تحل يوم 4 غشت 2016 الذكرى 438 لمعركة وادي المخازن التي جسدت منارة في مسيرة الكفاح البطولي الذي خاضه الشعب المغربي..
ويهذه المناسبة، تنظم المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير يومه الخميس 4 غشت 2016 على الساعة الحادية عشرة صباحا، مهرجانا خطابيا بجماعة السواكن بإقليم العرائش، تلقى خلاله كلمات وشهادات تستحضر الأبعاد الرمزية والدلالات العميقة لهذا الحدث الوطني.
وبهذه المناسبة، ستجري مراسم تكريم صفوة من المنتمين لأسرة المقاومة وجيش التحرير، وفاء وإشادة بمناقبهم الحميدة وخدماتهم الجلى وتضحياتهم الجسام في سبيل الحرية والاستقلال والوحدة الترابية.
وتتضمن فقرات برنامج إحياء هذه الذكرى جولة تفقدية لمرافق فضاء الذاكرة التاريخية للمقاومة والتحرير بمدينة القصر الكبير .
وبنفـــس المناسبــــة، ستجــــري مراسم تدشين ساحة المقاومة وجيش التحرير أمام فضاء الذاكرة التاريخية للمقاومة والتحرير بمدينة القصر الكبير، وكذا ساحة 10 أبريل 1956 التي تؤرخ للزيارة التاريخية لجلالة المغفور له محمد الخامس لمدينة القصر الكبير التي أعلن فيها عن تحطيم الحدود المصطنعة بين شمال الوطن ووسطه وجنوبه.
كما سيتم الوقوف بضريح عبد المالك السعدي للترحم على الأرواح الطاهرة لشهداء الحرية والاستقلال وفي طليعتهم جلالة المغفور له محمد الخامس، ورفيقه في الكفاح والمنفى جلالة المغفور له الحسن الثاني قدس الله روحيهما.
وقعت معركة وادي المخازن في ظروف إقليمية ودولية دقيقة تميزت بدخول العثمانيين في سلسلة من المواجهات العسكرية مع القوى العسكرية الأوروبية، وفي تزايد الأطماع الاستعمارية للقوى الأوروبية في التحكم في أوضاع الشمال الإفريقي وخاصة الدولة المغربية، بهدف استغلال المراسي والموانئ الأطلسية ومرسى العرائش بوجه خاص. وقد شكل مرسى العرائش الذريعة التي استخدمها البرتغاليون لتبرير حملتهم العسكرية على المغرب، بدعوى أن الأتراك كانوا عازمين على احتلالها مهما كان الثمن، وقد علق أحد المؤرخين الإسبان على أهمية ميناء العرائش بأنه يعادل سائر الموانئ المغربية.
في حمأة الأطمـاع الخارجيـة على المغـرب، نهج السلطان عبد المالك السعدي خطا متوازنا بذكائه السياسي وفهمه الدقيق للظرفيـة الوطنية ولنوايا الأطراف الأوروبية ومعرفته الصائبة بمخططات القوى الدولية العظمى خلال منتصف القرن السادس عشر، فاستطاع المغرب الحفاظ على استقلاله وسيادته، غير أن ملك البرتغال ركب أطماعه مغامرا في حملة عدوانية غير محسوبة العواقب لبسط نفوذه والهيمنة على الكيان المغربي الحر المستقل والقوي.
استعان السلطان عبد المالك السعدي في الإعداد للمعركة بحنكته السياسية، وأدرك منذ البداية أهمية عامل الزمن بالنسبة للمغاربة. وهكـذا، نجده يكاتب “دون سبستيان” ويعرض عليه السلام والتفاوض لربح الوقت والاستعداد للمواجهة المحتملة. وعندما تحرك “دون سبستيان” ووصلت جيوشه إلى منطقة طنجة أصيلة، كاتبه السلطان عبد المالك السعدي بغير أسلوبه العادي، وبما يؤدي إلى جر جيوش “دون سبستيان” إلى معترك اختاره عبد المالك بكل عناية، ألا وهو سهل وادي المخازن. ومما جاء في رسالته الموجهة إليه: “إن سطوتك قد ظهرت في خروجك من أرضك وجوازك العدوة، فإن تبثت إلى أن نقدم عليك، فأنت نصراني حقيقي شجاع …”.
وقد أورد بعض المؤرخين أيضا قول عبد المالك السعدي:” إني رحلت إليك ست عشرة رحلة، أما ترحل إلي واحدة !”. وفعلا، استطاع عبد المالك السعدي أن يجر الجيش البرتغالي إلى سهل وادي المخازن، مما كان له أكبر الأثر في تحديد مصير المعركة قبل أن تقع. وللإشارة، فإن القوات البرتغالية التي عبرت إلى المغرب كانت تضم أسطولا يفوق عدد وحداته 500 قطعة بحرية تقل على متنها جيشا نظاميا وكثيرا من المرتزقة، والحشود الحليفة الداعمة، فضلا عن وضع الملك الاسباني رهن إشارة ملك البرتغال وحدات بحرية أخرى انضمت إلى الجيش البرتغالي.
ولما بدأت الجيوش الغازية تتوغل شيئا فشيئا بعيدا عن ميناء العرائش، برهن المغاربة عن ذكائهم عندما استدرجوا الجنود وتركوهم يتسربون إلى أن عبروا وادي المخازن واستقروا في السهل الموجود على يمين نهر اللكوس.
وفي يوم الاثنين 4 غشت 1578، دارت معركة حامية الوطيس بوادي المخازن في منطقة السواكن بعد أن حطم المغاربة جسر النهر للحيلولة دون تراجع القوات الغازية نحو ميناء العرائش، ومني البرتغاليـون بخسـارة جسيمة حيث قتل ملكهم، والملك المخلوع محمد المتوكل. كما توفي السلطان عبد المالك السعدي إبان المعركة بسبب تسمم تعرض له من الأعداء. وقد أخفى خلفه السلطان أحمد المنصور الذهبي نبأ وفاته ليواصل تدبير وقيادة المعركة التي اصطلح على تسميتها بمعركة الملوك الثلاثة والتي أكسبت المغرب مجدا تليدا، وحقق فيها المغاربة نصرا مبينا زاد من هيبة المغرب ومكانته في إفريقيا وحوض البحر الأبيض المتوسط، وظلت مبعث عز وشرف له كدار للإسلام والسلام والأمن وكيان وطني مهاب الجانب يحتمي به المسلمون كافة ويحظى بتقدير واحترام سائر أقطار المعمور.
وإن أسرة المقاومـة وجيش التحرير وهي تحتفي بذكرى معركة وادي المخازن في غمرة احتفـالات الشعب المغربي بالذكرى السابعة عشرة لعيد العرش المجيد، تتوخى إبراز معاني الاعتزاز بملاحمنا التاريخية والتعريف بها، واستلهام قيمها في مسيرات إعلاء صروح المغرب الجديد بقيادة باعث النهضة المغربية جلالة الملك محمد السادس الذي يواصل مسيرة الجهاد الأكبر الاقتصادي والاجتماعي وإعلاء صروح الوطن، والارتقاء به قدما في مدارج التقدم والحداثة، وترسيخ الديمقراطية وتعزيز التنمية الشاملة والمستدامة والمندمجة بكل أبعادها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والفكرية والبشرية وإذكاء الإشعاع الحضاري للمغرب كقلعة عريقة متمسكة بقيم السلام والإخاء وفضائل التضامن والتعاون والاعتدال والتسامح والمبادئ الإنسانية المثلى.
وباحتفائها بهذه الذكرى التي يحق لكل المغاربة الاعتزاز بحمولتها ورمزيتها وقيمتها التاريخية، تستحضر أسرة المقاومة وجيش التحرير ملاحم الكفاح الوطني في سبيل تحقيق الاستقلال والوحدة الترابية، وتستلهم منها قيم الصمود والتعبئة الوطنية المستمرة والالتحام الوثيق بين أبناء الشعب المغربي من أقصى تخوم الصحراء إلى أقصى ربوع الشمال، وتؤكد مجددا تجندها الدائم والموصول صيانة للوحدة الترابية الراسخة التي لا تزيدها مناورات الخصوم إلا وثوقا وصمودا وثباتا.
إن المغرب اليوم بقدر ما هو متمسك بمبادئ الحوار وحسن الجوار، فإنه لن يفرط قيد أنملة في حقوقه المشروعة بتثبيت سيادته على الأقاليم الجنوبية المسترجعة، وسيظل على استعداد للتعاون مع المنتظم الأممي لإنهاء النزاع المفتعل حول اقاليمنا الجنوبية المسترجعة، ليتسنى للمنطقة المغاربية ان تسير في طريق التقارب والتعاون والعمل المشترك لبناء اتحاد المغرب العربي الكبير الذي تتطلع اليه شعوبنا التواقة لتوحيد صفوفها في مواجهة التحديات ولكسب الرهانات.