خالد الناصري: الدستور وضع مسألة المواطنة والآليات الحداثية للسلطة في قلب إشكالية الانتقال

ناقش جامعيون وخبراء ومسؤولون سياسيون بالمغرب العربي إشكالية المسلسل الديمقراطي بالمغرب العربي وتداعيات المراجعة الدستورية على الحقل السياسي المغاربي. 

وحاول هؤلاء المفكرون خلال ندوة دولية حول “المسلسل الديمقراطي بالدول المغاربية .. إعادة الهيكلة الدستورية وإعادة رسم الحقل السياسي” نظمت يومي 2 و3 فبراير الجاري بمراكش بمبادرة من الجمعية المغربية للقانون الدستوري، إرساء تفكير متجدد بخصوص حصيلة وآفاق المسلسل السياسي الشامل الذي انخرطت فيه بلدان المغرب وتونس والجزائر وموريتانيا.

وتساءلوا في هذا السياق، حول الآفاق المفتوحة أمام البلدان المغاربية بعد الانتقال الدستوري الذي يشكل نقطة هامة في مسلسل انتقالي يرتكز على إعادة تحديد الريادة السياسية وتوزيع السلط وهيكلة الحقل السياسي والانتاج الحكومي والبرلماني من خلال دينامية نظام تعددي قوامه انتخابات ديمقراطية.

وأوضح المشاركون، في هذا الصدد، أن إرساء مسلسل ديمقراطي حقيقي يتطلب، بالأساس، بناء توازنات اجتماعية وسياسية أكثر استقرارا، علاوة على بناء توازن بين الإنتاج والاستهلاك والتقليص من الفوارق الاجتماعية وتحقيق عدالة اجتماعية.

وعلى المستوى الثقافي والإيديولوجي، أكد المشاركون أنه يتعين على بلدان المغرب العربي أن تنجح في تجديد العقليات وأن تعطي زخما للجانب الإبداعي والابتكاري للمفكرين والمسؤولين السياسيين.

وأكد رئيس الجمعية المغربية للقانون الدستوري عبد العزيز لمغاري، أن الدينامية التي عرفتها البلدان المغاربية ما بعد الربيع العربي شكلت مناسبة هامة لإعادة تحليل المسلسل الديمقراطي بالمنطقة.

وأضاف أن هذه الديناميات من شأنها أن تشكل، بطريقة متفاوتة حسب البلدان، مناسبة للقيام بهذا التحليل الديمقراطي، أخذا بعين الاعتبار الإيديولوجيات والمنهجيات.

وفي هذا السياق، أوضح عبد العزيز لمغاري أن “الحيطة من الانتقال الديمقراطي كتصور ومقاربة، ولكن أيضا كممارسة للسلطات، لا تعني بالضرورة عدم الثقة تجاه الديمقراطية كقيم ونظام. وهو نهج قابل لصياغة أسئلة ملحة حول المسارات الديمقراطية بالمنطقة المغاربية وإدراك وفهم الطابع المعقد لهذه المسارات”.

من جهته، أبرز خالد الناصري، الأستاذ بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بالدار البيضاء، وعضو الجمعية المغربية للقانون الدستوري، أن موضوع الساعة في الفضاء المغاربي هو إنجاز عملية الانتقال الديمقراطي التي انطلقت أطوارها الأخيرة مع رياح ما يسمى “بالربيع العربي” وذلك من خلال تحديث عملية بناء دولة القانون والمؤسسات العصرية بالموازاة مع إقرار مواطنة جديدة تقوم على تبني قيم وميكانيزمات الحقوق والواجبات.

وفي هذا السياق، يضيف خالد الناصري، يبدو الدستور مبدئيا كعنصر تأطير أساسي من خلال وضعه لمسألة المواطنة والآليات الحداثية للسلطة في قلب إشكالية الانتقال.

أما بالنسبة لحسن جماعي الأستاذ بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بطنجة وعضو الجمعية المغربية للقانون الدستوري، فأشار إلى أن هذه التظاهرة تندرج في إطار دراسة الدساتير لما بعد ما يعرف بـ “الربيع العربي” بالمنطقة المغاربية ورصد مختلف التطورات على مستوى العلاقات بين السلطات من خلال بناء دولة القانون وكذلك التمثيلية السياسية وخاصة الديمقراطية التشاركية.

ومن جانبه، اعتبر مصطفى السحيمي، المختص في علم السياسة والأستاذ بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بالدار البيضاء، أنه “بالمغرب العربي يستمر دائما هذا التساؤل : إلى أين وصل البناء الديمقراطي؟”، مؤكدا أن كل بلد، وتبعا لإكراهات معينة، يعمل على تقديم إجابة لهذا السؤال.

وتساءل عما إذا كانت الإصلاحات المنجزة بالمغرب العربي من شأنها تعزيز دولة القانون وتوطيد المبدأ الديمقراطي وتطبيقاته ومن ثم إرساء أسس ونطاق انتقال ديمقراطي مستدام.

وفي مداخلة تحت عنوان “الانتقال الدستوري بالجزائر: مسلسل إصلاحات مستمر”، استعرض بشير يليس شاوش، الأستاذ بجامعة وهران2، الدساتير التي عرفتها الجزائر منذ 1962 إلى 1989 ومختلف التعديلات المنجزة في 1996 و2002 و2008 و2016.

وأشار في هذا الصدد، إلى أن التعديلات الدستورية تستجيب لضرورة ملحة تتمثل في الحد من السخط الشعبي على قدر المستطاع بإدراج المطالب المعبر عنها في الدساتير.

وأبرز أن الجزائر شهدت دساتير وإصلاحات دستورية مختلفة، متسائلا “عما إذا كان بالإمكان الحديث عن الانتهاء من بناء دستوري للدولة أم لازلنا في مرحلة طويلة لتحقيق الانتقال”. ويبقى السؤال الرئيسي المطروح بالجزائر، على حد قوله، هو “انتقال نحو ماذا؟ وأي نموذج للانتقال؟”.

بدورها، أوضحت أسماء غاشم، الأستاذة بكلية الحقوق بقرطاج بتونس، أن الانتقال الدستوري يحيل على الانتقال من نظام مؤسساتي إلى آخر ويبدأ بقرار تغيير الدستور لينتهي بصدور دستور جديد.

وأشارت إلى أن تونس عرفت مرحلتين وهما “الانتقال الدستوري” منذ 2011 و”دستور انتقالي” منذ 27 يناير 2014 تاريخ صدور الدستور الجديد، مضيفة أن هذه المرحلة لم تكتمل بعد لأنه لازالت تطبق في تونس وإلى حدود اليوم المقتضيات الانتقالية لدستور 2014.

واعتبرت أن تحليل الانتقال الدستوري والدستور الانتقالي لا يمكن أن يتوقف عند سرد الأحداث التي واكبت هذا التغيير الدستوري ولكن يتعين بالأساس، مناقشة أسباب هذا التغيير وبشكل أوضح الرغبة في هذا التغيير.

وتروم هذه الندوة التي عرفت مشاركة أساتذة ومختصين من البلدان المغاربية وفرنسا وإسبانيا، مناقشة مختلف التطورات الدستورية أخذا بعين الاعتبار حركة التطور والنكوص التي عرفتها بعض الدول، والخروج بخلاصات للوقوف عند مجموعة من الاشكاليات حول تطبيق الدساتير المغاربية.

وتناول المشاركون في هذه الندوة مواضيع همت على الخصوص “دولة الحق والعدالة الدستورية” و”الانتقال الديمقراطي” و”الديمقراطية.. مقاربات وديناميات” و”الديمقراطية التشاركية”.

Related posts

Top