجالات، زادت عما فعلته حكومتكم صاحبة الكفاءات والأغلبية الواسعة والمريحة، ولهذا تكرار الكلام عنها بأنانية فجة يضعكم موضع المساءلة، ويتيح للناس المقارنات، ويصل بكم إلى عكس ما يرومه قولكم.
لقد نددتم في جوابكم بعبارات اللامبالاة واللامسؤولية الواردتين في رسالة حزب التقدم والاشتراكية، رغم أنهما من قاموس النقد السياسي وليس من معجم السب والقذف، كما أنه لما تلمحون إلى أن كل الحكومات التي سبقتكم فشلت وأنكم المنقذون، وأن كل الآفات تسبب فيها وزراء سابقون، وتنسون أن حزبكم كان حاضرا ومشاركا في كل هذه الحكومات، وبحقائب وازنة، أليس هذا وحده كافيا ليعتبركم الرأي العام الوطني قادة اللامبالاة واللامسؤولية، وزعماء (السنطيحة) و(تخراج العينين).
كان على الحكومة ورئيسها أن يتفاعلا مع رسالة حزب وطني عريق يوجد في المعارضة، ومعروف بمسؤوليته ورصانة تحليلاته ومواقفه، بكثير من الهدوء والعقل والمسؤولية، وأن يسعيا للتفاعل الإيجابي مع مضمونها واقتراحاتها، وأن يبرزا مناصرين للحوار السياسي الوطني العمومي الجاد وذي المصداقية، أما الصعود إلى الجبل، وممارسة الإنكار الفاضح والبليد، واقتراف السب والقذف، كل هذا لن يجدي بلادنا وشعبنا في شيء، ولن يجعل الناس تغير نظرتها، ولن تنكر الأسر المــــــغربية ما تعانيه يوميا في معيشها جراء الغلاء والعوز والفقر.
الحكومة تضيع فرصة استعادة عقلها، وتصر على الشرود والتدني.
ومحتوى رسالة حزب التقدم والاشتراكية، وكل الاقتراحات المتضمنة، ستبقى ماثلة تنتظر الجواب الميداني للحكومة لمصلحة شعبنا وبلادنا.
<محتات الرقاص