البلوزمان لاكي بتيرسون والكناوي مصطفى باقبو يشعلان خشبة مولاي الحسن في حفل الختام

على أنغام الجاز والبلوز وإيقاعات كناوية تستمد جذورها من التراث الأفريقي العريق، وعروض فنية وثقافية موازية، أطفأ مهرجان كناوة وموسيقى العالم شمعته العشرين، بدورة مشرفة تليق بتاريخه وتراكماته وفلسفته منذ عقدين من الزمان، دورة استدعت إليها فنانين ذوي صيت عالمي عزفوا فوق أشهر المنصات العالمية، أبرزهم فنان البلوز الامريكي لاكي بتيرسون وكارلينيوس براون، وزهرا هندي وأيقونة الجاز البريطاني بيل لاورنس والفنان السينغالي اسماعيل لو، وإضافة إلى أسماء أخرى لا تقل شهرة ككاتب امازيغ وزي لويس ناسيمينتو.
إضافة إلى حضور مجموعات كناوية من جميع انحاء المغرب وفرق فنية تراثية كمجموعات عيساوة، وحمادشة، والموسيقى الحسانية والامازيغية، وموسيقى الحضرة وأحواش وهوارة.
وبمناسبة دورته العشرين، كذلك وبشراكة مع المجلس الوطني لحقوق الإنسان، نظم المهرجان، منتدى حقوق الإنسان، الذي استمر على مدى يومين، وتطرق هذه الدورة لموضوع الإبداع والسياسات الثقافية في العصر الرقمي.
وعرف اللقاء الذي خصص لفهم الروابط بين المجال الرقمي والصناعات الفنية مشاركة كل من إدريس اليزمي، رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان، ونائلة التازي، منتجة مهرجان الصويرة، والمخرج السينمائي، نور الدين الخماري.
ولعل من فضائل هذا المهرجان ومنذ تأسيسه، الدفاع عن الهوية الثقافية العميقة للمغرب في شقيها الأفريقي والإنساني، وتجسيد قيم التسامح والتعايش بين الثقافات المختلفة، في إطار المبادئ السامية التي هي جوهر الفنون، وتخليد التراث من خلال نقله لأجيال جديدة، قادرة على الاستفادة منه عبر تمثله ومن تمة تطويره لأنماط تعبيرية وفنية تتقاطع معه ولا تلغيه.

حفل الختام

في حفل مزج ساحر زاوج بين الموسيقى الصوفية الهندو-باكستانية وموسيقى تاكناويت. وعاد تيتي روبان، هذه السنة بمشروع فريد وخاص، ورافق تيتي روبان، خلال هذا الحفل الفنان المهدي ناسولي وفنانون آخرون مثل الهندي شهيب حسن ومراد علي خان الذي عزف على آلة (السارنجي) وزي لويس ناسيمينتو عازف القرع البرازيلي. وأبدعت هذه المجموعة من الفنانين أداء ريبيرتوار موسيقي وكذا قصائد تنهل من ثقافات وتقاليد الدول التي ينحدر منها كل فنان بشكل يجسد عمق وترابط الثقافات فيما بينها.
وكان الجمهور خلال الاختتام على موعد مع مزج موسيقي بين البلوزمان لاكي بيتيرسون مع مصطفى باقبو.

حميد القصري الذي يجمع الصويرة وضيوفها في ساحة مولاي الحسن

ككل الدورات الأخيرة التي شارك فيها يعمد الفنان حميد القصري الى إخرج الصويرة وضيوفها الى ساحة مولاي الحسن، حتى تضيق بهم، وبالمساحات المتاخمة للمنصة، وكما جرت العادة شكل مساء الجمعة الماضي، إحدى اللحظات الساحرة للنسخة ال 20 لمهرجان كناوة موسيقى العالم، تلك التي صنعها،
المعلم حميد القصري، الذي خصص له الجمهور استقبالا حارا، حين أطلق العنان لصوته القوي وإيقاعات آلة الكمبري الخاصة به التي تطرب الروح قبل الأذن صحبة مجموعته التي تضم ابنه الشاب، حيث أدى أغانيه المعروفة التي يحفظها الجمهور عن ظهر قلب وغيرها، وأخرى جديدة اكتشفها الجمهور. ويرجع الفضل لحميد القصري في اعطاء نفس جديد لموسيقى كناوة من خلال ادخال ايقاعات جديدة في هذا الفن الموسيقي.
وقال الفنان المنحدر من مدينة القصر الكبير إنه يعتبر نفسه من بين رموز المهرجان وانه اعتمد خلال عرضه تقديم مجموعة من اغانية الجديدة كعربون وفاء لمهرجان عالمي احتضنه منذ بداياته.
وأضاف القصري، ان الغاية من تقديم عروض مزج موسيقي هو في حد ذاته تطوير للفن الكناوي الذي يفيد ويستفيد من باقي الأنواع الموسيقية، مبرزا ان لمهرجان كناوة الفضل الكبير في الحفاظ على هذا الموروث الفني وتعزيز النهوض الثقافي الذي تعرفه المملكة.
جدير بالذكر انه كان من بين حضور، أندري أزولاي، مستشار جلالة الملك محمد السادس والرئيس المؤسس لجمعية الصويرة موكادور، ومبدع فكرة المهرجان، وشخصيات أخرى فنية وثقافية.

مزج موسيقي بين لورانس وسانسي

عرض المزج الموسيقي الذي ابتكره الفنان بيل لورانس وخالد سانسي بساحة مولاي الحسن بالصويرة، مما خلق حوارا موسيقيا يتجاوز الحدود، ويخاطب الارواح.
وأمام جمهور حج بكثافة، متحديا برودة طقس مدينة الرياح، تجاوبت آلة البيانو الخاصة ببيل لورنس مع كمبري المعلم خالد سانسي بشكل انسيابي أمتع الحاضرين.
وبين موسيقى الجاز ذات الايقاع الصافي، وتاكناويت الجيل الجديد، تعزز الحوار مجددا عبر الموسيقى، مثبتا بذلك قدرة فن كناوة على تجاوز الحدود الجغرافية من خلال إمكانية مزجه مع ايقاعات المجموعات الموسيقية الاجنبية.
ودخل بيل لورانس عالم الاحتراف الموسيقي في سن ال14 وشارك في عدة جولات فنية عالمية كعازف للبيانو ومنتج، وسبق له العمل مع مجموعة من الفنانين، فضلا عن خبرته الواسعة في مجال الرقص، كما أنه محاضر متخصص بمعهد الموسيقى العصرية بلندن.
أما خالد سانسي فقد اهتم بالرقص العصري منذ نعومة اظافره والتحق سنة 2006 بشركة (تو كا فار)، ويعمل الى جانب فنانين اخرين ك (اوم) و(مون ايكانغ) و(جوس ستون). كما انشأ بصحبة الفنان مالك ديوب مشروع تيبمبوكتو الذي يجمع العديد من الفنانين المغاربة، وهو الآن بصدد التحضير لالبومه الأول الذي يجمع بين فن كناوة وموسيقى ديوان الجزائرية.
  وفي نفس الأمسية أدى الفنان السينغالي اسماعيل لو الملقب بصوت الحكمة مجموعة من الاغاني الجميلة من ريبيرتواره الفني بصوت شجي أمتع الجمهور الحاضر، الذي تفاعل مع اغانيه ذات الطابع الافريقي الخالص، بترديد مقاطع منها.

فنانة كبيرة

وفي برج باب مراكش ورغم الرياح التي كانت تعصف بشدة أحيانا، أحيت الفنانة الفرنسية من اصول مغربية هندي زهرة حفلا في غاية التميز، وبصوتها وطريقة أدائها الرائعين أمتعت جمهورا كثيفا من جنسيات مختلفة، حج لملاقاتها مساء الجمعة الماضي.
واستطاعت هذه الفنانة جذب عدد كبير من الجمهور مغاربة وأجانب الى حفلها رغم أن حضوره غير مجاني، وقدمت لهم أغان تتميز بأسلوب يمزج بين موسقى كناوية و شرقية وغربية، كما رافقها في ذلك كل من مهدي ناسولي، وأناس شليح، ويحيى زيطان، وعبد العالي كونسالي، و مهدي الكندي.
وعاش الجمهور أجواء روحانية، مع صوت زهرة ورقصوا على أنغام موسيقاها، كما أن اللجنة المنظمة خصصت للجمهور جلسة بطنافس تقليدية تنسجم و تيمة السهرة .
ولدت هندي زهرة بالمغرب سنة 1979، قبل أن تستقر، بفرنسا. ويتم تقديمها على أنها “فنانة تحمل المغرب وتنوعه الثقافي أينما حلت وارتحلت عبر العالم. من خلال غنائها بالأمازيغية والإنجليزية، اعتمدت كأسلوب لها موسيقى العالم والفولك سول، بالإضافة إلى التأثيرات الشرقية. وقد اكتشفها الجمهور عبر ألبومها الأول “هاندماد”، الذي صدر سنة 2010، وحاز جائزة كونستونتان في نفس السنة، وجائزة “لافيكتوار دو لا ميزيك” سنتي 2011 و2016، وأصدرت ألبومها الثاني في أبريل 2015. وفي نفس السنة شاركت، لأول مرة، في “مهرجان كناوة وموسيقى العالم”، بعمل ثنائي مع الشاب الكناوي مهدي ناسولي، الذي قدمت معه، كذلك، عرضاً في حفل “باتاكلان”، بباريس، ضمن جولة مهرجان “كناوة”، في مارس الماضي، من خلال مزج صحبة لمْعلم بوسو ولمعلم باقبو وتوني ألين وكريم زياد”.

بين المجال الرقمي والثقافة

أجمع المشاركون في المنتدى، المنعقد على هامش مهرجان كناوة وموسيقى العالم، أن دخول قطاع الثقافة للمجال الرقمي أداة فعالة لنشر الإبداع الثقافي ووسيلة ناجعة للمحافظة على الإرث الحضاري والفني بكل أصنافه.
وتمحور النقاش خلال هذا الندوة المنظمة بعنوان “الفنون الحية، النشر السينما، الموسيقى .. ماذا يتغير مع المجال الرقمي ؟”، حول ما قدمته “رقمنة الثقافة إلى غاية الساعة وإلى أي حد يمكن أن تفضي هذه المقاربة في ظل تزايد أعمال القرصنة”، وكذا تبعات المجانية التي تحيط بهذه الخطوة بعدما سيكون المنتوج الثقافي في هذه الحالة متاحا للأشخاص بشكل فوري ودون مقابل.
وفي هذا الصدد، قال رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان، إدريس اليزمي، إن المغرب يعتبر ثاني دولة إفريقية من حيث الولوج للانترنيت بمعدل 18 مليون شخص، وتساءل عما إذا كان للمنتوج الثقافي نصيب من هذه النسبة، وهل سمح لهم العالم الرقمي بالولوج إلى تاريخ المغرب ولتاريخ الثقافة المغربية للتعرف على مسرحيات وكتابات نثرية وشعرية تشكل جزء من تاريخ المغرب، مضيفا أن “الجواب هو لا حتما” ورجح هذا الأمر لعدم توفر الموارد أو ندرتها، وبذلك فالرقمنة تبقى الحل الأنسب.
وقالت منتجة مهرجان كناوة موسيقى العالم، السيدة نايلة التازي العبدي، إن المهرجان حرص، منذ دورته الأولى، على إنشاء موقع إلكتروني تفاعلي لتبقى العادة على ذلك خلال كل الدورات، كما أن الدورة الحالية تعرض برنامج “كناوة لايف” على وسائل التواصل الاجتماعي لنقل المهرجان مباشرة بغاية تمكين من لم يستطع الحضور للمهرجان من الاستمتاع بهذا الفن، ما يزيد من شهرة المهرجان على المستوى العالمي، لكنها قالت في المقابل إن مسألة مجانية المهرجان أصبحت تطرح نفسها بقوة في الدورات الأخيرة للمهرجان.
من جانبه قال المخرج نور الدين الخماري إن تاريخ المغرب وثقافته وذاكرته تلزم الالتجاء إلى العالم الرقمي للمحافظة على هذا الموروث الغني من أفلام خالدة وأعمال سينمائية وإبداعات أخرى حتى تتسنى للفئات الناشئة الاطلاع على هذا الجزء، وكذا لتمكين الباحثين والطلاب من القيام بدراسات في هذا الشأن لتطويره والتعريف به، “على الرغم من وجود بعض الأشخاص الذين سيستغلون هذا الأمر للقرصنة وأمور أخرى سيئة، لكن هذا الأمر يقع في كل الدول وهناك إجراءات تدبيرية لمواجهته”، مضيفا أن الرقمنة في المجال السينمائي خصوصا ستدفع بهذا القطاع إلى أبعد مدى.
ومنذ إحداثها سنة 2012 عززت فقرة منتدى حقوق الإنسان التي ينظمها مهرجان كناوة وموسيقى العالم، والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، هذه التظاهرة الموسيقية بفضاء للنقاش بين مختلف المتدخلين، من المغرب والخارج، حول الإشكالات الراهنة التي يعيشها المجتمع، حيث يتطرق المنتدى هذه السنة لإشكاليات تهم، أساسا، فهم الروابط بين المجالين الرقمي والثقافة.

مبعوث بيان اليوم إلى الصويرة: سعيد الحبشي

تصوير: عقيل مكاو

Related posts

Top