أصوات غنائية مغمورة تكتفي بمحاكاة مطربين مشهورين

 الأغنية المغربية تعيش في مد وجز، بالرغم من المجهودات التي تبذلها الوزارة الوصية على هذا القطاع، من خلال منحة الدعم التي تخصصها لإنتاجنا الغنائي بمختلف تعابيره الفنية.
 غير أن هناك أصوات غنائية، بالرغم من موهبتها الخلاقة، لا يتم اكتشافها إلا بعد تقدمها في العمر؛ مما يدفع إلى التساؤل أين كانت تلك الأصوات؟ ولماذا لم يعمل الملحنون على التعامل معها وإبرازها ومساعدتها على شق طريقها الفني غير المفروش بالورود؟
 إنها غالبا ما تكتفي بترديد أغاني لمطربين معروفين، أمثال أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب ونعيمة سميح وعبد الوهاب الدكالي وعزيزة جلال وناس الغيوان وجيل جيلالة ولمشاهب  وغيرهم.. وعند الإنصات إليها، نصاب بالانبهار، إنها تؤدي بصورة تضاهي المستوى الذي يؤدي به هؤلاء أغانيهم الخاصة والتي بها اشتهروا.
 إنها أصوات موهوبة، من الممكن أن تكون قد اكتشفت ذاتها منذ سن مبكرة، ربما منذ الطفولة، في فصول الدراسة، في الحفلات المدرسية والمناسباتية، لكن بالرغم من ذلك ظلت مغمورة، لم يمد لها أي أحد يد المساعدة لأجل البروز والتموقع بين غيرها من الأسماء الشهيرة.
 قد تكون بعض هذه الأسماء هي السبب في تأخير ظهورها، وكبح جماح موهبتها، بالرغم من أن الموهبة لا تموت، مهما ظلت مدفونة؛ لأنها تولد مع صاحبها، ولا يتم استيرادها من مكان ما، وحين يتم إيقاظها، تفاجئنا بكل الجمال الأصيل الذي تكتنزه.
 لقد استمعت إلى إحدى المطربات التي اكتفت بمحاكاة الآخرين وهي تبرر سبب عدم إنتاج أغاني خاصة بها تشكل إضافة عوض الاكتفاء بالمحاكاة، رغم أنها تقدمت في السن، وكان يمكن أن تقوم بذلك منذ ريعان شبابها، بررت ذلك بأنها لم تكن تجرؤ على الغناء في حضور زوجها، وأنها بعد أن طلقت، بات بإمكانها أن تطلق العنان لصوتها، وتتمنى أن تجد ملحنين يعدون لها أغاني تلائم طاقتها الصوتية.
 وهناك أصوات بالرغم من موهبتها المتفردة، دفنت نفسها في صالونات الفنادق والكباريهات، ظلت تجتر أغاني الآخرين، حتى لو كانت هذه الأغاني ساقطة، على اعتبار أن هناك من يطلب سماعها.  
 لقد كان لوسائط الاتصال الحديثة، اليوتوب والصفحات الاجتماعية وغيرها، دور مهم في بروز هذه الأسماء الموهوبة، أحيانا نجدها تطرب بشكل أفضل من أصحاب الأغاني التي تحاكيهم.
 مرة استمعت إلى فرقة غنائية غير معروفة خريجة المعاهد الموسيقية، تقلد أغاني إحدى المجموعات الغنائية الشعبية المؤسسة لهذا اللون الغنائي، في إحدى صفحات الويب، ولاحظت كيف أن العازف على الآلة الموسيقية يؤدي بالطريقة التي كان ينبغي أن تؤدى بها في الأصل، النسخة المقلدة في هذه الحالة، أفضل من النسخة الأصلية، والواضح أن ذلك راجع إلى كون تلك المجموعة المقلدة تتألف من أفراد درسوا الموسيقى وعرفوا كيف يؤدون النوطة الموسيقية حسب قواعدها، على خلاف المجموعة الأصلية التي اعتمدت على الفطرة للتعبير الغنائي، وساعدتها ظروف تاريخية على الظهور والانتشار.
 لكن بالرغم من المحاكاة الجيدة التي تقوم بها بعض الأصوات الغنائية، ظلت مغمورة، على اعتبار أنها لم تجد من يلحن لها أعمالا جديدة، تتميز بها عن غيرها من الأصوات وتشكل بالتالي إضافة نوعية للذخيرة الغنائية المغربية على الأقل.
 من حسن حظ هذه الأصوات أنها وجدت في وسائط الاتصال الحديثة، سندا لإبراز ذاتها، علما بأن ذلك لا يتطلب إمكانيات مكلفة، كما لا نغفل الإشارة إلى الدور الذي تلعبه بعض الإذاعات، حيث يتم تخصيص حصص زمنية لفتح الخطوط أمام الأصوات الغنائية الموهوبة، حيث تقوم بأداء أغاني مشهورة لمطربين مكرسين، وتفاجئنا بأدائها الذي يضاهي هؤلاء المطربين أنفسهم.

 بقلم: عبد العالي بركات

Related posts

Top