الكاتب المغربي فؤاد العروي.. ساخرا

 ينوع الكاتب المغربي فؤاد العروي في كتاباته؛ فإلى جانب كونه روائيا وقصاصا أصيلا وباحثا أكاديميا، نجده حريصا على تخصيص حيز من وقته لكتابة نصوص ذات طابع نقدي، نقد المجتمع ومشاكل الهجرة والعادات والعلائق الإنسانية بوجه عام.
 هذا الكاتب المقيم بالمهجر، وتحديدا بهولاندا، الذي اختار اللغة الفرنسية وسيلة للتعبير عن آرائه وما يختلج في وجدانه والذي حظيت إنتاجاته الأدبية بالتتويج في محافل دولية، على سبيل الذكر: «القضية الغريبة لسروال الداسوكين» الفائزة بجائزة الغونكور للقصة القصيرة.. ظل محافظا على روحه الخفيفة حتى وهو يكتب نصوصا ذات طابع جدي، كما أنه لم يضح بالبعد الجمالي والإبداعي لهذه النصوص، رغم منحاها التقريري.

الحلقة الخامسة

إنهم يرون الفرنكوفونيين في كل مكان

 زعم مخاطبي أن حديثنا كان بالفرنسية في حين أنني لم أتحدث سوى بالدارجة.
 كان ذلك في فصل الربيع الماضي، كنت في القطار المتجه من الدار البيضاء إلى الرباط (الإقبال والإدبار المعلوم) عندما سألني الرجل الشاب الذي كان يجلس قبالتي بكل لطف إذا كنت الكاتب الفلاني.
أجبت: نعم، في خدمتك.
 كشف لي بحماس أنه قرأ بعض مؤلفاتي وأنه أعجب بها. كما قرأ بعض مقالاتي المنشورة في الصحافة.
 الرجل الشاب البشوش كان يعبر بالكاد بالفرنسية باحثا عن كلماتها. لم يكن هذا خطأه، ببساطة لم يدرس بشكل جيد هذه اللغة كما هو حال كل أجنبي، وأن لا أحد اهتم بالتحكم فيها بما أنها ليست لغة رسمية في المغرب.
 قمت بالرد عليه بالدارجة المغربية، هذه اللغة الجميلة والقوية التي تشكل الكنز المشترك بين كافة المغاربة.
 حدث تبعا لذلك شيء غريب.
 بقدر ما كنت أتحدث بالدارجة بدون إقحام أي كلمة فرنسية، بقدر ما كان الرجل الشاب يجاهد للتعبير بفرنسيته الشاقة. قمت باستخدام حتى بعض الكلمات العربية الفصيحة (هكذا تصير دارجتي مدعمة كما يقال).
 عبثا، محادثي لا يبدو أنه انتبه إلى ذلك، واصل عناده في استخدام لغة موليير بشكل سيئ.
أمر مدهش، أليس كذلك؟  
عند وصولنا إلى الرباط، ودعنا بعضنا البعض بكل احترام. قلت له:
 “إلى اللقاء”.
 ورد:
 إلى اللقاء.
 وذهب كل واحد منا إلى سبيله.
 ربما قد تسألونني لماذا تذكرت فجأة هذه الواقعة التي ليست بذي أهمية والتي لن تبصم التاريخ.
 كنت بصدد قراءة مقال عادي في جريدة أوروبية تؤكد على أنه في المغرب، الفرنكوفونيون هم الذين يحكمون. إذا نظرنا إلى هذا التعبير بمعناه المباشر، فهو غير صحيح: المشرع، أي النواب البرلمانيون لا يعبرون سوى باللغة العربية.
وإذا نظرنا إلى ذلك التعبير بمعناه الاصطلاحي، فهو كذلك غير صحيح. هناك فقط خطأ في النظر إلى الأمور، كما هو حال مخاطبي في القطار الذي كان مقتنعا بأنه كانت بيننا محادثة بالفرنسية لأنني قبلت أن أكون واحدا من أولئك الفرنكوفونيين المعلومين (في حين أنني لم أتحدث سوى بالدارجة).
 كما أن المتحدثين المغاربة لا يبدو أنهم يرون أن أغلبية الفرنكوفونيين المغاربة يجدون راحتهم في التعبير بالدارجة، لغة الشعب إلى جانب الأمازيغية، ويتلذذون باستعمالها.         
في الواقع، الطبقة النخبوية في هذه البلاد مزدوجة اللسان، لا بل ثلاثية اللسان. وهذا أفضل لهم. هل ينبغي لكي نعي هذه الحقيقة، أن لا نكون واهمين مثل مرافقي اللطيف في رحلة القطار بين الدار البيضاء والرباط.

ترجمة: عبدالعالي بركات

Related posts

Top