الحرب الروسية الأوكرانية..-الحلقة 3-

عرفت الحرب الروسية الأوكرانية، التي بدأت منذ 24 فبراير 2022، اهتماما واسعا من قبل الرأي العام الدولي، نظرا لمكانة البلدين في الساحة العالمية، سواء على المستوى السياسي والاقتصادي والعسكري، ناهيك عن الجانب التاريخي المعقد الذي تمتد سرديته إلى التطورات الأخيرة في العلاقة المتوترة بين موسكو وكييف.
ويتوالى الهجوم الروسي على أوكرانيا الذي يصفه الكرملين بـ”العملية العسكرية” المحددة الأهداف، بتدمير المنشآت العسكرية، ونزع سلاح هذا البلد، ودفعه إلى الحياد تجاه حلف الشمال الأطلسي”النيتو”.
ولا توجد حاليا مؤشرات دالة على قرب انتهاء هذه الأزمة التي أرخت بظلالها على العالم، بفعل دمار “الغزو” الذي لحق أوكرانيا، والعقوبات المفروضة على روسيا من قبل الغرب.
وتعد هذه الحرب الدائرة رحاها فوق الأراضي الأوكرانية، والتي أدت إلى نزوح أزيد من 10 ملايين أوكراني داخل البلاد وخارجها، تطورا حتميا للعلاقات المتشنجة بين الكرملين والغرب، هذا الأخير الذي يقدم مساعدات عسكرية لفائدة القوات الأوكرانية لمواجهة الجيش الروسي، وهو ما يدفع إلى مزيد من المواجهة في الوقت الذي تسير فيه المفاوضات بشكل “ثقيل” على حد وصف وزارة الخارجية الروسية.
ومن خلال هذه الزاوية الرمضانية، سنعيد تركيب قطع “البوزل” لمحاولة فهم ما يجري بين روسيا وأوكرانيا، والوقوف عند تداعيات هذه الحرب، وما سيترتب عنها في المستقبل من إعادة لرسم خريطة العلاقات الدولية، وهو ما ظهر بشكل واضح بتحالف التنين الصيني مع الدب الروسي في وجه الغرب”أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية”.

رابطة اتحاد الدول المستقلة

وقع رؤساء كل من روسيا وأوكرانيا وبيلاروسيا في بداية دجنبر عام 1991 على وثيقة تفكيك الاتحاد السوفيتي وإنشاء رابطة الدول المستقلة التي انضمت إليها الجمهوريات السوفيتية السابقة باستثناء جمهوريات البلطيق.
وبهذا الاتفاق، انتهى وجود الاتحاد السوفيتي رسميا كدولة في 26 دجنبر عام 1991. ونتيجة لذلك تقلصت مساحة روسيا (الدولة الوريثة للاتحاد السوفيتي) بنسبة 24 بالمائة (من 22,4 إلى 17 مليون كيلومتر مربع)، وانخفض عدد السكان بنسبة 49 بالمائة (من 290 إلى 148 مليون نسمة).
وبدأ تاريخ روسيا الحديث من يوم 12 يونيو سنة 1991، حيث أعلنت روسيا في هذا اليوم استقلالها على غرار ما أعلنته الجمهوريات السوفيتية الأخرى. وانتخب بوريس يلتسين كأول رئيس لروسيا، حيث بقي في هذا المنصب لغاية تنازله عنه في شهر دجنبر 1999.
وتم في رابطة الدول المستقلة، تبني ميثاق خاص في 22 يناير 1993، والذي ينص على مجموعة من الأهداف المشتركة، من قبيل تعاون أعضاء رابطة الدول المستقلة في المجالات السياسية والثقافية والاقتصادية والبيئية، وتعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية لجميع الدول الأعضاء.
إلى جانب ضمان وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية الأخرى وفقا للقوانين الدولية، والتعاون بين جميع الدول الأعضاء من أجل الحفاظ على السلم والأمن الدوليين، كما تم إنشاء مجلس وزراء الدفاع لتنسيق التعاون العسكري بين جميع الدول الأعضاء، والاتفاق على منع النزاعات المسلحة والتسوية السلمية للنزاعات بين الدول الأعضاء في رابطة الدول المستقلة.
ومن أجل عضوية الدولة في رابطة الدول المستقلة، يجب على البلاد المعنية التصديق على ميثاق الرابطة، وفي هذا الصدد، كان لأوكرانيا رأي آخر دون تقديم أي توضيحات في الموضوع، حيث لم تصادق على ميثاق رابطة الدول المستقلة، وبالتالي لا تعتبر دولة عضو في الرابطة، بل مجرد دولة مؤسسة.
غير أن صفة أوكرانيا التأسيسية كانت تخول لها المشاركة في بعض أنشطة الرابطة بشكل انتقائي، لاسيما الاقتصادية، من بينها، الاستفادة من منطقة التجارة الحرة التي تم إحداثها، في عام 1994، لكن لم تدخل حيز التصديق والتفعيل إلا خلال 2013، من طرف دول أرمينيا وبيلاروسيا وكازاخستان وقيرغيزستان ومولدوفا وروسيا وطاجيكستان وأوكرانيا، وأوزبكستان.
واستفادت أوكرانيا من هذه الاتفاقية بشكل كبير، في مجموعة من المجالات المرتبطة بالاتصالات، والطيران، والصناعة، والفلاحة، والتعدين، والنفط، والصناعة الثقيلة، رغبة من روسيا في حفاظ الأوكرانيين على وضعهم الاجتماعي والاقتصادي الذي اعتدوه وهم في حضن الاتحاد السوفيتي.
لكن الطبقة السياسية الأوكرانية، كانت لها وجهة نظر مغايرة فيما بعد، حيث شرعت في الخروج التدريجي من رابطة الدول المستقلة من اتجاه واحد، معلنة مع كل مرة انسحابها من اتفاقية معينة، كخطوة تصعيدية من كييف في وجه موسكو حول مجموعة من الملفات المشتركة، وذلك بإيعاز من دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية.
وإلى جانب هذا الخروج المنتظر من قبل أوكرانيا من الرابطة بفعل وجدوها البارد والمتذبذب مع الدول الأعضاء والمؤسسة لها، أوقفت أيضا حزمة من المعاهدات التي تربطها بروسيا، كمعاهدة الصداقة والتعاون والشراكة بين روسيا وأوكرانيا.
وتعليقا من رابطة اتحاد الدول المستقلة على انسحاب أوكرانيا، اعتبرت الرابطة، أن كييف والشعب الأوكراني هما المتضرران من هذا الانسحاب، الذي انعكس سلبا على وضع المواطنين الذي كانوا يستفيدون من مجموعة من المزايا خصوصا المرتبطة بالتجارة والصناعة، التي لا يمكن أن تعوضها العلاقة مع الاتحاد الأوربي أو الولايات المتحدة الأمريكية، التي همها الوحيد هو إفشال مشروع الرابطة الذي جاء ليخفف من حدة تفكك الاتحاد السوفيتي، اقتصاديا واجتماعيا.

> إعداد: يوسف الخيدر

Related posts

Top