الروائي المغربي مراد الضفري : روايتي الجديدة بحث عن مصالحة الذات مع الوطن

مراد  الضفري واحد من الأصوات المغربية المهمة في مجال كتابة الرواية، أخلص لها وتفنن بلغته الجذابة في عشقها. والذي يعرف مراد الضفري عن قرب يلمس صدق ما يكتبه انطلاقا من رؤية عميقة من حيث الموضوعات  والدلالات، يستعمل في كتاباته لغة شعرية ينصت من خلالها / ومنها إلى التفاصيل الصغيرة.. صدرت له رواية اختار لها بذكاء عنوانا موحيا «الوطن ليس هنا»، استطاعت أن تعيد القارئ إلى زمن الرواية الجميل، وحول هذه الراوية و قضايا الكتابة كان لنا هذا الحوار:

روايتك “الوطن ليس هنا” حققت انتشارا مهما، وتم تداولها على نطاقات واسعة. هل هذا النجاح يخيفك أكثر ما يبهرك، على مستوى القادم من إبداعاتك؟

< يخيفني أكثر صراحةً، فلطالما أسائلُ نفسي إن كانت رواياتي القادمة ستحظى بنفس الاهتمام الذي حظيت به رواية ”الوطن ليس هنا” على الأقل، وان كنتُ أطمحُ لنجاحٍ أكبر ودعمٍ أكثر من قُرائي ومن المهتمين بالأدب المغربي.
 
> رواية “الوطن ليس هنا” تحمل قلق الهوية، والبحث عن الذات المفتقدة، وعن الانكسارات تلو الأخرى في تاريخ الهوية؟ من أية زاوية تقرأ هذا القلق الذي تحمله بدواخلك؟
< ليس بداخلي لكنه بداخل طارق بطل رواية ”الوطن ليس هنا”، هو ذاك القلق الذي يحفرُ في ذاته بحثا عن معنى الحياة والانتماء للوطن وللقدر. هو القلق المصاحب للمتاهة الوجودية التي يعيشها هذا الشخص في وطنه العربي الذي فتته الاستعمار وجزأته الحروب، وهو الشاب المغربي الحالم بالقومية والوحدة العربية. الآتي من جراحات الماضي الرومانسي المؤثث بالنضال الجامعي والأحلام الطوباوية. يستنفد كل آماله وأحلامه في حياةٍ ووطنٍ يليقان به، يعيش حياة تائهة، غير مستقرة، تؤرقها أزمة وجود وإثبات للذات. يضعه القدر في طريق قصة حبٍ جديدة قد تصالحه مع ذاته، ومع الوطن، وتدفعه لنسج أحلامٍ جديدة، لكن أمله يخيب مرةً أخرى، فيقرر الرحيل إلى فلسطين بحثًا عن موتٍ جميل، وكما كان الحب سبب رحيله سيكون هو كذلك سبب عودته إلى حبيبته الأولى التي لا يفارقها إلا ليعود إليها، تماما كما هي قصتنا مع الوطن. وهو نفسه ذاك القلق الذي صاحبَ كل شخصيات رواية “الوطن ليس هنا” في رحلة البحث عن مصالحة الذات مع الوطن.
 
> هناك تنوع في تيمات الرواية: تيمة الموت، الحب، الحلم، الفشل، اللوم، الخيبة، التيه، القلق الحرمان، الانكسار.. لماذا هذا التنوع في التيمات، وما هي دلالاتها؟
< كل المشاعر التي ذَكَرتها هي وليدة حالة التيه والشعور بعبثية الحياة والانتماء إلى الوطن، وهي تدلُّ على معركة وجودية في رواية ”الوطن ليس هنا” مع كل تلك المفاهيم التي وجدنا ذاتنا تنتمي إليها وتُعيق مواصلة عيشنا بسلام وبدون انكسارات. في الرواية، ستجد أن تيمة الحب وحدها التي دخلت في صراع مع مأساة الوطن كما قلت. فالحب عادةً هو ذاك الشعور الوحيد الذي يخلصنا من خيباتنا وانكساراتنا ويجعلنا لا نهتم لمأساة الوطن فينا، والوطن أصلا لا يغدو له معنى إلا عندما تقول كلمة ”أحبك”، لأن الطرف الآخر الذي يبادلك الحب يصيرُ هو الوطن، أو كما قال كيرغارد ”الحب يعطينا كل شيء، وفي نفسِ الوقت يأخذ منا كل شيء”.
 
> تقول في روايتك: ” ليس وطني، ذاك الوطن الذي لا يحزن لموتي؟ هل عندما يحتفي الوطن بموتنا، نكون له متيمين؟
< ليس بالمعنى الحرفي للمقولة لكن بمعناها المجازي، فالوطن في عصرنا هذا أصبحَ مفهوماً هلامياً. حولته السياسة إلى أيديولوجيا أو كانتون سياسي، يَنتظمُ فيه من يُسمُونهم بالرعايا أو المواطنين. ولأن هذا الكانتون أو الوطن الهلامي صنيعةَ أسياده ورموزه فقط، فهو يحزن لموتهم وينكِّسُ أعلامه لهم ويُقيمُ فصل حداد في حين لا يأبه بالبقية. أليس من السذاجة إذن، أن نسميه وطناً للجميع؟
 
> لو طلب منك اختيار عنوان أخر للرواية، ماذا سيكون اختيارك، ولماذا؟
< صراحةً، لا أرى لرواية ”الوطن ليس هنا” عنوانا آخر. هذا العنوان هو وليدُ موضوعها ونصها السَّردي وبالتالي هو الأجدر بها عنواناً.
 
> هل في اعتقادك، يمكن أن نسمي رواية “الوطن ليس هنا ” سيرة ذاتية، ولو لمرحلة معينة من ذاتية الكاتب؟
< إن كانت سيرة ذاتية فسيكون مراد الضفري هو ”طارق ولد الخيل” بطل الرواية. في حين أنا لستُ طارق وَحده، أنا طارق ولد الخيل وليلى المرابط ونجيب وسلوان وأماليا وكل الشخوص التي ترقصُ في رواية ”الوطن ليس هنا”. كل هذه الشخوص تسكنُ في داخلي، تعبِّر عن هواجسي وأفكاري إزاء الوجود وتخلقُ لي فضاءً أناقش فيه قارئي حول كل التيمات التي حوتها الرواية. هي إذن ليست بسيرة ذاتية بالمطلق، لكنها سيرتنا جميعاً مع الوطن والقدر.    
 
> بالرجوع إلى واقع الرواية المغربية اليوم، هذا الجنس الأدبي الراقي الذي يعرف حضورا مهما في الساحة الأدبية المغربية، أصوات جيدة وإبداعات أجود. لماذا في اعتقادك الرواية اليوم تعرف هذه الانتعاشة؟ وهل ستظل وفيا للرواية؟
< الفضل يعود للأقلام الشابة التي خلقت دينامية جديدة في الأدب الروائي وجاءت بمواضيع حديثة تناقش الشباب وتُرضي ميولاتهم الأدبية، متجاوزةً بالتالي المواضيع التقليدانية والتاريخانية التي ظلت حبيسة عهد الاستعمار والانتفاضات العربية وسنوات الرصاص. عندما نقرأ لمبدعين من أمثال سعود السنعوسي ومحمد حسن علوان وياسين عدنان وخولة حمدي وطارق البكاري والبقية من الشباب، نشعر بعصرنة وتطور الخطاب الروائي وهو ما أفضى إلى انتعاشة هذا الجنس الأدبي الذي سيستمر أكيد في جذب محبيه من الشباب. أما بخصوص الجزء الثاني من سؤالك، فصراحةً لا أجد قلمي خارج النص الروائي، ففيه أشعر بحرية أكبر وقدرة على كتابة خطاب أعمق.
 
> هل تؤمن بالنقد الأدبي؟ وهل نالت رواية “الوطن ليس هنا” حظها من النقد؟
< لا جدال في كون النقد يلعبُ دوراً كبيرا في صيرورة تطوير الرواية كجنس أدبي وفي تحديث بنية النص السردي وفضائه، بل المفيد، من وجهة نظري، أنه يقدِّم أداةً تحليلية لقراءة النص من زوايا أخرى قد تفاجئ الكاتب نفسه وتدعوه لقراءة نصه واستكشافه من جديد وهنا تكمنُ الفائدة. للأسف رواية ”الوطن ليس هنا” لم تحظ بدراسة نقدية في المغرب لحدِّ الساعة.
 
> في الأفق، هل هناك جزء ثان من الرواية؟
< رواية ”الوطن ليس هنا” هي رواية لا يمكنُ لها أن تنتهي وأن تكتمل. هي روايتنا المستمرة مع الحياة ومع الوطن. لكن هناك جزء ثانيا وأخيرٍا لها سيُنشر السنة المقبلة إن شاء الله تحت عنوان ”أنت أو لا وطن”.

 حاوره : محمد معتصم

Related posts

Top