الفنان عبد الحق سليم يعرض بالدار البيضاء : الاحتفاء بالضوء

يعرض حاليا الفنان التشكيلي عبد الحق سليم جديد أعماله التشكيلية الحالمة ضمن فعاليات معرض التحف التراثية و الفنية بالدار البيضاء بعدما وسمت تجربته البصرية الدورة الأخيرة للصالون الوطني للفن المعاصر.
في عالمه الفني الرمزي، لا فارق بين التشكيل و الحياة: الحياة تشكيل و التشكيل حياة. يا لها من قوة كيميائية حية تربط بين الذات و الآخر، و ترصد نبضات الكائنات و الأشياء. فالفن من منظوره الوجودي ليس مجرد ممارسة التشكيل من أجل التشكيل، بل هو ممارسة للحياة و الوجود ، و عودة إلى المصدر الأول لخيالنا / المرآة لكي نجيد الإصغاء إلى أصواتنا الداخلية  في ضوء وعي مزدوج بالتاريخ و الزمن، حيث تنكشف أجزاء كبيرة من لا شعورنا الجماعي. في حضرة أشعاره البصرية نستحضر صورنا الأولى التي كانت تحتضن الوجود و الإنسان معا. إنها أبجدياتنا التي نقول بها، بصريا، ما نحن ، و نفتح بها دروبنا في عتمة المجهول، أقصد في ضوء دروب لوحاته الرمزية التي لم يسلكها أحد قبله. لقد أصبحت شعرية أعماله التشكيلية ضربا من الفتنة البصرية ، و كيمياء روحانية تتلبس بالإيحاءات و الشذرات، و كأنها بيان تشكيلي يعطي الأولوية لحركة الإبداع و التجربة، حيث يغدو التصوير الصباغي تجاوزا للعادي، و للمشترك، و للموروث. أليس التشكيل كالشعر لا يهاب أن يخرق الإجماع كما عبر عن ذلك الجرجاني (أسرار البلاغة)؟    
حول تجربته الفنية،كتبت الناقدة مديحة بندحو:” هل نتكلم عن عبد الحق سليم أم عن قوة التحمل حين يتم تسليط الضوء عليها؟ فقد كان الطريق الّذي قطعه الفنان مليئا بالفخاخ. إلا أنه كان يعود إلى قريته، حيث وُلد، والعيون مشبعة بحلم واحد، أن يتم الاعتراف به على مقدار موهبته، فكانت المرحلة حيث فُرض عليه أن يرفع تحد، تحديه الخاص، علة وجوده. و كما هو شأن الفنانين العصاميين الكبار، رفع سليم التحدي، تجاوزه وفرض نفسه، ليبرز فنانا متميزا في إنجاز البورتريه، أستاذا في التقاط لحظات مشاهد الحيوات العادية التي تتحول، بفعل فرشاته، إلى مشاهد آسرة. تنهل لوحاته من مصادر حقيقية حيث ينبثق الضوء؛ لتجذب المتلقي، في النهاية، تفتنه، و تُقحمه عالمها.”. وتضيف:” إن سحرا ما ينبعث من مُنجز هذا الفنان الشاب، سحر بمثابة ضوء داخلي، بقدر ما هو خارجي، يشمل اللوحة في مجموعها؛ هو معجب ببيرتوتشي، ومن غير أن ينكر هذا النسب، عرف كيف يُحقق بصمته الخاصة به. ما جعل منجزه يكشف عن حساسية تتغذى من تقنيات ترفض الإكراهات كلها. تُبلغ لمسته رسالة حول كنز تمثله مشاهد الحياة في القرية لكل عاشق للطبيعة. إنه فنان يتمتع بموهبة لا يمكن إنكارها، كما أنه يشدنا بلطفه، بجاهزيته للعطاء. يظل سليم، الإنسان، كتوما وأصيلا. و عرف سليم الفنان كيف يُروض الضوء؛ المكان الآمن الذي يحث الروح على أحاسيس عالم الضوء و الأمل، حيث مكمن الصفاء المطلق لحقل التشكيل. لذلك، فإن سليم هو الضوء البازغ من حد فرشاته. كما جعل للفنان الشاب، اليوم، سجلا زاخرا خلفه؛ بعد 17 سنة من العطاء، أصبح عبد الحق سليم بمستوى الأساتذة الكبار، بيرتوتشي و إيتيان ديني، مُلقنيه اللذين وجهاه نحو لمسته الانطباعية الخاصة به.إنه مفتون بالملاحظة اليومية لمشاهد حياة القرية التي تُملي عليه اختيار موضوعاته. ينقاد سليم للتركيب المُوفق بين ضوء خاص، تعبير، حركة تُولد حتما تحت فرشاته التي هي الامتداد الطبيعي ليده، التعبير عن الانفعال و تقنيته التعبيرية سواء تعلق الأمر بطبيعة ميتة، بمشهد وببورتريه على وجه الخصوص. لقد أتقن سليم بيسر تقني نادر. ما جعل منجزه يتطور بكامل السلاسة، طالقا العنان للانفعالات لكي ترسم نفسها بكل حرية. كونه يبدو عفويا في التواصل السهل، وتواضعه الطبيعي، لا تُضاهيهما سوى موهبته. موهبته التي بناها بقوة المثابرة.. لذلك، أبقت عليه موهبته وبساطته أصيلا كما بدء.”.
منصف عبد الحق (ناقد فني)           

Related posts

Top