بيان اليوم تفتح ملف الأطفال

زارت مناطق تنامي الظاهرة والتقت مسؤولين وخبراء، وحاورت عينة
من الأطفال المغاربة القاصرين هناك

في خضم موجة الهجرة غير المسبوقة التي باتت تعرفها سواحل المغرب ونقط العبور نحو أوروبا، أصبح ملف المهاجرين القاصرين غير المصحوبين يثير جدلا واسعا، بل من الملفات الشائكة والمعقدة التي تؤرق حكومات بلدان الاتحاد الأوروبي بعدما تمكن آلاف القاصرين من عبور البحر الأطلسي نحو الضفة الأخرى، في ظاهرة لم تشهدها أوروبا منذ عقود، مما خلف أضرارا اجتماعية لحقت بدول الاستقبال خاصة إسبانيا باعتبارها محطة الاستقبال الأولى لهؤلاء القاصرين، وتجاوز العدد الطاقة الاستيعابية لمراكز الإيواء التي تمولها الدولة عبر برامج تستفيد منها الجمعيات المهتمة بحماية الطفل وحقوقه، إذ تفيد الإحصائيات الرسمية عن وجود أكثر من سبعة آلاف قاصر بتلك المراكز، قرابة ستة آلاف منهم يحملون الجنسية المغربية.
لسبر أغوار تفاصيل هذا الملف، والكشف عن مجموعة من الأرقام والحقائق التي تهم وضع وظروف عدد مهم من أبناء الوطن، الذين لم يصلوا سن الرشد بعد، وقرروا ركب المجهول، بحثا عن حياة كريمة بين أحضان “الفردوس الأوروبي” كما يعتقدون، ليجدوا أنفسهم بين مراكز الإيواء بالجارة الإسبانية، أو بين شوارعها، في انتظار تسوية وضعيتهم واستقرارهم رسميا هناك، أو إعادتهم إلى أرض الوطن، تم التواصل مع الدكتور في القانون الدولي والمختص بشؤون الهجرة، الناشط الحقوقي المقيم بمنطقة سرقسطة بإسبانيا، المغربي عبد العالي المرابطي، الذي زودنا بتفاصيل الموضوع على مستوى مؤسسات إسبانية معنية بالملف، كما سهل لنا عملية التواصل مع مسؤولين وأطفال مغاربة بمراكز الإيواء، في رحلة لتقريب قرائنا أكثر من وضع هؤلاء الأطفال.

هذا وقد حاولت بيان اليوم الاتصال بعدد من المؤسسات الرسمية الوطنية ذات الصلة بالموضوع، رغبة في استيفاء الموقف المغربي حيال الملف، والكشف عن مجهودات القطاعات الحكومية المرتبطة به، إلا أن البعض تحفظ عن الإدلاء بتصريح في الوقت الذي لم يجب فيه آخرون عن الاتصالات الهاتفية رغم مكاتبتهم برسائل نصية.

ظروف لا إنسانية

تفيد الإحصائيات الرسمية بوجود أكثر من سبعة آلاف قاصر بمراكز إيواء القاصرين، قرابة ستة آلاف منهم يحملون الجنسية المغربية، وحسب الإحصائيات الأخيرة لوزارة الداخلية الإسبانية في تقريرها الصادر في شهر أكتوبر 2018، يتواجد أكثر من 13000 من مجموع القاصرين الأجانب غير المصحوبين الوافدين على إسبانيا بجنسيات مختلفة وذلك إلى حدود شهر يناير المنصرم حيث تضاعف العدد إلى ثلاثة مرات مقارنة بسنة 2016 حسب نفس المصدر، في حين يشكل القاصرون المغاربة أكبر نسبة، معظمهم يتواجدون بإقليم الأندلس يعيشون في مراكز الإيواء أو بشوارع المدن في ظروف لا إنسانية.
وأمام هذا الوضع قرر مجلس الوزراء الإسباني في أواخر نونبر 2018 اعتماد ميزانية 38 مليون أورو كمنح لحكومات الجهات المحلية وذلك بهدف تحسين وضعية القاصرين الأجانب غير المصحوبين المقيمين بكل مراكز الاستقبال بإسبانيا، حيث تم الاتفاق على أن تحصل الأندلس على 25.5 مليون يورو، أي 67 بالمائة من 38 مليون، تليها بلاد الباسك وكاتالونيا، بأكثر من مليوني يورو لكل منهما ومن تم باقي الجهات.
من جهتها، أكدت منظمة اليونيسيف، خلال شهر دجنبر من سنة 2018، في تقريرها حول أعداد وحجم القاصرين المستقرين في المراكز الإسبانية للإيواء، أن الأطفال المغاربة القاصرين يتصدرون جنسيات الأطفال المهاجرين غير المصحوبين.
وكشف التقرير نفسه، أن عدد القاصرين المغاربة قارب 8841 قاصرا، مبرزة أن حوالي 8470 منهم ذكورا، فيما عدد الإناث يقارب 371 طفلة، ما يشكل نحو 68 في المائة من مجموع الأطفال القاصرين الأجانب غير المصحوبين بإسبانيا، المتواجدين بمراكز الرعاية وحماية الطفولة، حسب المصدر ذاته.
وفي السياق ذاته، أكدت منسقة منظمة اليونيسيف بجهة الأراغون إسبانيا، انجيلا برومارتا، في تصريح صحافي لجريدة بيان اليوم، حول وضعية القاصرين بجهة الأراغون، أنه لحد الآن لا توجد إحصائيات رسمية حول عدد القاصرين المتواجدين بمنطقة الأراغون، كما أنه لا توجد معطيات رسمية حول جنسيات القاصرين أو أعمارهم أو وضعيتهم القانونية، مبرزة أن المكتب الجهوي للمنظمة يعمل جاهدا لإعداد تقرير شامل حول الموضوع والذي سيعملون على نشره في غضون الأشهر القادمة.
وأشارت برومارتا، إلى أن المنظمة سبق وأن أصدرت تقريرا حول موضوع القاصرين غير المصحوبين بإسبانيا، خاصة بمنطقة الأندلس، موضحة أنهم استطاعوا من خلاله إحصاء عدد القاصرين والقاصرات المتواجدين بجل المراكز الإسبانية وتحديد جنسياتهم (هي الإحصائيات التي أشير إليها آنفا)، وكذا تقييم سير تلك المراكز من حيث الاستقبال والإقامة والمتابعة.
من جهته، وفي تصريح مماثل لبيان اليوم، أوضح المسؤول التقني بنفس المكتب، دفيد كوريانا، أن اليونسيف منظمة عالمية تهتم بموضوع الطفولة عامة، مبرزا أنها تتخذ من حماية القاصرين غير المصحوبين أحد أهم أهداف عملها.
وشدد دفيد، على أن هناك صعوبة في التعامل مع القاصرين، مؤكدا أن الموضوع جد حساس بالنسبة للمؤسسات العمومية، مبرزا أنه داخل المراكز يجب الاستعانة بأطر مؤهلة تجيد التعامل مع القاصرين.
وقال دفيد، إنه لم يسبق له التعامل مع قاصر مغربي بشكل مباشر، موضحا أن التعامل مع موضوع القاصرين غير المصحوبين مباشرة يبقى غير وارد، مشيرا إلى أنه بمجرد وصول القاصر للأراضي الإسبانية يودع بأحد المراكز الأولية للاستقبال، وهي مؤسسات تقوم بدور رعاية هؤلاء القاصرين وتقديم كل الخدمات الخاصة لهم، وذلك بتفويض من الحكومات الجهوية الإسبانية، مضيفا أنهم في المنظمة يحرصون على مدى احترام تلك المؤسسات لبنود الاتفاقيات المبرمة مع الحكومات احتراما لحقوق القاصرين.

إسبانيا تفاوض المغرب

وجدت الحكومة الإسبانية صعوبة كبيرة في إيجاد حل لأزمة القاصرين، رغم إيواء وإدماج عدد كبير منهم داخل المراكز المخصصة لذلك، ما دفعها لفتح باب المفاوضات الثنائية مع نظيرتها المغربية في محاولة منها إيجاد حل للظاهرة، وذلك بمحاولة الضغط على المغرب لقبول ترحيل القاصرين المغاربة وإعادتهم لموطنهم الأصلي، وذلك بتفعيل الاتفاقية الخاصة بالترحيل، الموقعة مع المغرب سنة 2007، حيث تم التوصل آنذاك إلى اتفاق وقعت عليه كل من مدريد والرباط بشأن ترحيل الأطفال المغاربة القاصرين غير المصحوبين بذويهم، بناء على طلب حكومتي سبتة ومليلية المحتلتين، إلا أن هذا القرار كان محط انتقاد وتنديد من جمعيات إسبانية تعنى بحقوق الإنسان والقاصرين، ترفض ترحيلهم، بعلة أن أي ترحيل لهم، هو مخالف للقانون الدولي والاتفاقية التي وقعت عليها إسبانيا لحماية الطفولة. قرار الحكومة تم تعطيله بعدما أصدرت المحكمة الدستورية الإسبانية قرارها المشهور في 22 دجنبر 2008 الذي دعت فيه إلى منح الحماية للأطفال القاصرين غير المصحوبين وتوفير الضمانات الأساسية لهم قصد تفادي تعرضهم للتشرد تماشيا مع أحكام القانون الأوروبي الذي ينص على وجوب إعطاء القاصرين الأجانب الحماية القانونية اللازمة.
ومع تعاقب الحكومات وصعود الأحزاب اليمينية المتطرفة للمشهد السياسي، اشتدت نعرة العداء للمهاجرين باستخدام قنوات ضغط إعلامية ربطت الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد بمشكل الهجرة والمهاجرين، للضغط على الحكومة لإعادة فتح ملف الهجرة، وخاصة ما يتعلق بترحيل القاصرين المغاربة غير المصحوبين، وهو بالفعل ما قامت به حكومة سانشيز الاشتراكية بعد أول زيارة رسمية لسانشيز للمغرب في 19 نونبر من السنة الماضية، حيث طلب من الجانب المغربي القبول باستقبال القاصرين المغاربة، وهو ما تم الاتفاق عليه من قبل الحكومتين في أفق تكوين لجان إسبانية ومغربية تسهر على هاته العملية، وهو الأمر الذي أكدته مجموعة من الجهات الرسمية والقنوات الإعلامية الإسبانية.

قرار متسرع

في السياق ذاته، اعتبر الدكتور في القانون الدولي والمختص بشؤون الهجرة والناشط حقوقي عبد العالي المرابطي، أن قبول المغرب بهذا الاتفاق جاء متسرعا ولم يراع بالمرة حقوق الأطفال القاصرين، مبرزا أن ذلك سيفتح الباب على مصراعيه أمام إسبانيا لشن حملات واسعة النطاق داخل مراكز الإيواء لترحيل المغاربة منهم.
وشدد الدكتور المرابطي على أن “الحكومة المغربية لم تعتمد على دراسات قبلية تراعي بالأساس حقوق هذه الفئة سواء في علاقتها ببلد الإيواء أو ببلدهم الأم عند الترحيل إذا اقتضى الحال”، مشيرا إلى أن هذا الأمر دفع ببعض هؤلاء القاصرين لمغادرة التراب الإسباني نحو دول الشمال خوفا من قرار الترحيل ليبقوا عرضة للضياع بشوارع المدن وصيدا سهلا لعصابات تجارة المخدرات والاستغلال الجنسي، لاسيما بعد إصرار بعض الجهات الرسمية على إلصاق تهمة الإجرام بهؤلاء القاصرين وبالتالي حرمانهم من الضمانات التي توفرها الاتفاقيات الدولية لحماية الطفولة.
وكشف الدكتور المرابطي أن عدم اكتراث الحكومة المغربية لمشكل هؤلاء المراهقين للعمل على إيجاد حل أو فتح باب الحوار المباشر مع نظيرتها الإسبانية قابله ظهور مجموعة من الأصوات الحقوقية متمثلة في جمعيات إسبانية ومغربية كذلك تعنى بحقوق الطفل والمهاجر بالتصدي لاتفاق الحكومتين الأخير، مؤكدا أنها أكدت جميعها أن الحكومة الإسبانية ستجد صعوبة كبيرة في ترحيل القاصرين المغاربة رغم بدء تدارسها للموضوع مع نظيرتها المغربية، لأن ترحيلهم يحتاج إلى قرار قضائي من النيابة العامة بعد الاستماع إلى كل قاصر على انفراد.
وفي هذا الصدد أبرز المصدر نفسه أن الشبكة الإسبانية للهجرة نددت بهذا الإجراء ووصفته بأنه محاولة من الحكومة لتجريم القاصرين، داعية الأحزاب السياسية لتعليق هذا الإجراء على الفور، باعتباره قرارا عنصريا بالأساس لأنها ستكون عملية انتقائية تخص المغاربة دون غيرهم، كما هددت إلى اللجوء للقضاء.
وأضاف الدكتور المرابطي أن جمعية “جذور” توجهت إلى مخاطبة المصالح القنصلية المغربية في بإسبانيا لإبلاغها بالخروقات التي ترتكب في حق مواطنيها القاصرين سواء داخل مراكز الإيواء أو بشوارع المدن الإسبانية ومطالبتها باتخاذ الإجراءات الملائمة لتوفير الحماية اللازمة للقاصرين المغاربة، كما تساءلت مرثيدس الفاعلة الحقوقية بنفس الجمعية عن دور الحكومة المغربية ودور بعض المؤسسات الرسمية التي تعنى بقضايا الجالية المغربية في الخارج.
وقال الدكتور عبد العالي المرابطي إن لكل واحد من هؤلاء الأطفال قصة مؤلمة عاشها في كل محاولة له لعبور الضفة الأخرى من إحدى المناطق الحدودية كمعبري باب سبتة ومليلية المحتلتين، أو ميناء طنجة في ظروف قاسية ليبقى عرضة لشتى أنواع الاستغلال، مضيفا أنها “محن يعيشها فلذات أكبادنا طمعا للوصول للفردوس المجهول بسبب سوء الأوضاع المعيشية، لاسيما وأن غالبيتهم ينحدرون من أسر هشة تعاني مشاكل عائلية إذ لم نقل أنهم متخلى عنهم من طرف الآباء”.
وشدد الدكتور المرابطي على أن “الكل مسؤول ومعني بحماية حقوق أطفالنا القاصرين، فهناك حكومة ومؤسسات وتمثيليات دبلوماسية ومجتمع مدني”، داعيا الحكومة للتحرك لإنقاذ ما يمكن إنقاذه وإعطاء تعليماتها لجميع القنصليات المغربية والمؤسسات الرسمية التي تعنى بقضايا الجالية للعمل على تكثيف الجهود من خلال التواصل مع كل القنوات الرسمية الإسبانية المعنية لإيجاد حل وبالتالي حفظ الحقوق اللازمة لأبناء الوطن القاصرين.

عبد الصمد ادنيدن

Related posts

Top