أطفال القصور الكلوي.. معاناة وأمل في ازدهار عمليات الزرع بالمغرب

سميرة الشناوي

ليست هناك إحصائيات تعرفنا بالعدد المضبوط للأطفال المصابين بمرض الكلي المزمن أو الحاد في المغرب، خاصة بالنظر إلى صعوبات التكفل الطبي بالمرض لدى هذه الفئة بما أنها لا تخضع بالضرورة للعلاج ضمن البنيات المعروفة كما هو الشأن بالنسبة للمرضى البالغين. لكن المؤكد أن مرض القصور الكلوي المزمن يصيب، عبر العالم، بين 4 إلى 15 طفلا ضمن كل مليون طفل أقل من 19 سنة.
وفي الوقت الذي تبدو فيه أسباب المرض عند فئة البالغين مرتبطة في أغلب الأحيان باضطرابات نسبة السكري في الدم ومشاكل الضغط الدموي، إلا أنها تصبح مختلفة تماما عندما يتعلق الأمر بالأطفال حيث تتنوع أسباب الإصابة بين حدوث تشوهات خلقية في مرحلة الحمل (61 المائة من الحالات)، والأمراض الوراثية (22 بالمائة)، أو متلازمة مرض الكلي الحاد أو المزمن “كلوميرولوباثي” (5 بالمائة من الحالات).. وبعض الأسباب الأخرى المختلفة أو غير المعروفة..   
وفي كل هذه الحالات، وكما تؤكد ذلك البروفيسور سلمى سهام الخياط، اختصاصية أمراض وطب الكلي، تظل مسألة الوقاية ممكنة سواء تعلق الأمر بمسألة التشوهات الخلقية والأمراض الوراثية بحيث أصبح التشخيص في هذه الأمراض، في مرحلة سابقة عن الإنجاب، متاحا في بلادنا.. وأيضا بالنسبة للتعفنات البولية واضطرابات التبول التي يجدر بالآباء الانتباه لها في الوقت المناسب من أجل معالجتها عند الطفل حتى لا يتطور الأمر إلى مرض كلوي مزمن أو حاد. وتؤكد البروفيسور الخياط على أن “تحليلة” بسيطة وزهيدة الثمن لبول الطفل عند حدوث التعفنات والاضطرابات، كفيلة بتجنب مضاعفات أمراض الكلي وصعوباتها سواء بالنسبة للطفل أو الأهل. كما تشدد الخياط على ضرورة اتباع نمط حياة صحي لدى الطفل، كما هو الشأن تماما بالنسبة للراشدين، من أجل تفادي الوقوع فريسة للمرض، وذلك من خلال تناول الماء بكميات مناسبة، وتناول الخضروات والفواكه وعدم الإفراط في تناول اللحوم الغنية بالبروتينات التي ترهق وظيفة الكلي، وكذا الابتعاد عن المواد الغنية بالملح والسكر، وضبط الوزن والضغط الدموي ومستوى السكر في الدم، وتجنب التدخين، وعدم تناول الأدوية لمدة طويلة بدون استشارة طبية.
وتشير الخياط، من جهة أخرى، إلى أهمية التحسيس ونشر المعلومات الصحيحة حول أمراض الكلي عموما وحول مرض القصور الكلوي عند الأطفال على وجه الخصوص، سواء من قبل مصالح وزارة الصحة أو من خلال الهيئات المهنية والمدنية الفاعلة في القطاع، وكذا على مستوى التربية الصحية في المدارس وعبر وسائل الإعلام.           
بعد التشخيص

عادة ما يكون الآباء أول من يواجه حقيقة مرض القصور الكلوي عند الطفل، وذلك عندما يسقط التشخيص كالصاعقة على رأس الأب والأم، خاصة أنهما في جل الأحيان يكونان على جهل تام بطبيعة المرض ومضاعفاته عند الطفل، وكذا تكاليفه المادية والمعنوية. وهنا تبدأ رحلة مليئة بالمرارة والألم، مع الجهود المضنية لحماية ورعاية ذلك الذي البرعم لم يكد يتفتح على الحياة فإذا به يواجه حقيقة سقم المرض وصعوبات العلاج.
رحلة العلاج قد تبدأ مباشرة بعد الولادة عندما يتم التشخيص في مرحلة الحمل. وتلك كانت حالة الطفل “ربيع” الذي عرفت والدته وهي حامل به أن جنينها سيولد بكلية واحدة وأن هذه الكلية بدورها لا تقوم بوظيفتها على الوجه الأكمل. اقترحت عليها الطبيبة التي كانت تتتبع حملها أن تقوم بإسقاط الجنين، لكن الأم رفضت وفوضت أمرها إلى الله.. لم تستسلم للهواجس والحسرات بل بحثت لدى الأطباء عن بصيص أمل ليشدها وابنها إلى الحياة.. وكان لها ما أرادت.. ربيع يقترب اليوم من منتصف عامه الثالث. وعلى الرغم من معاناة الأم في تتبع حالته التي تطلبت إجراء عملية جراحية له مباشرة بعد الولادة، وتتطلب اليوم علاجا يوميا بعشرات الأدوية، مع اتباع حمية دقيقة، حتى يتم الإبقاء على أداء الكلية في مستوى مناسب، إلا أن الأم لا تكل ولا تمل، بل تنظر بعينيين لامعتين وثغر باسم لصغيرها وهو يلهو أمامها غير واع ولا آبه بحقيقة مرضه.
وعلى الرغم من التضحيات الكبيرة للآباء والأمهات والاحتياطات الشديدة التي تتم للتكفل بالحالات بتوجيه من الأطباء المعالجين، إلا أن العديد من الأطفال تتفاقم حالتهم للأسف ليصبحوا أمام واقع أشد وطأة عندما يصلون إلى حالة القصور الكلوي الحاد التي تستلزم تصفية الدم. عندها تبدأ فصول معاناة جديدة مع تدهور الحالة الصحية للطفل وضرورة تكثيف المراقبة الطبية إما في البيت أو المستشفى.   
تلك كانت حالة الطفلتين كنزة (14 سنة) وفاطمة الزهراء (10 سنوات)، اللتين كان عليهما مواجهة عناء تصفية الدم الصناعية وهما في سن جد مبكرة. وتحكي كل من أم فاطمة الزهراء وخالة كنزة عن صور من الألم في ليالي المرض البيضاء وفترات الإقامة في المستشفى والمتابعة الطبية المستمرة عند الأطباء… علما أن العديد من هؤلاء الأطفال يقيمون خارج محور الدار البيضاء- الرباط، وربما بعيدا أيضا عن المدار الحضري.. مما يزيد من مشقة التنقل وتكاليف العلاج. ومنهم من اضطرت أسرته إلى البحث عن سكن قريب من المستشفى أو الطبيب المعالج حتى يتسنى لها متابعة الحالة الصحية لفلذة كبدها بشكل ملائم. لكن بعض الأسر لا تملك ربما حتى “ترف” تغيير المسكن، فتعض على نواجذ الصبر وهي تواصل رحلة العلاج المضنية من مقر سكناها البعيد.
هذه الرحلة انتهت لحسن الحظ نهاية سعيدة بالنسبة لكل من فاطمة الزهراء وكنزة، وذلك بعد استفادتهما من عملية زرع الكلي بفضل تبرع كل من أب الأولى وخالة الثانية، بإحدى كليتيهما للطفلتين. عملية أعادت إليهما ابتسامتهما وأملهما في المستقبل، علما أنهما تخضعان أيضا لمتابعة طبية منتظمة لحالتيهما الصحية بعد خضوعهما لعملية الزرع.
وبالنسبة إلى الأطفال الذين لم يصلوا بعد إلى مرحلة زرع الكلية، تبقى إمكانية العلاج عن طريق التصفية الباطنية- وهي تقنية جديدة بديلة عن تصفية الدم الآلية والمعتا- وسيلة أقرب إلى احتياجات الأطفال وأكثر ملاءمة لوضعيتهم وظروف أوليائهم.
فعلى الرغم من أن تكلفتها المادية تظل مماثلة لتكلفة التصفية عن طريق الآلة، إلا أن التصفية الباطنية يمكن أن تجري في البيت عوض المستشفى أو مركز تصفية الدم، ويمكن أن تتم أيضا في التوقيت وبالوتيرة التي يختارها الطفل والأهل حسب ما تتطلبه ظروف حياتهم اليومية، مما يمكن الطفل من أن يعيش نمط حياة أفضل بحيث لا يضطر إلى الانتقال لمكان بعيد من أجل العلاج ويمكنه مواصلة حياته الدراسية بشكل طبيعي أكثر.          
وهنا تثير الدكتورة كنزة السلامي، أخصائية طب الكلي وعلاج مرض الكلي عند الأطفال، إشكالية أخرى تتعلق بظروف العلاج وإشكالية الولوج إليه بالنسبة للأطفال المصابين بالقصور الكلوي، والذين لم يصلوا بعد إلى مرحلة الزرع. فمازالت بلادنا تعاني نوعا من الخصاص في البنيات والوسائل الصحية الملائمة للتكفل بحالات هؤلاء الأطفال الذين يتطلب علاجهم نمطا من المتابعة الصحية مختلفا إلى حد ما عن الراشدين. كما أن تكاليف العلاج التي قد تصل إلى أزيد من  2500 درهم في الأسبوع، لا تكون في متناول جميع الأسر، فهناك من الأسر التي لا تتوفر على تغطية صحية، ومنها من تستفيد بالفعل من نظام المساعدة الطبية (راميد)، ولكن هذه تمنحها حق الاستشفاء فقط في مؤسسات القطاع العمومي في الحالات الاستعجالية.. علما أن مرض القصور الكلوي يتطلب باستمرار إجراء تحاليل طبية مكلفة واقتناء أدوية باهظة، كما يتطلب مراقبة طبية مستمرة، واحتياجات في التعليم والمساعدة النفسية والاجتماعية، وهو ما يجعل العديد من الأطفال المصابين وأسرهم عاجزين عن مواصلة العلاج إلا من خلال اللجوء  إلى الجمعيات العاملة في مجال مساعدة المرضى وبعض المحسنين.
زرع الكلي لدى الأطفال..
 الواقع والطموح

كل ذلك يجعل من عملية زرع الكلية، الملاذ الأمثل والحل الأفضل للمصابين بالقصور الكلوي الحاد، بحيث تتيح لهم استعادة وتيرة حياة أقرب إلى العادية وتخفف عنهم عناء التطبيب وتكاليف العلاج.  
وبدأت عمليات زرع الكلي في بلادنا في سنة 1999 حيث تم إجراء عمليتي زرع كلي لطفلتين في سن 13 و14 سنة، بشراكة مع مجموعة من الأخصائيين الذين قدموا من بلجيكا خصيصا لنقل تجربتهم إلى الأخصائيين المغاربة. وهي الشراكة التي أثمرت برنامج عمل في المجال تحت رعاية وزارة الصحة أفضى بدوره إلى بداية مشوار زراعة الكلي عند الأطفال بالمغرب رسميا في سنة 2007. ويبلغ عدد الأطفال المستفيدين اليوم من زراعة الكلي ببلادنا 20 طفلا تتراوح أعمارهم بين 5 و16 سنة وأوزانهم بين 13 و50 كيلوغرام. وتصل نسبة النجاح إلى 100 بالمائة.
وفي هذا الصدد، يقول البروفيسور بنيونس الرمضاني، رئيس مصلحة طب الكلي بالمركز الاستشفائي الجامعي ابن رشد بالدار البيضاء، وﺭﺋﻴﺲ ﺍﻟﻤﺠﻠﺲ ﺍﻻﺳﺘﺸﺎﺭﻱ ﻟﺰﺭﺍﻋﺔ ﺍﻷﻋﻀﺎﺀ ﻭﺍﻷﻧﺴﺠﺔ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ، أن هذا الرقم (20 طفلا مستفيدا من عمليات زرع الكلي منذ سنة 2007)،  مازال دون الطموحات والإمكانيات الموجودة حاليا بالمغرب من أجل العمل على إنقاذ حياة هؤلاء الأطفال واستعادتهم لوتيرة حياة عادية. ويؤكد الرمضاني أن العلاج عن طريق تصفية الدم لا يعد ملائما للطفل ليس فقط لتأثيراته السلبية على وتيرة الحياة الدراسية والاجتماعية للطفل، بل أيضا نظرا لخطورته على صحته لأنه يحد من نموه ويؤثر على جهازه المناعي.
ويشير الرمضاني إلى أن الإطار الشرعي والقانوني، وكذا مستوى الكفاءة المهنية والطبية، في مجال التبرع بالأعضاء وزراعتها عموما، أصبح اليوم واضحا كفاية لتشجيع المواطنين على التبرع بالكلي.
وتجدر الإشارة أن جناح أمراض الكلي بمستشفى ابن رشد يعد أنشَط وحدة طبية ببلادنا في مجال زراعة الكلي للكبار والأطفال. وتعرف مختلف المستشفيات الجامعية عبر التراب الوطني نشاطا مماثلا وإن كان ليس بنفس الوتيرة.
ويطمح المغرب لتعزيز هذه الجهود في اتجاه مضاعفة أعداد عمليات زرع الأعضاء عموما (للمرضى الأطفال والبالغين) بالوصول إلى 50 عملية سنويا لزرع أعضاء في كل مستشفى جامعي، مما يعني 300 عملية زرع سنويا في المستشفيات الجامعية الستة وطنيا، إلا أن ذلك يحتاج مواكبة العرض الموجود في مجال التبرع بالأعضاء من قبل ذوي المرضى والمتطوعين الأحياء والأموات، للطلب والاحتياجات الحاصلة لدى المرضى عموما والأطفال المصابين بالقصور الكلوي خصوصا. وأكد الرمضاني خلال لقاء نظمه مستشفى ابن رشد مؤخرا حول أمراض الكلي عند الأطفال، بحضور العديد من آباء وأولياء الأطفال المرضى، أن الحالة الصحية الجيدة للآباء والأمهات والأقرباء المتبرعين بالكلي للأطفال، لا تدع مجالا للشك في نجاعة وفعالية عمليات الزرع التي تكلل بالنجاح سواء بالنسبة إلى المتبرع أو المتبرع له. ودعا الرمضاني إلى ضرورة نشر المزيد من الوعي بثقافة التبرع بالأعضاء عموما وبالكلي خصوصا، حتى يتم بلوغ الأهداف المرجوة في هذا المجال.   

*****

د. كنزة السلمي .. طبيبة مشغولة بهم تطوير علاج الأطفال مرضى القصور الكلوي بالمغرب

Sans titre-17

المكان: قاعة الاجتماعات بمستشفى بالمركز الاستشفائي الجامعي ابن رشد بالدار البيضاء. المناسبة: إحياء اليوم العالمي لأمراض الكلي، تظاهرة نظمت مؤخرا بالمستشفى تحت شعار «أمراض الكلي عند الأطفال».
تحلق حولها الأطفال المستفيدون من عمليات زرع الكلي بمستشفى ابن رشد بالدار البيضاء.. عناق حار بينها وبين هؤلاء الأطفال وأمهاتهم اللواتي لم تكف ألسنتهن عن الثناء عليها والدعاء لها. هي سيدة ودودة ذات قامة رشيقة ومظهر أنيق في بساطة متناهية. صوت هاديء وحس إنساني واضح وكبير في كيفية تعاملها مع «أبنائها وبناتها» كما تسميهم، ومع أمهاتهم اللواتي تعتبرهن «سيدات مكافحات من أجل أطفالهن».
هي الدكتورة كنزة السلمي، اختصاصية طب الأطفال وعلاج أمراض الكلي عند الأطفال. لا تبدو من النوع الذي يتحدث كثيرا، ربما لأنها لا تحب إطلاق الكلام على عواهنه وتفضل العمل في صمت. جديتها وهدوؤها يمنحانها هيبة ووقارا. لكن عندما تقترب منها تجدها إنسانة كثيرة التواضع، تحسن الإنصات وتتعامل بجدية كبيرة مع كل التفاصيل المرتبطة بحالات الأطفال المعروضة عليها.  
واصلت السلمي دراساتها بمسقط رأسها بالدار البيضاء إلى حين حصولها على شهادة البكالوريا لتتوجه مباشرة لدراسة الطب بكلية الطب والصيدلة بالدار البيضاء دائما حيث حصلت على شهادة الدكتوراه بامتياز. اختارت بعدها التخصص في طب الأطفال وقررت الانتقال إلى فرنسا ثم إلى بلجيكا لمواصلة دراستها وتداريبها المتخصصة في هذا المجال، لتنضم لاحقا، في سنة 2001، إلى هيئة الأطباء بالمغرب كطبيبة متخصصة في طب الأطفال.
التداريب التي خضعت لها الدكتورة السلمي، سواء في المغرب أو الخارج، كانت تأخذها دوما إلى مجال أمراض الكلي عند الطفل. في بدايات دراساتها للطب، في سنوات الثمانينات، انخرطت كطالبة ومتطوعة ضمن جهود إرساء وتعزيز مجال تصفية الدم لمرضى القصور الكلوي، التي كانت في بدايتها بالمغرب آنذاك، حيث اطلعت على معاناة المرضى أثناء تدريبها في مصلحة أمراض الكلي بمستشفى ابن رشد وانخرطت في العمل الجمعوي الرامي إلى التحسيس بالمرض وجمع التبرعات لفائدة المرضى. ذلك ما جعلها تختار كموضوع لأطروحة الدكتوراه «نظرة المجتمع إلى التبرع بالأعضاء»، وهي الأطروحة التي نالت تنويه لجنة المناقشة وحصلت على جائزة أفضل أطروحة لسنة 1994. وبعد انتقالها إلى الخارج لمواصلة دراساتها المتخصصة واصلت السلمي اهتمامها بأمراض الكلي عموما، وأمراض الكلي عند الطفل خصوصا، مما خولها الحصول على عدة شهادات في هذا المجال مع اكتسابها لخبرة معتبرة في علاج الأطفال والرضع المصابين بأمراض الكلي وكذا زراعة الكلي. وكل ذلك أهلها، بعد عودتها إلى المغرب في 2001، لتولي مسؤولية وحدة العلاج الخاصة بالأطفال في مصلحة تصفية الدم وزراعة الكلي بمستشفى ابن رشد، حيث أدخلت لأول مرة تقنية التصفية الباطنية عند الطفل التي كانت قد أتقنتها خلال تداريبها في الخارج. كما واكبت من داخل مصلحة أمراض وزراعة الكلي بالمستشفى، مسار إدخال تقنيات زراعة الكلي، إذ شاركت في أولى عمليات زراعة الكلي التي أجريت لمراهقتين مغربيتين في سنة 1999 تحت إشراف طاقم طبي متخصص من بلجيكا، ومن تم كانت السلمي أيضا حاضرة في مختلف عمليات زرع الكلي التي أجريت للأطفال المغاربة لاحقا بطاقم طبي مغربي 100%. ومازالت الدكتورة السلمي تشارك لحد الآن، بالنظر إلى خبرتها المعتبرة في هذا المجال، في هذه العمليات رغم استقلالها عن مستشفى ابن رشد واشتغالها في القطاع الخاص منذ سنة 2010.
لا تفصل الدكتورة السلمي بين حديثها عن مسارها المهني وبين معاناة الأطفال الذين تتابع حالاتهم وتقوم بعمليات زرع كلي لهم، والذين تجمعها بهم وبذويهم علاقة مهنية وإنسانية وطيدة. إذ تعتبر السلمي أن المغرب ما يزال في حاجة إلى مزيد من العمل من أجل تطوير هذا المجال بالنظر إلى خصوصيات مرض القصور الكلوي عند الطفل، وكذا إلى الخصاص الكبير الذي يعرفه القطاع، سواء على مستوى التكوين أو البنيات الاستشفائية المخصصة لعلاج أمراض الكلي عند الطفل. كما تطرح التكاليف الباهظة لعلمية العلاج والتي ترهق كاهل الأسر حتى في ظل وجود جمعيات ومحسنين متطوعين لمساعدة المرضى. وكل ذلك يجعلها كطبيبة معالجة لهؤلاء الأطفال تشعر بمعاناتهم وتتعاطف تلقائيا مع وضعيتهم الصعبة، ويدفعها أيضا إلى تخصيص وقت كبير لعملها وذلك أحيانا على حساب جوانب أخرى في الحياة، مستفيدة كما تقول من دعم وتفهم كبير من زوجها وباقي أفراد أسرتها الذين يساندونها بقوة في أداء رسالتها النبيلة.
وبخصوص تطوير مجال علاج أمراض الكلي وزراعتها دائما، تحمل د. السلمي هما كبيرا أيضا مرتبطا بالاعتراف بتخصص طب وعلاج أمراض الكلي عند الطفل. فمن المثير للاستغراب أنها كطبيبة معترف بخبرتها في المجال، والتي اكتسبتها من ممارستها في المغرب والخارج، وعلى الرغم من الاستفادة من خبرتها في عمليات العلاج والزراعة في المركز الاستشفائي الجامعي ابن رشد، المشهود بكفاءته على هذا المستوى، إلا أن هذه الخبيرة لم تتح لها إمكانية الاعتراف بتخصصها كطبيبة لأمراض الكلي عند الطفل، كما لم تتح لها العودة إلى الجامعة كأستاذة لتدريس تخصصها لأجيال جديدة من الأطباء، وهو ما يجعلها تعبر عن أملها وطموحا بأن يتم مستقبلا تغيير هذا الواقع ببلادنا من خلال الاعتراف بالتخصص حتى يمكن النهوض أكثر بمجال علاج أمراض الكلي وزراعتها عند الأطفال بالمغرب.    

*****

التصفية الباطنية.. الوسيلة الأكثر ملاءمة للطفل

Sans titre-8تسمى عندنا بالمغرب التصفية الباطنية (dialyse péritonéale) وتسمى في مراجع طبية أخرى باللغة العربية بـ»الإنفاذ البيروتوني» أو «الغسيل الكلوي البريتوني». واتخذت هذه الوسيلة الحديثة في تصفية الدم اسمها من «الغشاء البريتوني» (الموجود في جوف البطن كغطاء لجدار البطن والأحشاء) كفاصل بين سائل التصفية والدم.
تمتاز هذه الطريقة بسهولتها وقلة تكلفتها وعدم حاجتها إلى آلات معقدة. كما أن المريض لا يحتاج إلى الحمية الغذائية ولا إلى الإقامة في المستشفى حيث يمكن بالتدريب أن يقوم بالعملية بنفسه، أو بمساعدة أحد أقربائه، في البيت. ومن مميزات هذه الطريقة أيضا أنها تحافظ على مستوى أفضل للهيموجلوبين وتمكن من تفادى فقر الدم، إضافة إلى أنها لا تحدث أية تغيرات ضارة في ديناميكية الدورة الدموية، وبالتالي فليس لها تأثير ضار على مريض القلب، بجانب أنها لا تحتاج لتحويلة وريدية – شريانية مثل طرق الغسيل العادية. كما أنها تحافظ على مستوى نمو الطفل المستعمل لها بشكل أفضل من الدياليز العادية، وتضمن له نسبة مناعة أكبر وتأثيرا أقل على العظام من عملية الدياليز العادية.
لكن يأخذ على هذه الطريقة بعض الصعوبات المرتبطة بحاجتها إلى تدريب المرضى عليها فضلا عن ضرورة الحرص على توفر درجة عالية من التعقيم، وذلك لتفادي إمكانية حدوث التهاب في الغشاء الباطني للمريض.
الغسيل الكلوي البريتوني

يتم الغسيل الكلوي البريتوني داخل الجسم دون أي استخدام للدم. إذ يتم ضخ سائل غسيل كلوي معقم داخل البطن ويظل هناك لبعض الوقت، عادة بين 4 ساعات و12 ساعة. ثم يتم تصريفه بحيث تخرج معه الفضلات والماء الزائد من الجسم. يكرر هذا الإجراء إما 3 أو 5 مرات كل يوم (على شكل غسيل كلوي بريتوني دوار ومتواصل (CAPD)) أو يتم ليلا بمساعدة جهاز (الغسيل الكلوي البريتوني الآلي (APD)).
الغسيل الكلوي البريتوني
 الدوار المتواصل

يتم ضخ سائل الغسيل الكلوي في البطن عبر أنبوب خاص اسمه «مقسطر الغسيل الكلوي البريتوني». تسمى هذه العملية «الحقن». تستخدم عملية التنظيف هذه الغشاء الموجود في البطن كفلتر طبيعي. يتم تخليص الجسم من الفضلات والماء الزائد بنقلها إلى سائل الغسيل الكلوي عبر الغشاء البريتوني. تسمى هذه العملية «وقت البقاء في الجسم». بعد فترة تتراوح بين 4 و12 ساعة، يتم تصريف هذا السائل من البطن في عملية تسمى «التصريف» وتستغرق فترة تتراوح بين 20 و30 دقيقة تقريبا. بعد ذلك، يتم ضخ سائل معقم جديد في البطن وتبدأ هذه العملية مرة أخرى من جديد. تسمى هذه العملية المتمثلة في تصريف السائل القديم خارج الجسم وضخ السائل الجديد بـ «التبادل» وتتم في معظمها بفعل الجاذبية. باستثناء الوقت اللازم خلال عمليات التبادل هذه ـ في المتوسط من 30 إلى 40 دقيقة من 3 إلى 5 مرات في اليوم ـ فبإمكان المريض أن يفعل ما يحلو له من أمور في باقي اليوم (مثل العمل أو الدراسة أو حتى السفر).

إدخال القسطرة

يتطلب الغسيل الكلوي البريتوني الدخول إلى البطن. ويتم هذا من خلال قسطرة الغسيل الكلوي البريتوني. وهي أنبوب بلاستيكي رفيع بحجم قلم الرصاص، ويتم إدخاله عادة عبر جدار البطن إلى داخل البطن. ويقوم بإدخاله عادة جراح أو طبيب كلى بعد أن يتم تخدير المريض تخديرا كليا أو جزئيا. ثم يوصل بشكل دائم بالجسم، مع بقاء جزء صغير منه فقط مغروز بالجلد من أجل توصيل جهاز النقل وعبوات الغسيل الكلوي البريتوني أثناء عمليات التبادل. تستخدم قسطرة الغسيل الكلوي البريتوني نفسها لإجراء كل من الغسيل الكلوي البريتوني الدوار المتواصل (CAPD) والغسيل الكلوي البريتوني الآلي (APD).
ومن المهم للغاية الحفاظ على نظافة القسطرة والمنطقة المحيطة بها. ويتم تدريب المريض أو المساعدين على كيفية تحقيق ذلك وتجنب الإصابة بالعدوى.
الغسيل الكلوي البريتوني الآلي

الغسيل الكلوي البريتوني الآلي (APD) هو واحد من أساليب الغسيل الكلوي البريتوني، ويعمل بنفس طريقة الغسيل الكلوي البريتوني الدوار المتواصل (CAPD)، ولكن عمليات التبادل تتم أثناء النوم بمساعدة جهاز «دوري». ويمكن بذلك مزاولة الأنشطة اليومية نهارا.

كيف يعمل الغسيل الكلوي  البريتوني الآلي (APD)؟

عند استخدام الغسيل الكلوي البريتوني الآلي (APD)، يقوم جهاز معين بتخليص الجسم من الفضلات والماء الزائد على مدار 8 إلى 10 ساعات أثناء نوم المريض ليلا. يقيس هذا الجهاز السوائل المطلوبة لكل تبادل ويحدد أوقات تنفيذ هذا الإجراء ومدة البقاء في الجسم والتصريف بعناية وبشكل تلقائي.
يتم التوصيل بجهاز الغسيل الكلوي البريتوني (APD) في المساء. يتم هذا العلاج طوال الليل أثناء نوم المريض، ويتم فصل جهاز الغسيل الكلوي البريتوني الآلي (APD) عندما يستيقظ المريض في الصباح. يتم في العادة، وقبيل الفصل بلحظات، ضخ «جرعة أخيرة» في التجويف البريتوني والتي تظل في البطن أثناء النهار. قد يحتاج بعض المرضى إلى إجراء عملية تبادل أخرى إضافية أثناء النهار.
ويبلغ متوسط مدة التدريب حوالي 10 أيام وبعدها يصبح المريض قادرا على إجراء هذا العلاج في المنزل.

الأجهزة والمعدات

الأجهزة هي في حجم حقيبة سفر صغيرة ذات عجلات ويمكن نقلها بسهولة. هذا الجهاز مصمم للتأقلم مع أنماط النوم العادية. يمكن إيقاف هذا العلاج مؤقتا لتمكين المريض من فعل أشياء تتطلب منك مغادرة الفراش (مثل الذهاب إلى دورة المياه).
الأجهزة الأحدث مزودة ببطاقات بيانات قابلة للبرمجة ـ حيث يمكن برمجة تفاصيل العلاج الموصوفة على هذه البطاقات ويمكن أن تحفظ عليها البيانات المستمدة من كل جلسة غسيل كلوي. وبغض النظر عن الجهاز، فيجب أن يكون لدى المريض في منزله مساحة فارغة لتخزين سوائل الغسيل الكلوي البريتوني ومستلزماته.

Related posts

Top