لم يكن مجانيا تصريح المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون أثناء مناظرتها الأولى مع خصمها الجمهوري دونالد ترامب عندما قالت إنها «ابنة تقاليد المؤسسات الأميركية»، فمنذ أن كانت السيدة الأولى للبيت الأبيض كزوجة للرئيس السابق بيل كلينتون، لم تغادر هيلاري أروقة السلطة من الكونغرس إلى البيت الأبيض مرة أخرى كوزيرة سابقة للخارجية.
هذا التصريح يعكس بالأساس قدرة المرشحة الأميركية على تطويع المؤسسات الأميركية للعمل لصالح فوزها في الانتخابات، فالموقف الذي يمكن أن تتخذه الآلة الضخمة في أميركا وهي المؤسسات قادر على تحديد من هو الرابح ومن هو الخاسر في المعركة الانتخابية القادمة.
استمالة الجيش
نتائج آخر استطلاع للرأي أجراه معهد جامعة سيراكيوز لقدامى المحاربين وعائلات العسكريين في سبتمبر الماضي كانت سببا في إشعال حرب تصريحات بين المرشحين حول مدى دعم الجيش لأحدهما، لكن بالنسبة إلى العسكريين ظهروا في هذا الاستطلاع أكثر ميلا إلى دونالد ترامب. فقد أفادت مجلة “نيوزويك” الأميركية، بأن هيلاري كلينتون، مرشحة الحزب الديمقراطي في الانتخابات الرئاسية لا تتمتع بأي شعبية في صفوف الجيش الأميركي، وأن رجال القوات المسلحة الأميركية يفضلون دونالد ترامب، مرشح الحزب الجمهوري جنبا إلى جنب مع جار جونسون مرشح الحزب الليبرالي للرئاسة.
وشمل استطلاع الرأي 207 من أفراد الخدمة الفعلية في الجيش، وقد حصل ترامب على تأييد 38 بالمئة من رجال القوات المسلحة، وجاء في المركز الثاني بفارق 1 بالمئة جار جونسون بنسبة تأييد 37 بالمئة، فيما جاءت هيلاري في المركز الثالث بنسبة تأييد 16 بالمئة فقط، وهذا يعود إلى طبيعة المؤسسة العسكرية التي تميل بشكل أو بآخر إلى الشخصيات الصدامية.
وفي الوجه المقابل، قال تيم كاين، نائب هيلاري كلينتون المرشح الديمقراطي لمنصب رئيس الولايات المتحدة الأميركية، إن دونالد ترامب معروف بأنه “شتام”، خاصة بعد أن وصف البعض من النساء بالخنازير، وسب المكسيكيين. وأوضح أنه يتحدث دائما بشكل سيء عن الجيش الأميركي، مضيفا «ترامب سوف يتعاون مع الإسرائيليين فقط في حال دفع الكثير من الأموال». وأكد تيم كاين، خلال المناظرة القائمة بينه وبين منافسه مايك بينس، فى ولاية فيرجينيا، أن هيلاري كلينتون تسعى لزيادة العمل مع القطاع الخاص وبناء المزيد من التحالفات داخل الوطن وخارجه. وقالت كلينتون معلقة على ما قاله نائب المرشح الجمهوري مايك بينس بأن ترامب يحظى بشعبية لدى الجيش، إن ذلك «أمر مضحك» نظرا إلى أن ترامب «لا يدفع الضرائب ويشتم ويهين قدامى المحاربين».
هذا التنافس الشديد بين المرشحين حول استمالة الجيش الأميركي لا يمكن قراءته فقط على أنه بحث عن أصوات أو تأييد للقوة الأساسية للدولة الأميركية، بل إن المؤسسة الرسمية أصبحت في الولايات المتحدة طرفا في الصراع الانتخابي حول الرئاسة وبذلك لم تعد مسألة حياد المؤسسات أمرا ضروريا أو حتميا أو خطا أحمر يجب عدم الاقتراب منه في المنافسات، بل إن توظيفها أيضا أصبح مباحا. ولا يمكن في هذا السياق التغاضي عما تقوم به المؤسسات الأمنية والاستخباراتية الأميركية في الكثير من الأحيان من تسريبات لرسائل من البريد الإلكتروني لهيلاري كلينتون، وقد وصل الأمر بعد حكم قضائي إلى نشر وزارة الخارجية الأميركية لتقرير بـ3800 صفحة يتضمن رسائل إلكترونية لهيلاري كلينتون عندما كانت وزيرة للخارجية، وفيها معلومات عن كشف مخطط للمخابرات الفرنسية والبريطانية لفصل شرق ليبيا عن غربها. وتعد هذه الرسائل سلاحا فعالا لخصوم كلينتون في مهاجمتها.
تفكك من الداخل
يقول مراقبون إن هذه الظاهرة التي تحدث اليوم لم تكن مرئية بشكل قوي في السابق، حيث أن الجميع كان ينتظر فوز أحد المرشحين لإعلان الولاء له باعتباره الحائز على الأغلبية وهو الذي سيقود السياسات الجديدة في البيت الأبيض، لكن الأمر اليوم قد يبدو مختلفا. فقد وصل الأمر بتأثير توازن القوى وطبيعة الشخصيتين المرشحتين إلى قلب الحزب الجمهوري في ذاته كمؤسسة مغذية للنظام الأميركي بمرشحين وسياسيين ونواب في الكونغرس، حيث أخذ البعض من القياديين مسافة من دونالد ترامب نتيجة ماضيه الذي قد لا يكون مشرفا للجمهوريين. إذ يدرس محامو الحزب الجمهوري الأميركي إمكانية استبدال مرشحهم المثير للجدل دونالد ترامب بمرشح آخر، رغم أنه لم يتبق سوى شهر واحد على موعد إجراء الانتخابات الرئاسية.
وتأتي الخطوة بعد الكشف عن سلسلة من «الفضائح الجنسية» لترامب، بينما يقول مراقبون إنها قد تقضي نهائيا على حظوظ الجمهوريين في السباق الرئاسي، وسيفسح المجال أمام الديمقراطية هيلاري كلينتون لتكون على الأرجح أول رئيس امرأة للولايات المتحدة. كما سيضطر ترامب إلى شرح كيف يعتزم توحيد الأميركيين بعد أن أعلن مسؤولون كبار في معسكره السبت أنهم لن يصوتوا له. وبين هؤلاء جون ماكين وميت رومني المرشحان السابقان إلى البيت الأبيض وأرنولد شوارزنيغر الممثل السابق والحاكم السابق لولاية كاليفورنيا ووزيرة الخارجية السابقة كوندوليزا رايس. وأعرب الرئيس الجمهوري لمجلس النواب بول راين عن “اشمئزازه” من تصريحات ترامب. وحتى نائبه مايك بنس أخذ مسافة من ترامب.
وقال بنس «لا يمكنني أن أدافع عن تصريحات المرشح الذي اختاره الحزب» لكنه في المقابل رحب باعتذارات ترامب في هذا الخصوص. وتعد هذه التصريحات أمرا ملفتا باعتبارها صادرة عن قيادات عليا داخل الصف الجمهوري بما يدل على أن معسكر ترامب يتفكك من الداخل وأن الرجل له تأثير قوي في الجانب السلبي. أما زوجة الملياردير ميلانيا فقد طلبت من الأميركيين أن يغفروا لزوجها هذه التصريحات التي لا تعكس شخصيته الحقيقية. وقال لاري سباتو خبير الشؤون السياسية في جامعة فيرجينيا إن شريط الفيديو الذي يعود إلى عام 2005 “سكين طعن به ترامب في القلب، وخلال المناظرة سيتم بالتأكيد التطرق إلى هذا الموضوع”. وأضاف “لن يخسر ترامب أي صوت في قاعدته الانتخابية لأنهم (أنصاره) لا يكترثون. لكنه لن ينجح في توسيع قاعدة دعمه”.
شريط الفيديو الذي سربه تلفزيون «ان بي سي» والذي صور قبل 11 عاما يؤكد أن العملية السياسية الانتخابية في الولايات المتحدة (كما في باقي الدول في العالم الغربي) تتوقف عند تفاصيل صغيرة جدا يمكن أن تكون قديمة ولها تاريخ طويل، لكنها قد توظف في سياق العمل الانتخابي وتسبب فارقا في الأصوات. بهذه المقاربة فإن عمل المؤسسات الأميركية اليوم ليس عملا محايدا أو على الأقل لا يتدخل بشكل مباشر في الميل إلى أحد المرشحين على حساب الآخر، بل تتدخل المؤسسات البنكية والإعلامية والسياسية والقضائية وحتى الصحية في العملية الدعائية الانتخابية.
ولا يمكن أن يتجاوز الجمهور الانتخابي الأميركي تسريبات قامت صحيفة الديلي تليغراف البريطانية بالحصول عليها من مصادرها الخاصة حول التهرب الضريبي لدونالد ترامب. وقد أكدت الصحيفة أن الوثائق تشير إلى أن ترامب وافق على القيام بصفقة مع شركة سوف تتولى بناء فندق له في نيويورك وهذه الشركة متورطة بالتهرب من دفع 20 مليون دولار كضريبة للدولة وهناك شبهة بمعرفة ترامب بهذا من قبل. كل هذه المعطيات سوف تكون ضد دونالد ترامب بكل تأكيد، لأن الذين سيصوتون له وسيدعمونه وربما يقدمون له الولاء في حالة توليه الرئاسة سوف ينظر لهم الجميع على أنهم مشابهون له في التفكير والسلوك.
> ميشال مونتانا (أ.ف.ب)