فارس يتوعد السماسرة داخل المحاكم

توعد مصطفى فارس، الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، والرئيس الأول لمحكمة النقض، المستهترين والسماسرة المتاجرين بمشاكل المواطنين وهمومهم داخل المحاكم، مؤكدا على مكافحة جميع مظاهر الفساد ومواجهة كل منافذ الاختلال والتسيب، داعيا القضاة والمسؤولين القضائيين إلى الالتزام بالقيم الأخلاقية والواجبات القانونية، والعمل على صون حرمة وهيبة للمحاكم التي يخضع الولوج إليها إلى ضوابط وقواعد يتعين احترامها.
وشدد مصطفى فارس، في كلمة ألقاها خلال افتتاح السنة القضائية برسم 2020، والتي تعد تقليدا رسميا، على أن المجلس بقدر حرصه على تكريس قواعد المحاسبة والمسؤولية، فإنه سيتصدى بنفس الجدية لكل الشكايات الكيدية التي تستهدف فقط التشهير أو التشويش أو التأثير على حياد القضاة واستقلاليتهم.
وأعلن فارس، في هذا الصدد المجلس، عن اعتماد معايير الأخلاق والسلوك المهني المتميز كمرجعيات أساسية في ترقية وتعيين عدد هام من القضاة في مختلف الدرجات والرتب، كاشفا عن مراسلته للحكومية من أجل التفعيل السريع والأمثل للمراسيم المتعلقة بتعويضات القضاة وتحسين ظروفهم المادية والاجتماعية، على اعتبار أن هذا الجانب يعد المدخل الأساسي للتحصين وللتكريس الفعلي لاستقلال والتخليق.
وكشف الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية عن قرب إقرار مدونة الأخلاقيات المهنية الجديدة والتي ستكون من الآليات الأساسية لضبط الممارسة المهنية وجعلها أكثر نجاعة وشفافية ومسؤولية، داعيا الجسم القضائي من جهة، إلى الالتزام بواجب التحفظ، والمسؤولين القضائيين على مستوى مختلف محاكم المملكة، ومن جهة أخرى، إلى جعلها نماذج لإدارة قضائية ناجعة وفضاءات لإنتاج عدالة سريعة متطورة، وعدم التساهل مع المستهترين والسماسرة المتاجرين بمشاكل المواطنين وهمومهم داخل المحاكم.
وأفاد أن المجلس قام بتعيين 72 مسؤولا قضائيا من رؤساء أولين ووكلاء عامين ورؤساء محاكم ووكلاء للملك بمناصب جديدة، حيث بلغت نسبة تجديد المسؤولين 33 في المائة، كما تم تعيين نواب للمسؤولين القضائيين قصد دعم عملهم المعقد وخلق نواة لخلف مؤهل لتحمل المسؤولية في المستقبل، مبرزا أن المجلس “بقدر دعمه لمؤسسة المسؤول القضائي كقائد لفريق العمل بدائرته القضائية، بقدر ما عمل على دعم المحاكم بجيل جديد من القضاة ، حيث قام سنة 2019 بضخ دماء جديدة من خلال تعيين 160 من القضاة الجدد المنتمين للفوج 42 بمختلف محاكم المملكة”.
وأفاد أن قضاة الحكم بالمملكة يبلغ عددهم 2851 قاضيا، أصدروا سنة 2019 ما يفوق 3 ملايين و162 ألف حكم، فيما بلغ متوسط المحكوم سنويا بالنسبة لكل قاض 1113 حكما بزيادة ملموسة مقارنة مع السنة الماضية، مضيفا أن حرص المجلس على تثمين العنصر البشري، حيث مكن من الاستفادة من الدورات التكوينية، لنحو 30 مسؤولا قضائيا بالمحاكم الابتدائية، و257 قاضيا مكلفا بالتحقيق و67 قاضيا في جرائم الاتجار بالبشر، و20 قاضيا في قضايا جرائم الأموال، و25 قاضيا في مخالفات قانون السير، و20 قاضيا في جرائم الفساد وحماية المال العام، و15 قاضيا في جرائم المخدرات و26 محافظا قضائيا و5 أمناء.
وفي السياق ذاته، شكلت مناسبة الافتتاح السنوي للسنة القضائية برسم 2020، فرصة كشف فيها الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية على العمل الحثيث الذي تم القيام على درب الاستقلال الحقيق للسلطة القضائية، قائلا: “لقد كانت سنة 2019 محطة جديدة في مسار التأسيس والبناء المؤسساتي والقيمي للسلطة القضائية كسلطة مستقلة، وبناء علاقات مسؤولة واضحة مع باقي السلط وتحديد مجالات التعاون وتدبير التوازن بينها بما يكفل استقلالا حقيقيا للسلطة القضائية في بعديه الفردي والمؤسساتي.”
وقدم فارس، في كلمة ألقاها بالمناسبة والتي تعد تقليدا رسميا، تصور المجلس الأعلى السلطة القضائية، لهذه الاستقلالية التي تم العمل عليها بشكل حثيث، قائلا” إنها ليست هدفا في حد ذاتها، بل ركيزة لضمان الحقوق وصون الحريات ورد المظالم ومكافحة الفساد وتحقيق الأمن القضائي والمساهمة في بناء المغرب الجديد في سياق عالم متحول بقيم وعلاقات معقدة متغيرة متسارعة، “مغرب الحرية والكرامة والمساواة والمواطنة و التنمية الشاملة، والنموذج والتميز”.
وأعلن في هذا الصدد عن مضامين الإستراتيجية المندمجة الشمولية التي اعتمدها المجلس لتنزيل هذا التصور الذي يتوزع على عدة أوراش، إذ حسب مضمون كلمة الرئيس المنتدب، فإنه فضلا عن ورش التخليق وورش تعزيز الحكامة المؤسساتية العمومية، هناك ورش تكريس الضمانات وتطبيق المعايير، إذ أن “تكريس استقلال السلطة القضائية في بعده الفردي يرتكز في العديد من مداخله على تكريس الضمانات الدستورية والقانونية المخولة لفائدة القضاة وتتبع مساراتهم المهنية وتدبير ملفاتهم الإدارية وتلقي شكاياتهم وتظلماتهم بفعالية وحرص ومسؤولية”، حسب تعبير الرئيس المنتدب.
من جانبه، اختار محمد عبد النبوي، الوكيل العام للملك بمحكمة النقض، رئيس النيابة العامة، في كلمة ألقاها في افتتاح هذه السنة القضائية، أن يذكر بأن المناسبة تصادف إتمام مؤسسة رئاسة النيابة العامة السنة الثانية من عمرها كمؤسسة مستقلة، تنتسب إلى السلطة القضائية الموحدة وفق أحكام الدستور ومقتضيات القانون، معلنا أن الكثير من الجهود تم بذلها من أجل إرساء قواعد “نيابة عامة مواطنة” قريبة من انشغالات المواطنين، مصغية لهم وتتفاعل مع الأحداث التي تستأثر باهتمامهم، وفقا للتعليمات الملكية .
واستطرد بالقول، أن “المرحلة تقتضي المزيد من الجهد، داعيا قاضيات وقضاة النيابة العامة إلى الانخراط في صياغة نموذج متطور للنيابة العامة، توفر للمواطن سهولة الولوج إلى العدالة، والانفتاح على المحيط، والتواصل الإيجابي، ومحاربة كل مظاهر الفساد بالحرص المستمر على تطبيق القانون بفعالية ونجاعة”.
وفي المقابل جدد الوكيل العام للملك بمحكمة النقض، دعوته للحكومة والبرلمان، من أجل النظر في وضع معايير قانونية موضوعية للطعن بالنقض الذي يثقل كاهل الهيئة القضائية بهذه المحكمة،مقترحا أن يصبح الاقتصار على استعماله على القضايا الهامة فقط أو تخضعه لشروط موضوعية تمنع استعماله جزافاً، مثل إخضاعه لرسم مالي لا يتم استرداده في حالة عدم قبول الطعن أو رفضه.

فنن العفاني

تصوير: رضوان موسى

Related posts

Top