دراسة البرنامج الحكومي في البرلمان

مناقشة البرنامج الحكومي في أفق التصويت عليه من لدن المؤسسة التشريعية ومنح الثقة للحكومة، من الطبيعي أن تشهد مواقف داعمة وأخرى معارضة، وذلك بحسب تموقع الأحزاب والتيارات واصطفافها ضمن الأغلبية أو في المعارضة.
لكن في حالتنا المغربية، وخلال المناقشات التي شهدتها غرفتا برلماننا هذا الأسبوع، فلم يلفت هذا التمايز الانتباه، ولكن شيئين جوهريين أخريين توقف عندهما المراقبون، ويهمان المضامين والأفكار، وأيضا زوايا النظر والمقاربة.
بالنسبة للجانب الأول، إذا استثنينا بعض التحليلات والمرافعات المطلبية المتضمنة في تدخلات بعض الفرق والمجموعات، فإن ما طغى كان هو الخطاب السياسي العام، ومن ثم، فقد غاب الكلام عن الأرقام والنسب والمخططات، ولم نسمع اختراقات كبرى على صعيد نقد السياسات العمومية وطرح بدائل مدروسة.
هنا مثلا كان على من انتقد إصلاح المقاصة والتقاعد والتغطية الصحية أن ينتهز فرصة المنبر البرلماني ودراسة البرنامج الحكومي ليعرض للناس بدائله الناجعة والواقعية ويترافع حولها، ومن ثم لتكون هذه اللحظة مناسبة لبلورة تفكير وطني جماعي شجاع حول حل أزماتنا ومعضلاتنا الوطنية المختلفة.
لقد حضرت بالفعل إشارات هنا وهناك عبر تدخلات بعض الفرق والمجموعات تستحق التقدير والاهتمام، ولكن بصفة إجمالية برز بشكل كبير المتن السياسي في التدخلات، وحضرت الصياغة الترافعية والوصفية والمطلبية.
أما الجانب الثاني، الذي كان لافتا على مستوى عديد تدخلات، فهو أنها بقيت رهينة السياق السياسي العام الذي أنتج تركيبة الأغلبية الحالية، وأفضى إلى تشكيل الحكومة، وبالتالي، فقد دفع هذا الارتهان بعض الفرق إلى أن تناقش هذا السياق وتذكر بمواقفها السياسية العامة بدل أن تناقش محاور وتوجهات البرنامج الحكومي المعروض عليها.
وهكذا تابعنا تدخلات فرق رغم أنها من ضمن مكونات الأغلبية فهي توجه انتقاداتها إلى الحزب الذي يترأسها وأمينه العام، وأخرى تتوعد رئيس الحكومة بأن تجعل أي لقاء معه بحضور وسائل الإعلام كشهود، وثالثة تنتقد تحالفاته واختياراته في تكوين أغلبيته، وبين هذه وتلك لم تعد الفروق واضحة كثيرا بين من يساند ومن يعارض.
يمكن اعتبار كل هذا عاديا بحكم السياق الذي نعرفه كلنا ومخلفاته الحزبية والنفسية، ولكن سيكون من باب العبث فعلا الاستمرار في هذا الالتباس مستقبلا، وتحويل جلسات البرلمان إلى ملاسنات ومواجهات عقيمة، كما كان يحدث أثناء الولاية السابقة.
فرق الأغلبية يجب أن تتحمل مسؤوليتها، وأن تحرص على تمتين انسجامها وتعاونها لإنجاح مهمتها على صعيد الحكومة والبرلمان معا، وفِي المقابل يجب أن تتمثل المعارضة كامل مقومات السلوك الجاد والمسؤول، عبر الانتقاد وطرح البدائل، ومن ثم أن ينخرط الكل، أغلبية ومعارضة، في العمل للارتقاء بمضمون الحوار السياسي العام في بلادنا وداخل البرلمان.
مع ذلك، لا بد أن نسجل أهمية بعض التدخلات، على قلتها، التي ميزت مناقشات البرنامج الحكومي، وأن نتمنى النهوض بمستوى أداء المؤسسة التشريعية بغرفتيها، وتعزيز جودة الإنتاجية التشريعية والرقابية والدبلوماسية، وأن يستعيد البرلمان مصداقيته العامة لدى الناس.

محتات‭ ‬الرقاص

[email protected]

Related posts

Top