حفل الافتتاح
خص الجمهور العريض الذي حج إلى منصة مولاي الحسن، مساء يوم الخميس الماضي، المغنية الصحراوية رشيدة طلال، باستقبال كبير في حفل افتتاح الدورة التاسعة عشر من مهرجان كناوة وموسيقى العالم الذي ما يزال متواصلا حتى مساء يوم غد الأحد، حيث يختتم بتكريم فقيد المسرح المغربي، فتى الصويرة الراحل الطيب الصديقي، بمشاركة كل من محمد الدرهم وعمر السيد، مصطفى باقبو ونبيل الخالدي.
ومعلوم أن المهرجان أبى إلا أن يعطي إشارة انطلاقه بتكريم فقيد تراث تاكناويت، لمعلم الكبير محمود غينيا الذي رحل عنا في غشت الماضي، وبالنسبة للعارفين بسيرورة المهرجان، فإن الأخير قد فقد في لمعلم محمود أحد لبناته الأساسية وأحد الأسماء الكبيرة التي رافقت المهرجان منذ البدايات وحتى الدورة الماضية.
في حفل الافتتاح اختلطت الطبول الإفريقية، بالكنبري الكناوي وصوت رشيدة طلال الجميل، ورقصتها الصحراوية المتميزة، في أغنية وطنية عن الصحراء المغربية، عميقة الدلالات رغم بساطة الكلمات، تفاعل معها الجمهور الحاضر بشتى أطيافه وقدمت طلال مع المجموعة عدة أغاني من تراث الصحراء، وكانت آلة الكنبري بين يدي لمعلم مختار غينيا الذي أجاد العزف وأدخل في هذه الأمسية، عشاق التراث الكناوي، إلى مقامات الجدبة، في انسجام كامل مع إيقاعات الطبول الإفريقية، لمجموعة دودو نداي روز پركسيون أوركسترا، المكونة من أفراد عائلة قارع الطبل الراحل دودو نداي روز.
لقد كانت أمسية باهرة استحضرت ذاكرة فنانين إفريقيين كبيرين.
الاستعراض الاحتفالي
باستعراض احتفالي، انطلقت، فعاليات الدورة الـ 19 لمهرجان كناوة.. موسيقى العالم.
ووسط حشد من جمهور مهرجان كناوة وعشاق العروض الموسيقية الكناوية، جال عدد من المجموعات الموسيقية التقليدية بينها كناوة، وعيساوة وأحواش شوارع وأزقة المدينة القديمة للصويرة، كما جرت العادة في حضور أندري أزولاي مبدع فكرة المهرجان ومديرة المهرجان نايلة التازي وفي حضور سفير الولايات المتحدة الأمريكية دوايت بوش.
وعلى قرع الطبول والقراقب، قدمت الفرق الموسيقية المشاركة في العرض، أهازيج ورقصات كناوية، تفاعل معها بتناغم كبير، جمهور احتشد على جنبات طريق الاستعراض، انطلاقا من باب دكالة، وحتى ساحة مولاي الحسن، حيث المنصة الرسمية للمهرجان.
وقد حملت كل فرقة من الفرق المشاركة أعلاما، وارتدت أزياء ملونة، وقبعات مرصعة بالأصداف.
وتسعى الدورة الـ 19 من مهرجان كناوة.. موسيقى العالم، لأن تكون عنوانا لإحياء الذاكرة والتقاليد والاحتفاء بالشباب وكناوة والجاز، كل الايقاعات ذات الجذور الافريقية، كما تعمد إلى المزج بين جل هذه ألوان الموسيقية العالمية المتباينة.
وتحتفي مدينة الصويرة المصنفة تراثا عالميا من قبل منظمة اليونسكو، سنويا بموسيقى كناوة التي تؤرخ لمعاناة العبيد السود الذين تم استقدامهم من بلدان إفريقيا جنوب الصحراء، ويعود أصل تسمية كناوي، حسب الباحثين، إلى كلمة قناوي أو قن أي عبد، فيما يرى آخرون أن الكلمة لها علاقة بمفردة أكناو الأمازيغية، ويقصد بها الشخص الأبكم أو الشخص الذي يتحدث بكلام غير مفهوم.
منتدى حقوق الإنسان
هذا وعلى اعتبار مهرجان الصويرة الكبير يسير على وتيرتين تتكاملان في المبنى والمعنى، انطلق منتدى حقوق الإنسان صباح أمس الجمعة بفندق أطلس الصويرة، وينتظم للسنة الخامسة على التوالي بشراكة مع المجلس الوطني لحقوق الإنسان.
ويأتي منتدى حقوق الإنسان إلى جانب الموسيقى والفنون، لتعزيز هذا الفضاء بمساحة للنقاش بين متدخلين مغاربة ودوليين حول إشكاليات راهنة لمجتمعاتنا.
فبعد دورتي 2012 و 2013 المخصصتين على التوالي للشباب والثقافة، أصبحت إفريقيا الموضوع المركزي للمنتدى، حيث تم
تخصيص دورة للتاريخ سنة 2014 و أخرى للنساء سنة 2015
هذه الدورة الخامسة تطرح سؤال الحركية الإفريقية حول موضوع :” الدياسبورا الإفريقية: الجذور، الحركية والإرساء”.
ويعتبر هذا الفضاء المخصص للحوار والتفاعل فرصة للانكباب على الإسهامات التي قدمها الشتات لفائدة إفريقيا، وللتفكير في التحولات الجديدة المترتبة عنها.
خلال يومين مخصصين للتبادل الدقيق والتعددي، سيتطرق المنظمون هذه السنة لقضية متجذرة في التاريخ الإفريقي وراهنة في ذات الآن، ألا وهي الحركية الإفريقية وتبعاتها المتعددة.
ويقول بلاغ للمهرجان في هذا الباب: “إن إفريقيا، وهي قارة ذات تقليد قوي وقديم للهجرة، تواجه ديناميات حركية جديدة وإعادة تشكيل عميق لصيغ الهجرة القديمة.
في الوقت الذي تستديم الهجرات من الجنوب إلى الشمال، برزت أشكال جديدة للحركية، تتميز بتعدد القوميات وبتنقلات دائرية، مما يؤدي إلى بروز نوع من “الكونية” مبنية على الزخم وعلى الاعتراف بالآخر، دون أن تكون خالية من التوترات، مع
أشكال الرفض التي تواجهها أحيانا الجاليات المهاجرة.”
إن استدامة استقرار جاليات قومية خارج التراب الإفريقي، والهجرة الدائمة والمستمرة داخل إفريقيا وخارجها، وتشكل
أجيالا جديدة مزدوجة الجنسية، وتنوع مجالات الاستقرار، واستقلالية جاليات الدياسبورا وتجديد طبيعة الروابط العائلية
والاجتماعية والاقتصادية مع إفريقيا، تشخص معالم هذا النموذج الجديد.
باعتبار التنوع الذي يميز الدياسبورا الإفريقية ، لا سيما ما تعتمل به من الكفاءات المعترف بها عالميا في مجالات مختلفة – علمية،
ثقافية و فنية…- من شأنه أن يكون عاملا مؤهلا للتنمية الإفريقية.
حياة المهرجان
قبل 19 سنة، وخلال انطلاقته الأولى، راهن هذا المهرجان على الشباب والتراث والمدينة وطمح إلى أن يكون الناطق الرسمي والمحافظ على التقليد والذاكرة والموسيقى الكناوية.
وقبل 19 سنة، كذلك، بدأت فرق كناوة ومدينة الصويرة برمتها مرحلة جديدة في حياتهما، بعد عقود من الغبن والتهميش، من خلال رحلة تميزت بالانفتاح على المشهد الفني العالمي وعلى الشباب الذي صار يتماها مع هذا التراث المغربي الأصيل.
وأثبتت هذه التظاهرة الفنية المتميزة أنها، بالفعل، كانت على موعد مع التاريخ، وأنجزت أكثر مما كان متوقعا منها، وهي تسير نحو عقدين من الوجود، أثمرت العديد من النتائج الباهرة، إن على المستوى الثقافي أو على المستوى الاقتصادي والتنموي لمدينة الصويرة في مجملها، وقد أعطى مهرجان كناوة الصويرة، المثال الكبير على ارتباط البعدين الثقافي والتنموي، حيث يشكلان رافعة أساسية ودعما كبيرا لباقي الأبعاد الأخرى.
مبعوث بيان اليوم إلى الصويرة: سعيد الحبشي