على عكس الدورات السابقة، عرفت المادة المسرحية اهتماما ملحوظا ضمن البرمجة الثقافية العامة للمعرض الدولي للنشر والكتاب في دورته 22 التي انعقدت في الفترة ما بين 10 و21 فبراير الماضي، حيث تابع المهتمون ندوات موضوعها الرئيسي هو المسرح كما عرفت أروقة المعرض حفلات توقيعات مجموعة من الإصدارات المسرحية الجديدة.
وفي باب الندوات شهدت إحدى القاعات الكبرى للمعرض لقاء خاصا بمناسبة مرور أربعين سنة على إصدار أول بيان للمسرح الاحتفالي بمشاركة الدكاترة مصطفى الرمضاني وعبد اللطيف ندير ومحمد العزيز..
كما كان الحدث الأبرز مسرحيا هو إصدار دار النشر التوحيدي ثمانية نصوص مسرحية من توقيع الفنان محمد الجم، وتسعة نصوص للكاتب المسرحي المسكيني الصغير، ونظمت بمناسبة هذه الإصدارات التي نشرت دفعة واحدة لقاءات تم فيها الاحتفاء بالكاتبين..
كما عقد الأستاذ عبد الكريم برشيد حفل توقيع إصداريه الجديدين «أنا الذي رأيت»، و»سقراط قالوا مات!».. وتم أيضا تنظيم حفل توقيع كتاب جديد للدكتور فهد الكغاط «الإيقان والارتياب أو يوريبدس الجديد، تجريب في المسرح الكوانتي»، الصادر عن دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، الطبعة الأولى، 2016. كما عرفة أجواء المعرض توقيع النص الجديد للكاتب المسرحي عبد الإله بنهدار «الباهية والصدر الأعظم با حماد»…
على امتداد أزيد من ثلاثة عقود، ظل الكاتب المبدع المسكيني الصغير يشكل ظاهرة خاصة في حقل الكتابة المسرحية المغربية، فقد عمل من موقع الباحث المجدد في مجال الكتابة المسرحية على مراكمة النصوص والإصدارات الجادة بوتيرة متواصلة، ساهمت في النهوض بالمسرح المغربي وخصوصا المسرح الثالث الذي يعتبر المسكيني رائده ومنظرا له..
وكان لزوار المعرض الدولي للكتاب في دورته الثانية والعشرين، صباح اليوم الختامي، فرصة للاطلاع على تجربة هذا الكاتب من خلال تقديم تسع مسرحيات له، صادرة عن دار التوحيدي للنشر والتوزيع بدعم من وزارة الثقافة.. وعرفت الجلسة الأدبية التي احتضنتها قاعة محمد العربي المساري الاحتفاء بأيقونة المسرح وتقديم شهادات في حقه، حيث قدم مسير الجلسة د. عبد المجيد شكير في مداخلته تاريخ المسكيني ومساره في المسرح المغربي وتجربته في المسرح الثالث، باعتباره كاتبا مسرحيا ومنظرا ونشيطا في حركة مسرح الهواة، كما كان كذلك كاتبا وشاعرا وإعلاميا، وأشار عبد المجيد شكير كذلك إلى تعلق المسكيني بالتراث عبر تنويعاته، إذ تتميز معظم أعماله بلمسة لكل ما هو عربي ووطني أصيل، ما يظهر جليا تعلق المسكيني الصغير بالموروث الوطني والعربي، كما عبر عبد المجيد شكير عن إعجابه بفكرة أرشفة المسرح المغربي التي بدأت دار التوحيدي للنشر تشتغل عليها، منوها بهذا الأمر باعتباره إيجابيا ويخرج الفن المسرحي من قوقعته، ومشيدا بدار النشر التي دأبت على تشجيع الكتاب المغربي وتقديمه في المعارض والمحافل الدولية.
وفي ذات السياق أبرز الكاتب والناقد المسرحي والصحفي الحسين الشعبي دور المسكيني الصغير في النهوض بالمسرح وخصوصا تجربته الرائدة في التنظير للمسرح الثالث، مشيرا إلى أن المسرحي المسكيني الصغير دأب في أعماله المسرحية على الاستلهام من التراث، مستحضرا مجموعة من مسرحياته، منها مسرحية “الجاحظ وتابعه الهيثم” و”البحث عن رجل يحمل عينين فقط” وخروج ابن عربي” ورحلة السيد عيشور” وغيرها من النصوص التي استحضرت التاريخ والثراث كمتن للمعالجة الدرامية.. إذ اعتبر الشعبي الفنان المسكيني من بين الفنانين المثقفين الذين يتميزون بالإلمام بعدة أجناس أدبية منها الشعر والزجل والقص والنقد، ما جعل أعماله كذلك تلقى نجاحا على مدى عقود من الزمن في المغرب وفي العالم العربي.
ومن جهته، عبر أحمد المرادي مدير نشر دار التوحيدي عن سعادته إزاء إشراف الدار على نشر مسرحيات المسكيني التي تعتبر من الأعمال المسرحية المهمة في المغرب، مبرزا أن دار التوحيدي لازالت تشتغل على باقي أعمال الفنان خصوصا وأنها عرضت تسع مسرحيات فقط، وتحدث المرادي عن الإكراهات التي تواجه النشر والتوزيع، معتبرا أن العمل في هذا الصدد تشوبه بعض الصعوبات، داعيا إلى تضافر الجهود بين الفاعلين والجهات المعنية لتجاوزها، كما أشار إلى أهم الأعمال المستقبلية التي ستشتغل عليها دار التوحيدي فيما يخص أرشفة المسرح المغربي، ومنها أعمال الكاتب المسرحي يوسف فاضل.
وبدوره ألقى الكاتب المسرحي المسكيني الصغير كلمة تطرق فيها لتجاربه في المسرح بشكل عام ومسرح الهواة على وجه الخصوص، مستحضرا عدة ذكريات طبعت مساره كمسرحي، وتحدث عن المعاناة التي يواجهها الفنان خصوصا المسرحي، والمتجلية أساسا في تضييق الحرية عليه، وتأويل أعماله تأويلات غير صحيحة، خصوصا وأن العمل المسرحي يناقش موضوعات مجتمعية هادفة، لكن البعض يؤولها بشكل خاطئ، حيث عادت به الذاكرة إلى عرض مسرحي كان قد عرضه بالدار البيضاء ثم توجه إلى مدينة الرباط لعرضه كذلك في إطار جولة فنية، وحدث أن كان العرض المسرحي يستخدم فيه سلهام أسود إلا أنه تم فقد هذا السلهام فتمت الاستعانة بآخر أبيض، – يقول الصغير المسكيني- إلا أنه بعد العرض بدأت أسئلة بعض المسؤولين آنذاك عن رمزية السلهام الأبيض والقصد منه، ما أثار تعجب الطاقم الفني المسرحي، إذ أن هذا السلهام استخدم بدون خلفية أو مرجعية إذ أنه جاء كتعويض للسلهام الأسود الذي ضاع لحظات قبل بداية العرض، كما قال الصغير المسكيني في ذات السياق إن التضييق على حرية المسرحيين ليس في مصلحة أحد، إذ أشار أساسا إلى التهميش الذي يعانيه المسرح بشكل عام من طرف الإعلام بحيث أن الأعمال المسرحية قل ما تبثها القنوات الإعلامية، نظرا للقضايا التي تعالجها وحساسيتها المجتمعية، مستغربا هذا الأمر الذي اعتبره تهميشا للفنان والمسرح، كما أن القضايا المعالجة هي قضايا وطنية لا تمس بأي طرف، لكنه في المقابل نوه ببعض الجرائد التي تحمل هم المجتمع وهم الفن وتولي أهمية للفنانين والفن بشكل عام، وخصوصا المسرح..
وفي ختام كلمته شكر الصغير المسكيني وزارة الثقافة على سهرها لتنظيم معرض الكتاب، كما شكر دار التوحيدي التي نشرت أعماله المسرحية، مبرزا الإكراهات التي تواجه مجال النشر في المغرب والتي تحول دون تشجيع الأعمال الأدبية للمغاربة، وختاما، وقع الصغير المسكيني على مجموعة من النصوص المسرحية للزوار، من بين هذه المجموعة، “الزعيم” و”البحث عن شهرزاد” و”الحلاج” و”سرحان” وأعمال أخرى لقيت استحسانا كبيرا من طرف القراء.