سجلت خلال الساعات الماضية تصعيد جديد بين إيران والسعودية بإعلان المملكة قطع علاقاتها الدبلوماسية مع الجمهورية الإسلامية، وغادرت عائلات الدبلوماسيين السعوديين طهران، فيما ردت وزارة الخارجية الإيرانية أمس الاثنين باتهام السعودية بتصعيد التوتر في المنطقة.
وفي مؤشر جديد إلى التوتر، أطلق مسلحون النار مساء أول أمس الأحد على دورية للشرطة في بلدة العوامية بشرق السعودية، مسقط رجل الدين الشيعي نمر النمر الذي أشعل إعدامه شرارة الأزمة بين البلدين.
وذكرت وكالة الأنباء السعودية ان اطلاق النار “نتج عنه مقتل المواطن علي عمران الداوود وإصابة الطفل محمد جعفر التحيفه (8 سنوات) بطلق ناري”.
واندلعت الأزمة الجديدة بين السعودية وإيران على خلفية إعدام الشيخ النمر مع 46 شخصا آخرين بتهمة “الإرهاب”.
وكان الشيخ النمر (56 عاما) واحدا من أبرز وجوه التحركات المعارضة للحكم في السعودية التي شهدتها المنطقة الشرقية للبلاد حيث تتركز الاقلية الشيعية في العام 2011.
وأدين بتهم “إشعال الفتنة الطائفية” و”الخروج على ولي الأمر” و”حمل السلاح في وجه رجال الأمن”، بينما دين معظم المحكومين الآخرين الذين اعدموا معه بالضلوع في اعتداءات منسوبة إلى تنظيم القاعدة.
ردود أفعال
وأثار إعدام النمر غضب طهران وتظاهرات للشيعة في العديد من الدول وخصوصا في إيران حيث هاجم متظاهرون غاضبون السفارة السعودية في طهران واحرقوها إضافة إلى القنصلية السعودية في مدينة مشهد.
وفي حين اعتبر الرئيس الإيراني حسن روحاني أن الهجومين “غير مبررين على الإطلاق”، اتخذ المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، صاحب الكلمة الفصل في السياسة الإيرانية، موقفا أكثر حدة، مؤكدا أن السعودية ستواجه “النقمة الإلهية” جراء إعدام النمر، داعيا “العالم الإسلامي والعالم برمته إلى أن يتحمل المسؤولية تجاه هذه القضية”.
وقال وزير الخارجية السعودي عادل الجبير أول أمس الأحد أن المملكة قررت “قطع علاقاتها الدبلوماسية مع إيران وتطلب مغادرة جميع أفراد البعثة الدبلوماسية الإيرانية، السفارة القنصلية والمكاتب التابعة لها، خلال ثمانية وأربعين ساعة، وقد تم استدعاء السفير الإيراني لإبلاغه بذلك”.
واعتبر أن “هذه الاعتداءات تعتبر استمرارا لسياسة النظام الإيراني العدوانية في المنطقة التي تهدف إلى زعزعة أمنها واستقرارها وإشاعة الفتن والحروب بها”.
وذكر متحدث باسم وزارة الخارجية السعودية أسامة نقلي ليلا في مؤتمر صحافي أن السلطات السعودية أجلت عائلات الدبلوماسيين السعوديين من طهران على متن طائرة تابعة لشركة طيران الإمارات، مشيرا إلى أن هؤلاء هم 47 شخصا من النساء والأطفال.
في طهران، قال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية جابر الأنصاري أمس الاثنين أن السعودية ترى “مصالحها ووجودها في مواصلة التوتر والمواجهات، وتحاول حل مشاكلها الداخلية عبر تصديرها إلى الخارج”.
وفي وقت سابق، اعتبرت وزارة الخارجية الإيرانية أن قرار الرياض قطع علاقاتها الدبلوماسية مع طهران لن يؤدي إلى نسيان “خطئها الجسيم” و”الاستراتيجي” بإعدام الشيخ النمر.
وقال نائب وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان أن “السعودية ارتكبت أيضا في الماضي خطأ استراتيجيا باتخاذها قرارات متسرعة ومتهورة أدت إلى انعدام الأمن والى صعود الإرهاب في المنطقة”، وتعتبر طهران أن الرياض أدت دورا رئيسيا في التراجع الكبير لأسعار النفط.
وطالبت الولايات المتحدة أول أمس الأحد قادة الشرق الأوسط بالقيام بـ”خطوات لتهدئة التوترات” اثر التصعيد الخطير بين السعودية وإيران.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية جون كيربي “نحن على علم بأن المملكة العربية السعودية أمرت بإغلاق البعثات الدبلوماسية الإيرانية في المملكة”، مضيفا “نعتقد أن الحوار الدبلوماسي والمحادثات المباشرة تبقى أدوات أساسية لحل الخلافات وسوف نواصل حض قادة المنطقة على القيام بخطوات ايجابية لتهدئة التوترات”.
وتزامنا مع تصاعد موجة الغضب لدى الشيعة في إيران والعراق وبلدان أخرى إثر إعدام السعودية للشيخ النمر، أعلنت الشرطة العراقية وشهود الاثنين وقوع انفجارين هزا مسجدين سنيين في مدينة الحلة جنوب بغداد.
وفي حادث آخر، اغتال مسلحون مجهولون مساء أول أمس الأحد طه الجبوري، إمام ومؤذن جامع محمد عبد الله جبوري السني في ناحية الاسكندرية، وفقا لمصدر في الشرطة .
شقيق “النمر”..
ودان محمد النمر، شقيق رجل الدين السعودي، أمس الاثنين “الاعتداء” الذي تعرضت له السفارة السعودية في طهران وقنصليتها في مشهد السبت على ايدي محتجين على إعدام النمر.
وقال النمر في تغريدة على حسابه على موقع “تويتر”، “نقدر العواطف تجاه الشهيد الشيخ النمر الحاضر في وجدان الجميع ولكن نرفض وندين الاعتداء على سفارات وقنصليات المملكة في ايران وغيرها”.
ولم تسلم الرياضة من تداعيات التوتر بين طهران والرياض. فقد طالبت أندية الهلال والنصر والأهلي والاتحاد السعودية المشاركة في دوري أبطال آسيا لكرة القدم على مواقعها الالكترونية، بعدم لعب مبارياتها المقررة مع الأندية الإيرانية في إيران ونقلها إلى أرض محايدة بعد الأزمة الدبلوماسية التي انفجرت بين البلدين.
تاريخ الصراع بين
المملكة العربية السعودية وإيران
> أول أزمة دبلوماسية بين البلدين:
شهد نهاية سنة 1943، أول أزمة دبلوماسية وسياسية بين الرياض وطهران، وذلك عندما اعتقلت القوات السعودية أحد الحجاج الإيرانيين داخل الحرم وهو يلقي القاذورات على الكعبة الشريفة ويلقي الشتائم على الرسول الكريم والصحابة عليهم الصلاة والسلام.
وأعلنت السلطات السعودية حينئذ أن الرجل اعترف بذنبه وأقيم الحد عليه بالإعدام، في حين جاءت ردود الفعل الإيرانية غاضبة ومتهمة السلطات السعودية بالتشدد، مبررة فعل الرجل بأنه أُصيب بالدوار أثناء الطواف، ما أدى به إلى التقيؤ قرب الكعبة.
ومن جانبها، أرسلت إيران إلى السعودية بشكل رسمي “إن السفارة تحتفظ بكامل حق الدولة الإيرانية فيما يتعلق بهذا الحادث المؤسف وما يتعلق بكل ما يترتب عليه من نتائج”، نتيجة هذه الحادثة قام البلدين باستدعاء ممثليهما لدى الطرفين وقطعت العلاقات الدبلوماسية بشكل رسمي عام 1944، إلا أنه تم إعادة العلاقات بعد عامين بوساطة عربية.
> إسرائيل أزمة للبلدين:
اعترفت إيران بالكيان الإسرائيلي في سنة 1950، بل وكانت من أولى الدول التي تعترف به، مما سبب خلافا آخر بين إيران والسعودية، حيث كانت الصحف الإيرانية تشجع يهود إيران على الهجرة لإسرائيل.
> ما قبل الثورة:
في فترة حكم الشاه الإيراني، محمد رضا بهلوي، وحكم والده من قبله، كانت العلاقات بين الرياض وطهران “صخرية”، حتى أن جوازات السفر الإيرانية كانت تحمل عبارة “يسمح لحامل هذا الجواز بزيارة جميع الدول ما عدا الحجاز”.
> ما بعد الثورة:
عقب الإطاحة بالشاه الإيراني والاستيلاء على السفارة الأمريكية في طهران، سرعان ما أصبحت المملكة الحليف الأول للولايات المتحدة في المنطقة.
> أحداث الشغب في الحج سنة 1987:
في سنة 1987، اندلعت أعمال شغب داخل الأماكن المقدسة في المملكة، حيث اشتبك حجاج إيرانيين مع الشرطة السعودية، مما أسفر عن مقتل 402 شخص، مضيفة أن إيران زعمت أن الرياض قتلت 600 شخص من الحجاج، وفتحت الشرطة النار على الحجاج، وهاجم متظاهرون في طهران السفارات السعودية والكويتية والفرنسية والعراقية.
> قطع العلاقات:
في سنة 1988، قطعت الرياض علاقاتها مع طهران، بسبب أعمال الشغب التي حدثت في عام 1987 بالحج، وبسبب الهجمات الإيرانية على الملاحة في الخليج الفارسي، وردت طهران بقطع الحج في سنتي 1988 و1989.
> هدوء نسبي:
العلاقات بين البلدين شهدت هدوءا نسبيا عندما تولى الرئيس الايراني، محمد خاتمي، الحكم في سنة 1997، موضحة أن العلاقات تحسنت أكثر عندما قام ولي العهد السعودي الأمير عبد الله، بزيارة إلى طهران في دجنبر من العام نفسه، ورد خاتمي، الزيارة في ماي من سنة 1999.
> كارثة الحج سنة 2015:
الكوارث التي حدثت في موسم الحج سنة 2015، كان لها تأثير على العلاقات الثنائية للبلدين، حيث إن حادث التدافع أودى بحياة الكثير من الحجاج، وأعلنت المملكة حينئذ أن 769 شخصا لقوا مصرعهم جراء هذا الحادث، في حين قالت طهران أن 464 شخصا قتلوا من مواطنيها في هذه الكارثة، وألقت اللوم على عدم كفاءة الرياض في التنظيم لهذا الحدث.
> إعدام “نمر النمر”:
التوتر عاد بقوة ليضرب العلاقات الثنائية للبلدين عقب تنفيذ السعودية عقوبة الإعدام على 47 شخصا يوم 2 يناير سنة 2016، من ضمنهم الشيخ الشيعي، نمر النمر، الأمر الذي أثار غضب الشيعة، خصوصًا إيران، لتعود العلاقات الدبلوماسية بين الرياض وطهران إلى “صفيح ساخن” مرة أخرى.