أمسك يدي

في درب الحياة، قد تصادف العديد من الأشخاص الضالين الشاردين أو فاقدي الأمل، وفي ظل الأزمات والمحن التي تطبع حياة شريحة واسعة وعريضة من الناس في مجتمعاتنا، أفرادا كانوا أو حتى جماعات، يتبوأ العمل التطوعي في يومنا الحالي مكانة عظيمة وبارزة، يتسابق فيه عدد كبير من المنظمات والجمعيات وكذا بعض الأفراد لتقديم يد العون إلى من هم في أمس الحاجة للمساعدة؛ بغية الخلاص من تلك المآسي القاسية التي لا تفارق حياتهم البتة.
التطوع؛ هو تلك الروح الإنسانية التعاونية التي تجعل الإنسان يقدم على مساعدة ومؤازرة الآخرين دون أية ضغوطات خارجية أو إكراهات، ودون أدنى رغبة في الحصول على مقابل مادي أو ربح معين. التطوع هو بذل جهد صغير أو كبير في أي مجال بهدف نفع الناس والتحسين من وضعهم المادي أو المعنوي.
يقول هنريك أبسن «إن المجتمع أشبه بسفينة على كل من فيها المساهمة في توجيه دفتها». فلماذا علينا أن نتطوع؟ وما الذي نجنيه من العطاء؟
يشكل الوازع الديني دافعا قويا لدى البعض؛ فالكثير من الأديان تحث على ضرورة العمل الخيري والتطوعي، وتوحي إلى دور التعاون والتآزر في الحفاظ على نسيج مجتمعاتي قوي ومتين، في انتشال تلك النظرات العدائية والتشاؤمية تجاه الغير والحياة بصفة عامة، وفضلا عن كل ما سبق، دوره القوي في الحفاظ على أواصر الأخوة.
عندما تخصص جزء من وقتك الثمين، مهما كان قصيرا، في سبيل إسعاد شخص في أمس الحاجة للمساعدة، فإن الوقت القليل ذاك قد يجعل البهجة تغمر ذلك الشخص لأيام وتذيب كل كربه، تشعر أنت من جهة بالطمأنينة وبأنك كائن قادر على التغيير وإحداث أثر في مجتمعه ولو بخطوات بسيطة جدا. ومن جهة ثانية، يتحسن وضع الشخص الذي قدمت له يد المساعدة وتعلو محياه الابتسامة أخيرا بعد معاناة طويلة وبعد كل الصعاب التي كانت تلحقه وتعكر صفو أيامه.
يفتح لنا التطوع باب تعلم واكتساب العديد من المهارات والخبرات التي من شأنها تنمية شخصياتنا وتصييرها أكثر انفتاحا من السابق، وتمكن الرغبة الجامحة والمتكررة من مساعدة فئة معينة لخلق حافز قوي لتعلم أشياء جديدة كلغة الإشارة وتقنيات التواصل الفريدة والمبتكرة وطرق التعامل مع الأطفال، وغيرها من المهارات.
قد تتربص الحاجة باب أي شخص في هاته الحياة، دون سابق إنذار، في أي وقت وأي زمن، والحاجة لا تقترن دائما بالمال، فالكثيرون هم الذين يتجرعون كأس الحرمان العاطفي، والوحدة، وعدم الإحساس بالأمان ونقص الاهتمام.. لا يحتاجون منا سوى التفاتة طيبة أو زيارة ترويحية وافية.
العطاء يجلب السعادة، والمشاركة تجلب السعادة، والقدرة على رسم البسمة على شفاه أحدهم منبع السعادة ولا تقدر بثمن، فلا تتردد وشارك بكل ما تستطيع، وتذكر دائما أن عجلة الحياة لا تظل على حالها، ساعد وإذا لم تستطع، على الأقل، قدر القيمة التي يستحقها الشخص بصفته إنسانا، فكما يقول ميخائيل نعيمة في إحدى كتاباته: «لعل أنبل الناس في عقيدتي هم الذين لا يذلون إنسانا ولا يذلون لإنسان؛ لأنهم يعرفون أن رفعة تنهض على أكتاف الذل لمذلة أحط من الذل»..

بقلم: هاجر أوحسين

الوسوم ,

Related posts

Top