أصدرت المحكمة الابتدائية بمشرع بلقصيري-ضواحي مدينة الرباط- حكما مبدئيا قضى ببطلان إجراءات إحالة متّهم على المحاكمة، والإفراج عنه فورا، لعدم احترام أجل الإحالة على المحكمة، المحدّد قانونا في 5 أيام.
ملخص القضية
تعود فصول القضية إلى شكاية تقدّمت بها شركة في مواجهة أحد الأشخاص إلى النيابة العامة، تعرض فيها، بأنها وعلى إثر معاملة تجارية بينهما تسلمت من المشتكى به شيكا يحمل مبلغ 10400 درهم، ما يعادل 1000 دولار. وحينما قدمته للأداء أرجع إليها بملاحظة عدم التوفّر على مؤونة، حسب الثابت من الشهادة البنكية المرفقة بالشكاية. وبناء على هذه الوقائع وأمام تعذّر الاستماع إلى المُشتكى به، قرّر وكيل الملك إحالة الملفّ للتحقيق من أجل جنحة عدم توفير مؤونة للشيك عند تقديمه للأداء طبقا لمقتضيات المادة 316 من مدونة التجارة.
بتاريخ 2022/03/20، أصدر قاضي التحقيق أمرا بإلقاء القبض على المُشتكى به، وبعد حوالي سنة، تمّ إيقافه بتاريخ 2023/06/17. وعند استنطاقه ابتدائيا وتفصيليا اعترف بالمنسوب إليه، مؤكّدا أنّه صاحب الشيك وموقّعه، وأنه عاجز عن أداء المبلغ نظرا لظروفه الاجتماعية المزرية، فقرر قاضي التحقيق الإعلان عن اختتام التحقيق، ومتابعة المتّهم من أجل المنسوب إليه وإحالته في حالة اعتقال إلى المحاكمة.
أُحضر المتهم إلى جلسة 2023/08/07 في حالة اعتقال، عبر تقنية الاتصال عن بعد، وبعد التأكد من هويته، التمست النيابة العامة اعتبار القضية جاهزة، وأجاب المتهم بالاعتراف عن المنسوب إليه، وأعطيت الكلمة لممثّل النيابة العامّة الذي التمس إدانته. كما أُعطيت الكلمة لدفاع المتّهم الذي التمس تمتيعه بظروف التخفيف نظرا لظروفه الاجتماعيّة، فقررت المحكمة حجز القضية للمداولة.
قرار المحكمة
بعد اطلاع هيئة الحكم على وثائق الملف، تبيّن لها عدم احترام أجل عرض الموقوف على المحكمة وصرحت تبعا لذلك وبشكل تلقائي ببطلان مسطرة الإحالة طبقا للمادة 217 من قانون المسطرة الجنائية، وقرّرت رفع حالة الاعتقال على المتهم والإفراج عنه فورا، معتمدة على العلل التالية:
- إن قاضي التحقيق أصدر أمره بمتابعة المتهم في حالة اعتقال بتاريخ 2023/06/26 وقد تمّ تبليغ هذا الأمر إلى النيابة العامة بنفس التاريخ، حيث اطّلعت عليه في اليوم الموالي؛
- إن إحالة المتهم على المحكمة من طرف النيابة العامة لم تتمّ إلا بتاريخ 2023/08/07، أي بعد مرور 40 يوما من تاريخ اطلاع النيابة العامة على قرار قاضي التحقيق بمتابعة المتهم في حالة اعتقال؛
- الإعلان العالمي لحقوق الانسان والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية والصكوك الدولية التي تسمو بموجب الدستور على التشريع الداخلي تكرس حق كل متهم في محاكمة عادلة، وداخل أجل معقول؛
- إن المشرع المغربي يعتبر الاعتقال الاحتياطي إجراءً استثنائيا وقد حدد له آجالا واردة على سبيل الحصر، واجبة الاحترام، وقد حددت المادة 217 من قانون المسطرة الجنائية آجال عرض الموقوفين على المحكمة في 5 أيام؛
- إن المادة 324 من قانون المسطرة الجنائية تنصّ على أنّه إذا أدّى بطلان الإجراء إلى بطلان الإجراءات اللاحقة كليا أو جزئيا، فإن المحكمة تأمر باجراء تحقيق تكميلي إذا ارتأت أنه بالإمكان تدارك البطلان، وفي حالة العكس تحيل القضية إلى النيابة العامة وتبتّ علاوة على ذلك في شأن الاعتقال؛
- إنه لما كان القضاء يتولى طبقا للفصل 117 من الدستور حماية حقوق وحريات الأشخاص وأمنهم القضائي، فإنّ المحكمة قرّرت التصريح ببطلان مسطرة الإحالة، الذي لا يرجع إلى خرق شكلي وإنما خرق جوهري لا يمكن إضفاء الشرعية عليه.
تعليق على الحكم
يعتبر هذا الحكم الذي تنشره المفكرة القانونية من الأحكام الرائدة التي تنتصر لمبدإ احترام الحرية الشخصية للموقوفين احتياطيا، حيث كرس توجها مفاده أن عدم احترام أجل عرض الموقوف على المحكمة يبطل الملاحقة. يتزامن صدور هذا الحكم مع الجدل المحتدم بالمغرب حول إشكالية الاعتقال الإحتياطي، ولا تقتصر أهمية الحكم على المغرب، إنما يعني عددا من بلدان المنطقة حيث تم توثيق ممارسات عدة تقوم على تجاوز مدة الاحتفاظ المسموح بها قانونا في سياق التحقيقات الأأولية، وهي ممارسات تبررها عموما النيابات العمومية بضغط العمل الناتج عن كثرة الملفات ونقص الموارد البشرية، ويزكيها بعض قضاة الحكم بعدم ترتيب أي آثار قانونية أو إجرائية إزاء هذه الممارسة.
ومن اللافت في هذا الحكم أن المحكمة أثارت عدم احترام أجل عرض الموقوف عليها من تلقاء نفسها، من دون أن يثيره دفاعه، وأنها استندت في تعليلاتها على مقتضيات الاتفاقيات الدولية وعلى رأسها الإعلان العالمي لحقوق الانسان والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، وهي صكوك دولية يبقى من النادر اعتماد القضاة عليها في أحكامهم خاصة في المجال الجزائي. وقد اعتبرت المحكمة أن الخرق الحاصل لا يعد خرقا للإجراءات الشكلية التي يقررها القانون والتي يمكن تداركها، بل هو خرق جوهري يفرض على المحكمة إبطال المتابعة ورفع حالة الاعتقال على المتهم، معتبرة أن أي نظر لها في القضية يؤدي إلى إضفاء الشرعية على الإحالة.
فضلا عن ذلك، أورد الحكم حيثية على درجة كبيرة من الأهمية تبرز في استحضار دور القاضي كحام للحقوق والحريات، وهو توجه من شأنه تثبيت التصور الجديد للوظيفة القضائية، والذي لا يقتصر على التطبيق الحرفي أو التقني للقانون، وإنما اعتباره فاعلا أساسيا في حماية حقوق الأشخاص وحرياتهم وأمنهم القضائي.
وتجدر الإشارة إلى أن ممارسة توقيف الأشخاص بما يتجاوز المهل المسموح بها قانونا من قبل النيابات العامة بالمغرب تبقى نادرة، وقد سبق لمحكمة الاستئناف بتازة، أن أصدرت قرارا رائدا نشرته المفكرة القانونية خلص إلى نفس النتيجة.