احتفاء بالتجربة القصصية للمصطفى كليتي

اختتمت مؤخرا، فعاليات مهرجان مشرع بلقصيري الوطني للقصة القصيرة، الذي صار تقليدا سنويا دأبت جمعية النجم الأحمر للتربية والثقافة والتنمية الاجتماعية على تنظيمه، وقد احتفت الدورة الثالثة عشر بالقاص المصطفى كليتي، وشهد المركز الثقافي مشرع بلقصيري على مدى ثلاثة مجموعة من الندوات والقراءات والورشات واللقاءات مع التلاميذ بمشاركة ثلة من المبدعين والنقاد المغاربة.
 تم افتتاح الدورة الثالثة عشر بكلمة الأستاذ بنعيسى الشايب (رئيس الجمعية)، وممثل المجلس الجماعي، ثم أعطيت الكلمة للأستاذ محمد صولة (عضو لجنة القراءة) لتلاوة تقرير حول جائزة أحمد بوزفور للقصة القصيرة، التي فاز فيها بالرتبة الأولى القاص محمد اسويلم (تونس) عن قصة “دبكة الفلامنكو”، والرتبة الثانية فاز بها القاص مصطفى قمية (المحمدية) عن قصة “شيخوخة كلب”، أما الرتبة الثالثة فاز بها القاص عبد المجيد رفيع (بني ملال) عن قصة “مرحاض المحكمة”.
 وحرصا من الجمعية على ترسيخ قيمة الإبداع واحتضان الأقلام الناشئة، تناولت الأستاذة فاطمة الزهراء المرابط (عضو الراصد الوطني للنشر والقراءة) الكلمة لتلاوة تقرير لجنة القراءة والإعلان عن نتائج جائزة “حميد الشكراني للقصة القصيرة” التي أفرزت فائزتين: عادل زبيطة عن قصة “مكتبة جدي” وهاجر اكدادر عن قصة “الرحيل”، وجائزة “تورية بدوي لبراعم القصة” التي فازت بها التلميذتان: فاطمة الزهراء بوستى عن قصة “الكابوس المزعج” وخنساء الرتبي عن قصة ” الأكل السام”، وقد تم تتويج الفائزين من طرف “النجم الأحمر” و”رونق المغرب” بجوائز رمزية وشواهد تقديرية، واختتم الحفل الذي تخللته وصلات غنائية من أداء الفنان أحمد همراس، بتكريم القاص المصطفى كليتي من طرف الجمعية والمؤسسات الداعمة للمهرجان بهدايا رمزية.
  واحتفاء باليوم الوطني للقصة القصيرة الذي يوافق 28 أبريل من كل سنة، تناوب على المنصة ممثلو مجموعة من الإطارات الثقافية الوطنية: أحمد بوزفور، محمد الشايب (جمعية النجم الأحمر)، رشيد شباري (الراصد الوطني للنشر والقراءة)، نادي الهامش القصصي بزاكورة، ليلى مهيدرة (جمعية التواصل الثقافي بالصويرة)، محمد العتروس (منتدى إبداع ابركان).
  وفي صبيحة اليوم الموالي، شهد المركز الثقافي ندوة في موضوع: “القصة والسينما”، وفي هذا الإطار تحدث الأستاذ رشيد شباري في ورقته عن العلاقة بين القصة والسينما باعتبارهما حقلين يتفاعلان في كثير من الأحيان، سواء وظفت السينما القصة أو العكس، مشيرا إلى ضرورة انفتاحهما على بعض، بعيدا عن محاولة إثبات مكانة القصة ضمن أي عمل سينمائي، مادام كل عمل هو قصة في حد ذاته، خاصة وأن السينما تستمد مادتها الأولية من القصة أو الرواية، باعتبار هذه الأخيرة مادة لزجة قابلة للتطويع والتحول إلى عمل فيلمي حتى في مستواها الملفوظ (خصائص السرد، الوصف، أسلوب لعب الشخوص داخل محوري الزمان والمكان) وهي خصائص يتأطر الفيلم ضمنها، كما تطرق إلى الأسئلة الشائكة التي ترافق هذا التحول حول وفاء المخرج للعمل الروائي، أثناء اشتغاله وفق رؤيته الإخراجية فنيا وفلسفيا، أي استخدام التكييف من أجل إعادة بناء العمل السينمائي باستقلال نسبي عن العمل الأدبي، في حين أن عملية التكييف تتعقد عندما يتعلق الأمر بالقصة نظرا لعامل التكثيف، لذلك ظلت المحاولات في هذا المجال خجولة ولم ترق إلى المستوى المطلوب.
 وقد عرفت الندوة مساهمة الأستاذ سعيد منتسب بورقة تحدث فيها عن المعطيات المتعلقة بمجال التحليل الفيلمي والقصصي، مشيرا إلى ضرورة الإلمام باللغة السينمائية والنحو السينمائي، وأن نتوفر على ثقافة النقد السينمائي وما يمكن أن يطرحه هذا المجال من قضايا مختلفة في معالجة موسوعة السينما، مؤكدا على الصعوبة المادية والمنهجية للتحليل الفيلمي خاصة وأنها محددة أساسا بمضمون الفيلم، كما تحدث عن مراحل صناعة وإنتاج العمل السينمائي (السيناريو، التقطيع الفيلمي، التصوير…) وختم ورقته بالحديث عن   السيناريو باعتباره وسيلة لتحقيق هدف إخراج الفيلم ووسيلة لإقناع المنتج بتمويل الفيلم، وأن السيناريو الجيد ينتج لنا فيلما جيدا والعكس غير صحيح.
 وفي السياق نفسه، استهل الأستاذ محمد عزيز المصباحي ورقته الموسومة بـ”القصة والسيناريو” بالحديث عن السؤال الأجناسي الذي تطرحه الأجناس السردية، مستشهدا بنموذج قصصي يشكل في حد ذاته سيناريو قابل للإنجاز السينمائي متمثلا في نص قصصي موسوم بـ: “آخر أيام سقراط” للقاص المغربي أحمد بوزفور، حيث قسمه المتدخل إلى ثلاثة مشاهد سينمائية جاهزة، ليؤكد في الأخير توفر النص القصصي على كل مقومات السيناريو السينمائي.
 واحتفاء بالقاص المصطفى كليتي، نظمت جمعية “النجم الأحمر” مساء اليوم نفسه، ندوة تكريمية في جلستين، عرفت الجلسة الأولى شهادات في حق المحتفى به بمشاركة ثلة من المبدعين: أمينة السحاقي، محمد الشايب، مصطفى أجماع، تناولوا فيها العلاقات الانسانية والإبداعية التي تجمعهم بالقاص مصطفى كليتي، كما أشارت الشهادات إلى ثقافته الواسعة واهتماماته المتعددة (السينما، المسرح، الإعلام، القصة…) وشغفه بالقراءة والإبداع.
 وحول تجربة القاص المصطفى كليتي القصصية، ساهم الأستاذ حبيب دايم ربي بورقة حول المجموعة القصصية “66 كشيفة” قدم فيها قراءة في دلالة العنوان (الدارج)، من حيث كثافة وتناقضات المفردات وأبعادها الرياضية، مشيرا إلى أن القاص المصطفى كليتي لا يتقيد بقواعد القصة القصيرة جدا ولا يراعي التكثيف في قصصه، إذ اختار له أسلوبا سرديا خاصا به.  
 واستهل الأستاذ محمد صولة ورقته الموسومة ب”الخطاب الموازي: البنية والدلالة قراءة في تجربة المصطفى كليتي”، بقراءة في العتبات التي تعتبر خارج سياق النصوص أو تكميلا لها، اعتبر فيها الإهداء عتبة نصية لا تخلو من قصدية، والعنوان: محافل الصيادين مرهونة بالمرسل والمرسل إليه، مشيرا إلى أن العناوين تخفي شروخا دفينة كما تعبر عن وعي السارد التام بالواقع، مستشهدا ببعض النماذج من عناوين المجاميع الثلاث للمحتفى به.
 كما عرفت الندوة التكريمية مشاركة الأستاذ أحمد الجرطي بورقة عنونها ب”أسئلة المعنى والمعنى القصصي في قصص تفاحة يانعة وسكين صدئة” تحدث فيها عن مفهوم القصة القصيرة جدا، ومكانتها بين الأجناس الأدبية الأخرى، ثم تطرق إلى الحديث عن دلالة العنوان وما يحمله من مفارقات، مشيرا إلى أن القصة القصيرة جدا هي الانزياح عن المألوف مع حفاظها على المرجع، حيث تظل عملا إبداعيا يلامس قضايا المجتمع، واختتم ورقته بالوقوف على التجليات الحكائية وما تتضمنه من قناعة بالحداثة والاستجابة للمستجدات الكونية والمجتمع العربي، كما لامست الموروث التراثي والواقع العربي.
 اختتمت الندوة بورقة الأستاذ محمد العياطي التي وسمها بـ”66 كشيفة لمواجهة الموت من أجل الانتصار على الحياة”، تطرق فيها إلى دلالة العنوان الذي جاء بالدارجة المغربية على غرار العناوين الفرعية للقصص (66 قصة)، مشيرا إلى أن قصص المجموعة تقوم بعملية كشف وتعرية الواقع وتسليط الضوء على الصراع بين الحرب والسلم، واقع العالم العربي، الصراعات العرقية، الحرب… وغيرها من الموضوعات التي اشتغلت عليها المجموعة.
 وقد تخللت فقرات المهرجان قراءات قصصية، شاركت فيها أصوات قصصية لها صيتها في المشهد الثقافي وأخرى تتلمس خطواتها الأولى في المجال الإبداعي القصصي: أحمد بوزفور، عبد الحميد الغرباوي، زكية الحداد، مصطفى المودن، محمد الصيباري، تورية بدوي، حميد الراتي، رجاء الخديري، ولقاءات إبداعية مفتوحة مع التلاميذ بمشاركة ثلة من المبدعين: عبد السلام الجباري، نجيب الخالدي، عبد الكريم القيشوري، محمد لغويبي، رشيد أمديون. كما تميزت الدورة بعرض مجموعة من الأفلام القصيرة واللوحات التشكيلية للفنان إدريس بوعادي طيلة أيام المهرجان.
 وحرصا من الجمعية على ترسيخ قيمة الإبداع وتنمية المهارات في الكتابة القصصية، شهد المركز الثقافي في اليوم الأخير من الملتقى، تنظيم ورشة إبداعية لفائدة التلاميذ المشاركين في جائزة “حميد الشكراني للقصة” بتأطير “الراصد الوطني للنشر والقراءة”، تخللتها قراءات تلاميذية ومناقشة النصوص القصصية المشاركة، بحضور ثلة من المبدعين المغاربة.

 متابعة: فاطمة الزهراء المرابط

Related posts

Top