يتناول كتاب «مقدسات ومحرمات وحروب: ألغاز ثقافية» لـمؤلفه «مارفين هاريس» بعض من الأعراف المحيرة بين الشعوب الأمية أو البدائية، والتي تبدو ألغازا عصية على الحل، بل وتحيل على الجهل والخوف والتناقض كعناصر أساسية تشكل الوعي اليومي.
امتناع الهندوس عن أكل لحم الأبقار، أو كره اليهود، والمسلمين، أو لماذا يؤمن بعض الناس بالمخلصين بينما يؤمن آخرون بالساحرات، هي صورة في ما لا يعد ولا يحصى من أوهام مكتسبة واسعة، تعزز قناعتنا الأعمق بالكيفية التي يتحتم من خلالها أن يتصرف وفقها أناس بعقلياتهم الشرقية المبهمة.
بيان اليوم تقدم لقرائها بعض من هذا الإصدار الممتع ضمن حلقات رمضانية.
عصي المكانس ومجمع السحرة
إن الاكتشافات الحديثة حول الأساس العملي لرحلات الركوب على عصي المكانس جعلت من المتعذِّر الدفاع عن هذه النظرية، إذ أوضح ميشيل هارنر من المدرسة الحديثة للبحوث الاجتماعية أنّ الساحرات الأوروبيات كن شعبيا مرتبطات باستخدام الدهون والمراهم السحرية فقبل الركوب على عصي مكانسهن عبر الهواء، كانت الساحرات يدهن أنفسهن. إحدى الحالات النموذجية التي استشهد بها هارنر هي أنّ ساحرة من إنكلترا القرن السابع عشر اعترفت بأنهن قبل قيامهن برحلاتهن إلى اجتماعاتهن، دهنَّ جباههن ومعاصم أيديهن بزيت الروح الذي يأتيهن (الذي تفوح منه رائحة نقية». وصرّحت ساحرة إنكليزية أخرى بأنّ “الزيت” كان بلون مخضر ويُدهن على الجبهة بوساطة ريشة. وفي التقارير المبكرة، قيل للساحرة إن تقوم بدهن المرهم على العصا بعد ذلك سارت الهوينى وعادت بسرعة
عبر غلالة سميكة حينا ورقيقة حينا آخر حسب الحالة التي تميل بها، كما أفيد عن دهن كل من الرأس والجسم حسب ما ورد في مصدر من القرن الخامس عشر واستشهد به هارنر أيضًا: «دهنوا العصا وركبوا عليها… دهنوا أنفسهم تحت الإبطين وفي الأماكن المشعرة الأخرى». وورد في مصدر آخر: «السحرة، نساء ورجالا، ممن تحالفوا مع الشيطان، الذين دهنوا أنفسهم ببعض المراهم وتلوا بعض الكلمات محملوا خلال الليل إلى الأراضي القصية».
وصف أندريه لاغونا، الطبيب الممارس في لوريان في القرن السابع عشر، جرة السحرة المليئة حتى نصفها ببعض المرهم الأخضر… الذي كانوا قد دهنوا أنفسهم به رائحتهم كانت ثقيلة ومنفّرة وأظهرت أنها مركبة من أعشاب باردة ومنوّمة إلى أقصى درجة كانت نباتات الشوكران والبيلادونا والبنج واللفاح. حصل لاغونا على علبة صغيرة مملوءة بهذا المرهم واستخدمه في إجراء تجربة على زوجة جلاد في ميتز دهن الطبيب هذه المرأة من الرأس وحتى أصابع القدمين عندئذ غطّت فجأة في نوم عميق، بعينين مفتوحتين كأرنب (بدت تماما كأرنبة مسلوقة، إنني لم أتخيل كيف سأوقظها». وعندما تدبّر لاغونا أخيرًا أمر إيقاظها كانت قد نامت لمدة ست وثلاثين ساعة متواصلة واحتجت : لماذا توقظوني في هذا الوقت غير الملائم؟ كنت محاطة بكل متع العالم ومسرّاته. ثم ابتسمت لزوجها الذي كان واقفا هناك، «كل نتانة الرجال الذين شُنقوا»، وقالت له، أيها المخدوع، اعلم أنني جعلت منك زوجا مخدوعا مع حبيب أصغر سنًا وأفضل منك».
كان هارنر قد جمع عددًا من مثل هذه التجارب المذكورة مع المراهم، بما فيهم السحرة أنفسهم. غطّ جميع الأشخاص في نوم عميق، وعند استيقاظهم أصروا أنهم كانوا بعيدين في رحلة طويلة. وهكذا عرف سر المرهم كثير من الأشخاص الذين عاشوا في زمن جنون السحر على الرغم من أن المؤرخين العصريين يميلون بشكل عام إلى نسيان هذه المرحلة أو التقليل من شأنها وأفضل بيان لشاهد عيان على هذا الموضوع كان قد أجراه أحد زملاء غاليليو، جيامباتیستا ديلا بورتا الذي توصل إلى تركيب مرهم يحتوي على البيلادونا.
حالما انتهى من تركيب المرهم قمن بدهن جزء من الجسم، بعد أن فركن أنفسهن جيدًا، حيث بدون متوردات… وهكذا وفي بعض الليالي المقمرة اعتقدن أنهن خُطفن إلى مآدب وحفلات رقص وموسيقى وجامعن رجالا أصغر سنا من الذين كانوا مرغوبين من معظمنا كانت قوة التخيل وظهور الصور من الضخامة حيث إنّ الجزء من الدماغ الذي يدعى الذاكرة يكون مملوءًا بهذا النوع من الأشياء؛ وبما أنهن أنفسهن، بوساطة الميل الطبيعي، كن ميالات إلى الاعتقاد، تمسكن بالصور بطريقة أنّ العقل نفسه تغيّر ولم يفكر بأي شيء آخر، لا في الليل ولا في النهار.
< إعداد: ايت اومزيد سعيد