تقييم السياسات العمومية المتعلقة بالمرفق العمومي

عقد مجلس المستشارين الجلسة السنوية لمناقشة وتقييم السياسات العمومية المتعلقة بالمرفق العمومي يوم الاثنين 11 فبراير 2019، وبالمناسبة قدم المستشار الأستاذ عبد اللطيف أوعمو ملخصا لمداخلته حول المحاور التي اعتمدتها المجموعة الموضوعاتية لمناقشة وتقييم السياسات العمومية حول المرفق العام من خلال مقاربة وضع قطاع  التربية الوطنية والتكوين المهني والبحث العلمي، وقطاع الصحة، إضافة إلى المراكز الجهوية للاستثمار، حيث تناول العرض المقدم المحاور المعتمدة انطلاقا من معايير تهم البنية التحتية للقطاعات المعنية وتدبير الموارد البشرية والحكامة القطاعية، وفيما يلي النص الكامل للمداخلة:عقد مجلس المستشارين الجلسة السنوية لمناقشة وتقييم السياسات العمومية المتعلقة بالمرفق العمومي يوم الاثنين 11 فبراير 2019، وبالمناسبة قدم المستشار الأستاذ عبد اللطيف أوعمو ملخصا لمداخلته حول المحاور التي اعتمدتها المجموعة الموضوعاتية لمناقشة وتقييم السياسات العمومية حول المرفق العام من خلال مقاربة وضع قطاع  التربية الوطنية والتكوين المهني والبحث العلمي، وقطاع الصحة، إضافة إلى المراكز الجهوية للاستثمار، حيث تناول العرض المقدم المحاور المعتمدة انطلاقا من معايير تهم البنية التحتية للقطاعات المعنية وتدبير الموارد البشرية والحكامة القطاعية، وفيما يلي النص الكامل للمداخلة:

تعرض المجموعة الموضوعاتية المكلفة بالتحضير للجلسة السنوية الخاصة بمناقشة وتقييم السياسات العمومية حول المرفق العمومي، والخاصة بقطاعات حيوية ذات حمولة اجتماعية قوية، وهي الاستثمار والصحة والتربية والتكوين  تقريرها في أجواء عامة أقل ما يمكن القول فيها هو أنها تتميز  بضعف الانسجام .حقيقة أن تفعيل المقتضى الدستوري المتمثل في مناقشة وتقييم السياسات العمومية للحكومة تحت قبة البرلمان من شأنه أن يعزز التعاون بين الجهازين التشريعي والتنفيذي، وهو ما يقتضي الانخراط الواعي والمسئول لمختلف الهيئات والمؤسسات الدستورية والقطاعات الوزارية المعنية.لكن الأجواء العامة التي يشتغل فيها الجهاز الحكومي قد تُقلص وتحُد من فعالية الأداء، خصوصا عندما يتعلق الأمر بقطاعات حساسة وهامة تتسم بالطابع الحيوي في حياة المواطن ومعيشه اليومي كالاستثمار والتعليم والصحة.لقد اختارت المجموعة الموضوعاتية بمجلس المستشارين مناقشة وتقييم السياسات العمومية حول المرفق العام من خلال مقاربة وضع قطاع  التربية الوطنية والتكوين المهني والبحث العلمي، وقطاع الصحة، إضافة إلى المراكز الجهوية للاستثمار، حيث تناولت المحاور المعتمدة انطلاقا من معايير:
<  البنية التحتية حسب الجهات <  تدبير الموارد البشرية للقطاع <  السياسة القطاعية < خريطة الخدمات < حكامة القطاع.
إننا ندرك مدى صعوبة تقديم خلاصات بصدد قطاعات حيوية هامة كالتعليم والصحة والاستثمار في دقائق معدودة، لذلك، حرصنا على تزويد رئاسة المجلس، بورقة تركيبية عن كل محور.ونظرا لضيق الوقت، سأقتصر هنا على بعض الملاحظات العامة.بخصوص قطاع التربية والتكوين فالتقرير المتمحور حول تقييم السياسات العمومية المرتبطة بمنظومة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي حرص على استعراض منظومة التربية والتعليم من خلال التقارير الدولية والوطنية، وما رصد لها من موارد، وكيف أدمج القطاع مختلف الإصلاحات البيداغوجية والتربوية بجانب البحث العلمي،  معرجا على حكامة القطاع.وخلص التقرير إلى أن القطاع ما زال يشكو من العديد من النقائص التي تنعكس سلبا على المنظومة، مما يستدعي منا بعض الملاحظات الجوهرية، ومن أهمها:• استفحال الخصاص في الأطر التربوية، وضعف المردودية والجودة، ونقص في التجهيزات الضرورية، والاكتظاظ الناتج عن قلة المؤسسات التعليمية، بالإضافة إلى المشاكل التي تعاني منها الأطر التعليمية.• وبخصوص أسباب الفشل في تنزيل مختلف الإصلاحات المتعاقبة، نورد بالأساس الأسباب التدبيرية والتواصلية والمالية، حيث نسجل ضعفا ونقصا في تكوين المكلفين بأجرأة الميثاق الوطني للتربية والتكوين في مجال التدبير التربوي والإداري والمالي. <  مع التركيز على ضعف تحويل الصلاحيات والمسؤوليات من المركز إلى الجهات، وداخل المنظومة الجهوية للتربية والتكوين،<  بجانب ضعف التعبئة المجتمعية لضمان انخراط كافة المتدخلين والفاعلين والشركاء في مجهودات الإصلاح، بالإضافة إلى ضعف الإنفاق التربوي وعدم وفاء الحكومة بالتزاماتها بتوفير الاعتمادات المالية الضرورية لتمويل تنفيذ مقتضيات الميثاق الوطني، وضروريات الإصلاح عموما.<  وهذا يحيلنا على حكامة قطاع، تعاقب على رأسه أزيد من 30 وزير من الاستقلال إلى اليوم، والغالب هو أن تصورات الإصلاح غير دقيقة وغير واضحة، وظل تعليمنا لعقود مجرد مختبر لتجريب المخططات والبرامج، ولهدر المال العام دون فعالية ومردودية مجتمعية حقيقية.< فلا وجود لسياسة عمومية واضحة الأبعاد، وبالتالي، فمشكل عدم ضمان الاستمرارية وعدم وضوح الرؤيا قائم بحدة في قطاع التربية الوطنية، ومن أهم مميزاته:غياب الحكامة داخل المنظومة التربوية ككل 
باعتبار أن جل مواطن الخلل والتعثر التي باتت شبه هيكلية داخل المنظومة التربوية ككل، رغم أهمية الإنفاق العمومي على القطاع، هو نتيجة الحكامة، البعيدة عن  مبدأ التشاركية المهنية؛ في الدراسة واتخاذ القرار، والتي تعتمدها السياسة التعليمية، على مستويات الوزارة، والأكاديميات الجهوية، والنيابات التعليمية، إضافة إلى ضعف الحكامة التربوية في مختلف المستويات، وهو ما حال دون إرساء آليات لتقويم الفاعلين فيها، وترسيخ مسؤولياتهم؛ بما يمكِّن من تحفيز الجميع على بذل المزيد من الجهود لتحسين أداء المدرسة العمومية.ويبقى مصير المدرسة الوطنية تحديا مجتمعيا بامتياز يسائل المؤسسات الرسمية والهيئات المجتمعية والاقتصادية، وأكيد أن مسؤولية الحكومة قائمة وأضحت مركبة ومعقدة بين ما هو مركزي وجهوي ومحلي.ودون الخوض في التقييمات الرقمية والكمية، نشير إلى أهمية التركيز على تنمية مهارات التلاميذ وصقلها منذ سن مبكرة (ما قبل المدرسة) وتحفيز قدرتهم على تطبيق ما تلقوه من معارف ومدارك، انطلاقا من مؤسسات التعليم الأولي إلى المستوى الجامعي، مع ضرورة الاهتمام بالتوجيه التربوي، لكننا نلاحظ عدم تناسق التعليم الابتدائي والإعدادي والثانوي مع التعليم الجامعي، إضافة إلى عدم ملاءمة التعليم الجامعي مع متطلبات سوق الشغل.والأكيد أن الاهتمام بالعنصر البشري عبر تحفيزه، وتعزيز قدراته وتجويد أدائه بالتكوين المستمر ووضع برامج تربوية تتماشى مع متطلبات العصر شيء ضروري.
 بخصوص قطاع الصحة
باختصار شديد، فما يسري على قطاع التربية والتكوين قد ينطبق على قطاع الصحة، الذي عرف من جهته نموا خارج سياق قواعد ومبادئ التنمية المستدامة والحكامة، بفعل التغييرات الديموغرافية ونمو الوعي وتنامي الفوارق المجالية والاجتماعية، والتي لم يستوعبها القطاع بشكل إيجابي واستباقي.فيما يشوب العرض الصحي الكلي في شقيه العمومي والخصوصي ضعف على مستوى التكامل بين القطاعين، حيث لم يستطع هذا العرض إقامة توازن بين مختلف الجهات والأقاليم فيما يخص الخدمات الصحية الأساسية.وقد خلص تقرير اللجنة الموضوعاتية إلى مجموعة توصيات تهم أساسا تنفيذ الإجراءات والتدابير المتعلقة أساسا بتعزيز حكامة القطاع على المستوى التشريعي والتنظيمي وعلى مستوى تعزيز مبدإ الجهوية إضافة إلى مستوى التفتيش والمراقبة والشراكة والتعاون وكذلك على مستوى تعزيز التواصل مع المواطنين. كما تطرق التقرير لحكامة القطاع على ضوء مخطط 2025.بخصوص المراكز الجهوية للاستثمار
لقد حاول تقرير اللجنة الموضوعاتية رصد وضعية المراكز الجهوية للاستثمار خلال الفترة الزمنية 2009 – 2017 في محاولة للوقوف على أدوارها، وعلى أهم المكتسبات والنتائج المحققة من جانب، ثم العراقيل والصعوبات والاختلالات التي تعرفها، وخلص في الأخير  إلى مجموعة من التوصيات التي تراها اللجنة كفيلة بتطوير أداء هذه المراكز. وجاء الخطاب الملكي الافتتاحي للسنة التشريعية (2016-2017) بعد مرور عقد ونصف تقريبا عن انطلاق نشاط المراكز الجهوية للاستثمار ليحمل إشارات واضحة وصريحة عن نقائص التجربة، كما لخص خطاب العرش لسنة 2017 من جهته أداء المراكز الجهوية للاستثمار في كونها أضحت في مجملها عائقا أمام الاستثمار، بدل أن تكون محفزا وعاملا محوريا للنهوض به – كما أريد لها عند إحداثها في سنة 2003 – لتكون مصدرا لتدفق الرساميل واكتساب الخبرة العلمية والتقنية، إضافة إلى اعتبارها مؤشرا ديناميا عن حيوية المجتمع يؤدي في آخر المطاف إلى زيادة الإنتاج وارتفاع الدخل وامتصاص البطالة.وقبيل إصدار تقرير المجموعة الموضوعاتية في مراحله الأخيرة، قدمت الحكومة جملة مقترحات لإصلاح هاته المراكز، من خلال مشروع قانون رقم 47.18 الذي عرض على المجلس الحكومي المنعقد بتاريخ 12 يوليوز 2018، والذي تضمن مجموعة تدابير تهم إعادة هيكلة المراكز الجهوية وإحداث اللجنة الجهوية الموحدة للاستثمار بجانب تبسيط المساطر والإجراءات المرتبطة بملفات الاستثمار على المستويين الجهوي والمركزي.وبجانب مطلب التعجيل بإصدار ميثاق اللاتمركز الإداري، والإسراع بإخراج الميثاق الجديد للاستثمار، يتعين تفعيل إصلاح المراكز الجهوية للاستثمار وتمكينها من الصلاحيات الضرورية للقيام بدورها كاملا، بهدف الارتقاء بتنافسية المقاولة المغربية وتحفيزها على خلق فرص الشغل المنتجة، وخصوصا لدى المقاولات الصغرى والمتوسطة.
خلاصات
قد يحق لنا هنا أن نعتبر أن تجربة تفعيل المقتضى الدستوري المتمثل في مناقشة وتقييم السياسات العمومية  في تجربتها الثالثة خلال السنوات الأربع الأخيرة قد لامست مرحلة النضج، لكنها ما زالت تعاني، رغم عناصر القوة، من بعض نقط الضعف.ولقد أوكل النظام الداخلي لمجلس المستشارين، الذي كان سباقا لتفعيل هذا المقتضى الدستوري، لمختلف الفرق والمجموعات البرلمانية مهمة اقتراح من يمثلها داخل المجموعة الموضوعاتية المؤقتة، لكن وضع برنامج زمني مضبوط ومحدد لإنجاز مهمتها تعثر على امتداد سنتين تشريعيتين.وكان من المفروض أن تنتهي مهمة اللجنة الموضوعاتية باختتام الدورة التشريعية (2016-2017) ، لكن ظروف تشكيل اللجنة والإكراه الزمني الناتج عن تأخر تشكيل الحكومة، حال دون التدبير المثالي للزمن البرلماني.ولا بد هنا من الإشادة بالتعاطي الإيجابي لمختلف القطاعات الحكومية المعنية مع طلبات المجموعة الموضوعاتية، كما نشيد بمجهودات مختلف الأطر الإدارية للمجلس المواكبة لأشغال المجموعة من أجل توفير رصيد هام من المعلومات والبيانات والوثائق.والكل يجمع على أن تسليط الضوء على القطاعات الثلاث: الاستثمار والتعليم والصحة يؤكد تعثر المخططات والبرامج التي اعتمدتها الحكومة لتدبير المرفق العمومي في هذه المجالات.فقطاع الصحة العمومية ما زال عاجزا عن مواكبة ومسايرة الحاجيات المتزايدة جراء التحولات الديموغرافية والبنيوية الحاصلة في المجتمع بجانب حسن تقدير وعي المواطن… نفس الشيء بالنسبة للتعليم.أما المراكز الجهوية، فهي لم تكن منذ بدايتها مهيأة بالشكل المطلوب، لا على المستوى المؤسساتي ولا التنظيمي، بل انطلقت كأداة تابعة لمراكز العمالات، ثم تحولت إلى شبه وكالات محلية دون أن يوحدها نظام أو برنامج أو أهداف مسطرة واضحة.ورغم التدخلات التي تعرفها ذات المراكز في اتجاه مأسستها وتدعيم أدائها، فإنها لم تؤد إلى أي حصيلة إيجابية تذكر، خصوصا وأنها لا تتوفر على أية صلاحيات واختصاصات، فما بالك باتخاذ القرارات في مجال الاستثمار. لذلك، فإن النتيجة السلبية حتمية ومتوقعة.والأمل كله معقود على هذا النفس الجديد من خلال القانون  47.18 الذي تمت المصادقة عليه.

> عبد اللطيف اعمو

Related posts

Top