اختتمت القمة من أجل “ميثاق مالي عالمي جديد”، التي استضافتها باريس يومي الخميس والجمعة الماضيين، مع تحقيق بعض المبادرات تجاه الدول الفقيرة، لكن من دون أن تحقق التقدم الكبير المرجو لإعادة توجيه النظام المالي العالمي في خدمة المناخ.
وأعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في ختام القمة عن “إجماع تام” على “إصلاح عميق” للنظام المالي العالمي.
لكن اللقاءات انتهت في الوقت الحاضر بسلسلة من التعهدات المحددة التزمت بها مجموعة من الدول، من غير أن يصدر الإعلان المشترك الذي أملت به الرئاسة الفرنسية لفترة. واكتفت الأخيرة بنشر “ملخصها” للمناقشات.
وجمع ماكرون مجددا الجمعة حوالي أربعين رئيس دولة وحكومة بينهم الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، في لقاء كان من المفترض أن يترجم على أرض الواقع الطروح المنبثقة عن مؤتمر الأطراف للمناخ الأخير (كوب27) المنعقد في نوفمبر الماضي في مصر، قبل موعد المؤتمر المقبل المرتقب في نهاية السنة في الإمارات.
وصدرت بعض الإعلانات عن الاجتماع المنعقد في قصر برونيار، المقر السابق لبورصة باريس.
ودعمت عدة بلدان (بربادوس، إسبانيا، الولايات المتحدة، فرنسا، المملكة المتحدة)، بالاشتراك مع البنك الدولي، نظام تعليق تلقائي لسداد الديون في حال وقوع كارثة طبيعية.
وفي خطبة طويلة عاطفية، أعرب الرئيس البرازيلي لويز إيناسيو لولا دا سيلفا عن أسفه الجمعة بسبب الجمود الذي يعانيه المجتمع الدولي في مكافحة تغير المناخ والحد من التفاوت، فضلا عن الحمائية التي تمارسها الدول الغربية.
وانتقد بشدة المؤسسات المالية الدولية قائلا “الثري يبقى ثريا والفقير يبقى فقيرا”.
في مواجهة التوقعات الهائلة للتعامل مع أزمة المناخ، لا يزال التقدم الذي تم إحرازه في القمة ضئيلا بالنسبة لجزء من المجتمع المدني.
في هذا الصدد، قالت منظمة السلام الأخضر (غرينبيس) “تمخض الجبل فولد فأرا”، مضيفة “تنتهي القمة من دون اعتراف صريح بمبدأ أن الملوث يدفع”، في إشارة إلى مطالبتها بأن تدفع الشركات العاملة في قطاع الطاقة الأحفورية “تكاليف الفوضى المناخية”.
كما تجمع أكثر من 350 شخصا صباح الجمعة عند تمثال الجمهورية في باريس، وحضوا القادة السياسيين على التوقف عن الاستثمار في الوقود الأحفوري وعلى التحول إلى تمويل الطاقة الخضراء.
وقال الرئيس الفرنسي “نؤيد ضريبة دولية على الشحن البحري لأنه قطاع غير خاضع للضريبة”، وهو يود إحراز تقدم في هذه المسألة خلال اجتماع تعقده المنظمة البحرية الدولية قريبا.
وأشارت الرئاسة الفرنسية إلى تحالف من 22 دولة من بينها الدنمارك واليونان وفيتنام ونيوزيلندا، إضافة إلى المفوضية الأوروبية، يدعم هذه المبادرة.
لكن ليس هناك توافق بشأن هذه المسألة الحساسة، وقال ماكرون في هذا الصدد إنه “إذا لم تتبعنا الصين والولايات المتحدة والعديد من الدول الأوروبية الرئيسية التي لديها أيض ا شركات كبيرة، فإن الضريبة لن يكون لها أي تأثير”.
وحققت القمة تقدما في بعض المجالات الخميس، إذ وعدت دول غنية بتقديم 2,5 مليار دولار للسنغال لمساعدته على الحد من اعتماده على الطاقات الأحفورية، كما سيتم تخفيض دين زامبيا، فيما يعتزم صندوق النقد الدولي زيادة تمويله للدول الفقيرة بمقدار مئة مليار دولار.
غير أن هارجيت سينغ من شبكة العمل المناخي رأى أن طموحات القمة “تقوم أكثر مما ينبغي على الاستثمارات الخاصة وتعطي المصارف الإنمائية متعددة الأطراف دورا مبالغا به” معتبرا أن “هذا يعني تجاهل الدور المحوري الذي ينبغي أن تلعبه الماليات العامة”.
وعلق المدير المشارك لمركز الأبحاث “إي 3 جي” نيك مابي “لقد رفعت قمة باريس الآمال في إجراء إصلاح جذري للنظام المالي العالمي”.
وأضاف أن “التحدي الآن هو تنفيذ هذه الرؤية في العام المقبل، الأمر الذي سيتطلب دبلوماسية مكثفة وقرارات صعبة”.
“إحداث صدمة التمويل العالمي”
ودعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، يوم الخميس الماضي خلال افتتاح القمة، إلى “صدمة تمويل عام” لمواجهة الفقر واحترار المناخ، أمام حوالي أربعين رئيس دولة وحكومة اجتمعوا في باريس لمحاولة إعادة صياغة النظام الاقتصادي العالمي.
وقال ماكرون إن الدول “لا ينبغي أن توضع أمام خيار محاربة الفقر أو مكافحة تغير المناخ” مضيفا “علينا أن نحدث صدمة تمويل عام ونحتاج إلى المزيد من التمويل الخاص”.
وأشار إلى أنه من دون “تغيير النظام برمته، يمكننا أن نجعله يعمل بشكل أفضل بكثير إذا وظفت هذه الأموال وهذه السيولة في خدمة تقدم الكوكب وهذا التحدي المزدوج الذي ذكرته، الفقر والمناخ، والتنوع البيولوجي”.
وأكد الرئيس الفرنسي أمام القادة الافارقة “هذه القمة هي قمتكم، أنتم الذين تقفون على خط المواجهة” في مكافحة تغير المناخ وتزايد الفقر وعدم المساواة.
من جهته، جدد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش دعواته إلى التغيير قائلا إن “الهيكلية المالية الدولية فشلت”.
وأضاف أن القواعد التي تخصص بموجبها الأموال من صندوق النقد الدولي أو البنك الدولي “أصبحت غير أخلاقية للغاية” و”الجمود ليس خيارا”.
من جهتها، دعت الناشطة الأوغندية الشابة فانيسا ناكاتي رؤساء الدول والحكومات إلى التزام دقيقة صمت تكريما “لجميع الذين يعانون والجياع والمشردين والذين يتركون المدرسة”.
كذلك، دعت إلى “التخلص بطريقة عادلة من الوقود الأحفوري” منتقدة بشكل مباشر أرباح شركات النفط الغربية.
وقالت “الوعود الكاذبة تكلف أرواحا”.
ونشأت فكرة القمة في نوفمبر خلال مؤتمر الأطراف للمناخ (كوب27) في مصر، عقب الخطة التي قدمتها رئيسة وزراء بربادوس ميا موتلي. فقد أعادت إحياء الأمل في إحراز تقدم بشأن هذه المسألة التي باتت عقبة بوجه مفاوضات المناخ بين الدول الفقيرة والدول الغنية المسبب الرئيسي لانبعاثات غازات الدفيئة.
ودعت موتلي التي حضت على إعادة توجيه التمويل الدولي نحو قضايا المناخ، الخميس إلى “تحول مطلق” في النظام المالي وليس فقط “إصلاح مؤسساتنا”.
وأضافت “نأتي إلى باريس اليوم بقلب حزين لكن بأمل”.
من جهتها، قالت إستير دوفلو، الحائزة جائزة نوبل في الاقتصاد خلال مقابلة مع وكالة فرانس برس “تفرض كلفة باهظة على أفقر البلدان من خلال الطريقة التي نقرر أن نعيش بها اليوم”.
وكان الهدف من القمة هو تجديد الهيكل المالي الدولي المنبثق عن اتفاقات بريتون وودز في العام 1944 مع إنشاء صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.
وتقول الدول النامية إن الحصول على تمويل من المؤسستين صعب في حين أن حاجاتها هائلة لمواجهة موجات الحر والجفاف والفيضانات، وأيضا للخروج من الفقر مع التخلص من الوقود الأحفوري والحفاظ على الطبيعة.
ومن أجل تحقيق ذلك، سيتعين على الدول النامية باستثناء الصين إنفاق 2400 مليار دولار سنويا بحلول العام 2030، وفق تقديرات مجموعة من الخبراء تحت رعاية الأمم المتحدة، وكذلك زيادة إنفاقها على الوقود غير الأحفوري من 260 مليار إلى حوالى 1.9 تريليون دولار سنويا على مدى العقد، وفقا لوكالة الطاقة الدولية.