ممثلون عن مؤسسات دستورية وعن المجتمع المدني يقيمون دور وأداء المجلس الأعلى للسلطة القضائية

نظمت الشبكة الأورومتوسطية للحقوق وجمعية عدالة، بتعاون مع شركاء الشبكة بالمغرب، ندوة حول ” تقييم دور وأداء المجلس الأعلى للسلطة القضائية”، بمشاركة عدد من المؤسسات الدستورية وممثلين عن المجتمع المدني.
استهلت أشغال الندوة بكلمة افتتاحية للمنظمين، حيث قالت جميلة السيوري رئيسة جمعية “عدالة”، إن تنظيم هذه الندوة يندرج في إطار الدورة السابعة لمجموعة “عمل إصلاح العدالة” حول موضوع تقييم أدوار وأداء المجلس الأعلى للسلطة القضائية بالمغرب، والهدف منها هو فتح نقاش بين فاعلين أساسيين حقوقيين وحكوميين مؤسساتيين وسياسيين ودوليين الذين شاركوا في مسلسل إصلاح القضاء بالمغرب وساهموا في دعمه، ودعم إصلاح منظومة العدالة ككل في بلادنا، وواكبوها باقتراحاتهم وملاحظاتهم كل المحطات الأساسية ذات الصلة.
وأكد وديع الأسمر رئيس الشبكة الاورومتوسطية للحقوق، أن هدف الشبكة هو دعم المجتمع المدني في بناء أواصر الحوار والتفاوض مع ثلاث مكونات أساسية هي السلطات الحكومية والمؤسسات والمجتمع المدني والاتحاد الأوربي كداعم للإصلاحات بالمغرب.
انطلقت الجلسة الأولى المخصصة لموضوع “مأسسة السلطة القضائية تقييم آفاق وتحديات” بمداخلة للدكتور محمد الخضراوي رئيس شعبة الاتصال المؤسساتي بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية حول موضوع “المجلس الأعلى للسلطة القضائية بالمغرب أدوار وحصيلة” قال فيها: “ننظر إلى حصيلة المجلس بكثير من الاعتزاز رغم قصر المدة وحجم الاكراهات التي واجهت التجربة خلال المرحلة التأسيسية”، وأضاف أن “عملية التقييم تقتضي التوفر على معطيات والتعامل معها بموضوعية ومراعاة مجموعة من السياقات مند صدور دستور 2011 إلى الآن”، مؤكدا أن “المجلس بصدد بناء أرضية صلبة وقد واجهته عدة تحديات ترتبط بالذهنيات وتغيير عقليات وممارسات وضبط علاقات وتحديد مجالات مع استحضار ضرورة الفصل والتعاون والتوازن”.
واستعرض الدكتور محمد الخضراوي بعض ملامح التجربة الإيجابية التي حققتها المؤسسة رغم قصر هذه المدة، وذلك عبر عدة أوراش، خلال هذه المرحلة التأسيسية أهمها:
– الهيكلة والحكامة المؤسساتية : حيث عمل المجلس على تعزيز موارده البشرية باستقطاب أجود الكفاءات من داخل الجسم القضائي وخارجه؛
– تكريس الضمانات وتطبيق المعايير بخصوص المسارات المهنية للقضاة، وفي هذا السياق، أفاد المتحدث بأنه تم تغيير 60 بالمائة من المسؤولين القضائيين، وهو ما ينم عن وجود دينامية إصلاحية، وإقحام الشباب والنساء، وتكريس التباري عن المناصب وإخضاع المسؤولين القضائيين لتكوين خاص وتنظيم حفلات رسمية لتنصيبهم بحضور كبار مسؤولي الدولة لإعطاء قيمة لتنصيب المسؤول القضائي في دائرته القضائية.
– التخليق وإعداد مدونة السلوك: أشار المتدخل إلى أن المجلس قام بإعداد مدونة سلوك، توجد في محطتها النهائية بعد استشارة الجمعيات المهنية القضائية، وهي أرضية مهمة لتعزيز النزاهة داخل المنظومة الإصلاحية، مؤكدا أن الجسم القضائي يبقى من أكثر المؤسسات صرامة في التعامل مع الحالات الشاذة للفساد داخله وفق الضمانات القانونية.
وبخصوص الشكايات التي يتوصل بها المجلس، أفاد أنها عرفت تراجعا، وأنها لا تخص فقط القضاة وإنما كل مهنيي العدالة، وبعضها مكرر.
– التواصل: أكد اهتمام المجلس بالتواصل الداخلي والخارجي حيث حرص على تخصيص رواق سنوي داخل المعرض الدولي للكتاب بالدار البيضاء وقد قام أزيد من 13 ألف طالب بزيارة محكمة النقض للاطلاع على القرارات المنشورة وغير المنشورة.
واختتم مداخلته بالإشارة إلى مجموعة من الآراء التي أصدرها المجلس حول عدد من مشاريع القوانين باعتباره قوة اقتراحية داعيا المشرع إلى التفاعل معها، وقال بهذا الشأن “للأسف الكثير من مقترحات المجلس لا يؤخذ بها”.
وقدم سعيد بنعربية مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال افريقيا للجنة الدولية للحقوقيين، مداخلة حول موضوع “ضمانات استقلال السلطة القضائية”، قال فيها أن “دور المجالس العليا للقضاء في ضمان استقلال القضاء يتبلور عبر ثلاث محاور أساسية، وهي:
– الاستقلال المالي والإداري؛
– ضمانه لاستقلال القضاء من خلال ممارسته اليومية في الشأن القضائي
– ضمانه لاستقلال القضاء على مستوى تدبير الوضعية الفردية للقضاة.
وبخصوص تجربة المغرب، أفاد أن القوانين الجديدة تضمنت عدة مكتسبات لتكريس الاستقلال المؤسساتي للسلطة القضائية بإبعاد وزير العدل عن تشكيلة المجلس الأعلى للسلطة القضائية، وضمان الاستقلال الإداري والمالي للمجلس، موضحا بأن بعض التجارب الدولية الفضلى تعطي للمجالس العليا للقضاء المشاركة في وضع موازنة السلطة القضائية ككل والمشاركة في تنفيذها لتعزيز هذه الاستقلالية.
وبخصوص الجانب التأديبي، أشار المتدخل إلى عدة مكتسبات تحققت مؤخرا على مستوى تقوية حقوق دفاع القضاة أمام المجلس خلال المرحلة التأديبية بتكريس حق الاطلاع ونسخ جميع وثائق الملف التأديبي والحق في المؤازرة من طرف محام، وإمكانية الطعن في القرار التأديبي الصادر في حقهم، مؤكدا أن الطعن لا ينبغي أن يقتصر على حالة الشطط في استعمال السلطة، وإنما يشمل أيضا حالات الخلل في الإجراءات، عدم كفاية الأدلة والتطبيق السليم للقانون.
كما تطرق سعيد بنعربية لحق القضاة في التعبير ولاحظ في هذا السياق أن “عدد من المفاهيم التي تشكل أساس المتابعة التأديبية للقضاة كالخروج على واجب الوقار أو الحياد أو التحفظ، هي مفاهيم فضفاضة غير واضحة”، مؤكدا أن “مبدأ الشرعية التأديبية يقتضي ضرورة تعريفها بشكل واضح في القانون”، وأضاف أنه “أمام غياب تعريف واضح لهذه المفاهيم، وأمام عدم صدور مدونة للأخلاقيات القضائية تتضمن الأمثلة العملية، وأمام عدم نشر مبادئ القرارات التأديبية، كيف يمكن للقضاة أن ينظموا سلوكهم بشكل يجعلهم يعرفون مسبقا ماهي الحالات التي تعتبر إخلالا بموجب التحفظ أو الوقار أو الحياد؟”.
وتوقف سعيد بنعربية أيضا في مداخلته الى موضوع إحالة عدد من القضاة على التأديب بسبب حديثهم عن وجود الفساد بشكل مجرد ودون تحديد أشخاص بعينهم، مؤكدا أن “تعاطي القضاة مع مواقع التواصل الاجتماعي يبقى إشكالا مطروحا في عدد من بلدان العالم ولا يخص المغرب فقط، غير أن التجارب الفضلى لا تتجه إلى التقنين وإنما تتجه إلى وضع الحدود بشكل يحترم حق الجمعيات في التعبير وتقديم مطالب مهنية والدفاع عنها وضمان حق القضاة في التعبير الفردي”.
وتواصلت أشغال اللقاء بجلسة ثانية خصصت لموضوع “مأسسة استقلال السلطة القضائية تقييم وآفاق وتحديات”.
استهلت بمداخلة الدكتور هشام بلاوي الكاتب العام لرئاسة النيابة العامة حول موضوع “استقلال النيابة العامة دعامة أساسية لاستقلال السلطة القضائية”، انطلق فيها من أن جانبا كثيرا من النقاش الذي صاحب إحداث رئاسة النيابة العامة في شق كبير منه كان مغلوطا بسبب عدم الاطلاع على كثير من النصوص، منتقدا الأصوات المروجة لفكرة تغول النيابة العامة، حيث أفاد في هذا الصدد أن النيابة العامة تشتغل طبقا للقانون، ولأول مرة تطرق دستور 2011 لوضعية قضاة النيابة العامة حينما أكد أنهم يطبقون القانون والتعليمات القانونية الكتابية الصادرة عن السلطة التي يتبعون إليها، كما إن ظهير تعيين السيد رئيس النيابة العامة تضمن في إشارة لافتة تعليمات وحدد مهام حماية النظام العام والأمن في إطار من التلازم بين الحقوق والواجبات. مؤكدا في هذا السياق أن “أخطر قرار يمكن أن تتخذه النيابة العامة وهو قرار سلب الحرية يبقى قرارا وقتيا، خاضعا لرقابة القضاء الجالس، فالنيابة العامة إن أصدرت أمرا بإيداع شخص في السجن يمكن للمحكمة في أول جلسة إصدار قرار تمتيعه بالسراح”.
وأشار المتحدث أن رئاسة النيابة العامة لا تصدر تعليمات في ملفات معينة، وإنما تصدر تعليمات عامة في مناشير ودوريات توضع رهن إشارة العموم عبر موقعها الرسمي، وقد تم تجميعها في مؤلف واحد، كما يتم توزيعها على كافة وسائل الإعلام، مستعرضا جانبا من حصيلة عمل مؤسسة رئاسة النيابة العامة خلال هذه المرحلة التأسيسية.
واختتم مداخلته بالتأكيد على أن “رئاسة النيابة العامة هي مكون أساسي من مكونات السلطة القضائية التي أصبح لها جناحان يتمثلان في المجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة”.
وقدم الدكتور أنس سعدون مستشار رئيسة المجلس الوطني لحقوق الانسان مداخلة حول “مقاربة النوع الاجتماعي من خلال عمل المجلس الأعلى للسلطة القضائية الواقع والآفاق”، انطلق فيها من المكتسبات التي تحققت في ظل دستور 2011 لتعزيز استقلال السلطة القضائية بعد نضال كبير ساهم فيه المجلس الوطني لحقوق الإنسان ومن قبله المجلس الاستشاري وهيأة الإنصاف والمصالحة والمجتمع المدني والجمعيات المهنية وعدد من الفاعلين الوطنيين والدوليين.
وأضاف أن اعتماد نظام الحصص (الكوطا) مكن ولأول مرة في تاريخ القضاء المغربي من وصول المرأة القاضية لعضوية المجلس الأعلى للسلطة القضائية عن طريق الانتخاب، حيث انتخبت ثلاث قاضيات، اثنتين منهن عن المحاكم الابتدائية، وواحدة عن محاكم الاستئناف، وأضحى بذلك المجلس يضم في عضويته 5 نساء، ثلاثة منهن قاضيات منتخبات، وعضوة من بين خمس أعضاء يعينهم الملك، ورئيسة مؤسسة دستورية، أي بنسبة 25%، كما تمكنت المرأة المغربية ولأول مرة من مزاولة منصب قاضية للتوثيق على مستوى المحاكم المغربية.
وذكر الدكتور أنس سعدون بأن المقررة المعنية باستقلال القضاء خصصت تقريرا كاملا لموضوع “نوع الجنس والسلطة القضائية”، خلص لأهمية إنشاء سلطة قضائية تراعي مقاربة النوع الاجتماعي، وهو ما يفرض تمثيل النساء بشكل كاف للرجال، وتهيئة الظروف اللازمة لإعمال المساواة بين الجنسين داخل المرفق القضائي، كما أوصت بإجراء دراسة بشأن التمثيل الكافي للمرأة داخل السلطة القضائية.
ووقف الدكتور أنس سعدون على واقع الاحصائيات المتعلقة بعدد القاضيات المعينات في مناصب المسؤولية القضائية، فرغم أن عدد القاضيات تجاوز الألف من مجموع ما يزيد عن 4000 قاض وقاضية، فإن وصول النساء إلى مراكز صنع القرار ما يزال ضعيفا، وبلغة الأرقام أفرزت نتائج الدورة الاستثنائية لسنة 2017 تعيين 19 مسؤولا، بينهم ثلاث قاضيات.
وأفرزت نتائج الدورة الأولى لسنة 2018 عن تعيين 20 مسؤولا، بينهم امرأة واحدة.
وبخصوص نتائج الدورة العادية لسنة 2019 فقد أفرزت تعيين 32 مسؤولا قضائيا، بينهم قاضيتين فقط، مؤكدا أنه تم تسجيل انخفاض بلغ 0.8 نقطة مقارنة مع سنة 2016، أي قبل سنة من تنصيب المجلس، وقد حاول تقديم بعض الفرضيات لهذا الانخفاض منها وجود اعتقاد -قد لا يكون صحيحا بالضرورة- بعدم رغبة النساء القاضيات في شغل مناصب المسؤولية بسبب الالتزامات العائلية، أو عدم تقديم إحصائيات للخريطة القضائية تدرج مقاربة النوع الاجتماعي،أوعدم نشر نتائج المقابلات المتعلقة بالتباري على مواقع المسؤولية، أوعدم إلزام المسؤولين القضائيين بمراعاة بعد النوع في مقترحاتهم لأسماء القضاة المكلفين ببعض المهام كنائب المسؤول القضائي أو المهام الأخرى كالتوثيق والتحقيق وتطبيق العقوبة، أوفرض شروط إضافية لا تراعي بعد النوع من بينها شرط الأقدمية أو سبقية ممارسة مهام المسؤولية، داعيا إلى إعداد دراسة مفصلة حول هذا الموضوع.
واختتم حديثة بأن دستور 2011 وما نص عليه الفصل 19 من إقرار مبدأ المساواة بين الجنسين، وما نص عليه القانون التنظيمي للمجلس من ضرورة مراعاة مبدأ السعي نحو المناصفة هي مبررات تقوي فرص إدماج مقاربة النوع الاجتماعي داخل السلطة القضائية، داعيا إلى نشر جميع الآراء الاستشارية التي يصدرها المجلس في إطار تنزيل الحق في النفاذ إلى المعلومة، وإتمام ورش إصلاح القوانين ذات الصلة بالقضاء بإخراج قانون جديد للتفتيش القضائي ومراجعة قانون المعهد العالي للقضاء.
وقدمت الأستاذة لبنى فريالي عضوة المكتب التنفيذي لنادي قضاة المغرب تعقيبا ضمن أشغال اللقاء تمحور حول دور المجلس في تخليق منظومة العدالة وتكريس الأخلاقيات القضائية، حيث تساءلت عن مدى وجود دور للمجلس يمكن تعزيزه خارج مسار الملفات والمساطر التأديبية، من خلال الاهتمام بالتكوين والتكوين المستمر والإشراك الواسع للجمعيات المهنية القضائية في محطة إعداد وصياغة مدونة السلوك القضائي وإطلاق مشاورات واسعة بشأنها، متوقفة عند طريقة التعاطي مع ظاهرة الإشاعات، ومردها عدم التواصل، حيث أكدت أن أحسن طريقة لمواجهة الإشاعة هو الاهتمام بالتواصل المؤسساتي لرفع منسوب الثقة، مؤكدة على الدور الذي تقوم به الجمعيات المهنية القضائية والمستمد من المعايير الدولية ومن الوثيقة الدستورية.
وقدم الدكتور محمد مفيد عضو جمعية عدالة، تعقيبا ضمن أشغال الندوة أوصى فيه بضرورة تكريس حماية أكبر لأعضاء المجلس الأعلى للسلطة القضائية من القضاة المنتخبين بعد انتهاء مدة ولايتهم.
أشغال الندوة عرفت أيضا مداخلة أنس الحمادي رئيس جمعية القضاة التونسيين، الذي أعطى فيها لمحة عن مسار إصلاح القضاء مسلطا الضوء على القواسم المشتركة بين البلدين، ووجود نقاش حول عمل المجلس الذي لم يضع بعد نظامه الداخلي، فضلا عن إشكالية الحق في التعبير مؤكدا أن مناقشة هذا الموضوع ينبغي أن تتم في معزل عن المسار التأديبي أي من خلال ورش إعداد مدونة السلوك وتكوين القضاة والملحقين القضائيين مثمنا أهمية التعاون بين الجمعيات المهنية للقضاة ومكونات المجتمع المدني وكافة المؤسسات والفاعلين في البلدين والاستفادة من التجارب لاستخلاص الدروس والعبر.

بيان اليوم

Related posts

Top