الواضح هذه السنة أن مناقشات الأمم المتحدة لملف الوحدة الترابية للمغرب وتطورات النزاع المفتعل بشأنها، ميزها سياق عام متصل بالقضية، وهو ما بدا جليا أيضا ضمن تقارير وتصريحات المناقشات الأممية.
الجانب الأبرز في السياق المشار إليه هو تنامي مواقف الدعم والتأييد للموقف الوطني المغربي ولمقترح الحكم الذاتي، وهو ما تعزز في الفترة الأخيرة بموقف فرنسا وإسبانيا، وقبل ذلك موقف الولايات المتحدة الأمريكية، ثم دول وقوى إقليمية وعالمية أخرى، وهو ما بدا أيضا في حيثيات ومضامين تقارير وتصريحات المسؤولين الأمميين المتعلقة بالتطورات السياسية والديبلوماسية للنزاع المفتعل.
ورسخت، من جهتها، تدخلات الدول الأعضاء، طيلة الأيام الأخيرة، دينامية هذا السياق العام الداعم للموقف المغربي، وخصوصا البلدان العربية والخليجية والإفريقية وغيرها، واتضح أن مواقف خصوم الوحدة الترابية المغربية بقيت متكلسة وجامدة و… ماضوية، ولا تفتح أي أفق نحو الحل، وتستمر في المناورة والعداء ضد المملكة.
هذا السياق العام ازداد بروزا بعد خطاب جلالة الملك في افتتاح دورة البرلمان الذي خصص بكامله للقضية الوطنية، وأجمع المحللون على كونه خطاب اقتراب الحسم، وعلى أنه يكرس مرحلة جديدة ومختلفة بشأن الدفاع عن السيادة المغربية.
على ضوء ما سبق، من المؤكد أن مناورات الخصوم لن تختفي أو تستسلم أمام توالي مكاسب المملكة، وهو ما تجلى عبر قرار محكمة العدل الأوروبية، ثم في تخريجات نسبت للمبعوث الأممي ديميستورا، وأيضا من خلال تحركات أطراف معادية للمملكة تسعى لتغيير مجرى السياق العالمي الداعم للحق المغربي، وكل هذا يطرح اليوم تحديات جديدة أمام الديبلوماسية المغربية بخصوص ملف الوحدة الترابية، ويفرض الاستمرار في التعبئة واليقظة، كما شدد على ذلك جلالة الملك في خطاب افتتاح دورة البرلمان.
وفي هذا الإطار، من الضروري اليوم استحضار حاجتنا المستمرة إلى المعرفة والكفاءة والاختصاص في التعاطي مع الملف والترافع بشأنه في مختلف المحافل ذات الصلة، وهو ما نص عليه الخطاب الملكي بوضوح.
لا يعني الأمر هنا تحويل الفعل الديبلوماسي إلى محاضرات ودروس تلقى في الجامعات، ولكن يعني أن المرحلة تفرض عتادا قانونيا وخبرة سياسية وقدرة على إعمال مبادرات وبرامج ومواقف استباقية وهجومية واضحة وحازمة.
هذا الفعل الديبلوماسي يعود للديبلوماسيين الأكفاء والمحترفين فعلا، ولكن أيضا للأحزاب والبرلمان والنقابات ومنظمات المجتمع المدني والفاعلين الاقتصاديين والصحافة والإعلام، وهؤلاء كذلك في حاجة إلى التكوين والمعرفة، وإلى التمكن من المعطيات وأدوات الدفاع والترافع، ومن ثم تمتين التنسيق والتعاون ضمن مقاربة ديبلوماسية ترافعية جماعية والتقائية شاملة.
اليوم، وبرغم إيجابية السياق الدولي الداعم، فإن الوضع، مع ذلك، لا يتيح الاستسلام للرضا عن الذات، وإنما يفرض الانتباه واليقظة لكون العالم برمته يعيش تحولات مذهلة وأوضاعا معقدة، وهذا يجعل المواقف والاصطفافات مرتبطة أكثر بمصالح الدول وأهدافها، والمملكة أيضا عليها أن تدافع عن مصالحها ضمن هذه التبدلات الجارية والمتسارعة في العالم.
وفي الإطار نفسه، لا بد اليوم من إعادة استحضار أهمية ومحورية الجبهة الوطنية الداخلية في متانة الموقف الوطني المغربي، ومن ثم ضرورة الحرص على تعزيزها وحمايتها وتقويتها بشكل مستمر، أي إنجاح الإصلاحات الديمقراطية والتنموية في البلاد، وتحقيق التنمية والتقدم والديمقراطية بالأقاليم الجنوبية، على غرار باقي أقاليم وجهات المملكة، وتنفيذ برامج ومشاريع المخطط التنموي للأقاليم الجنوبية على أرض الواقع بما يجعل المواطنات والمواطنين يحسون بالآثار ملموسة ومعاشة في حياتهم اليومية، إلى جانب المنشآت البنيوية والمهيكلة الكبرى التي جرى إحداثها، وشهد العالم كله بريادتها، وبأهميتها الإستراتيجية والتنموية، ثم التعريف بكامل هذا المنجز التنموي والتأهيلي، وتقوية منظومة الإعلام المحلي بالجهات الصحراوية الثلاث للقيام بهذه الأدوار الوطنية بمهنية وكفاءة، إلى جانب وسائل إعلام وطنية مهنية وذات مصداقية ووضوح نظر.
المرحلة الجديدة التي أسس لها خطاب جلالة الملك في افتتاح البرلمان لا تعني فقط العمل على الواجهة الديبلوماسية الدولية وانخراط البرلمان والأحزاب والنخب، ولكنها تعني كذلك وأساسا تمتين العمل داخل الوطن وفي الأقاليم الجنوبية وتعزيز الجبهة الوطنية الداخلية وإنجاح الإصلاحات الديمقراطية والتنموية، وهي أوراق القوة التي بقي المغرب دائما يحدث، بفضلها، الفارق ضد مناورات الخصوم، ويجعل عداءهم ينهزم على صخرة الإجماع الوطني الشعبي الراسخ للدفاع عن وحدة التراب الوطني.
<محتات الرقاص