من أجل ترشيد البناء الديمقراطي والمؤسساتي في المغرب

قام عدد من المثقفين والكتاب والمفكرين المغاربة والعديد من الفاعلين السياسيين والمدنيين، بتوقيع نداء في أفق الاقتراع التشريعي ليوم 7 أكتوبر، تحت عنوان “من أجل ترشيد البناء الديمقراطي والمؤسساتي”، وهو بمثابة دعوة للقوى السياسية كافة إلى الارتفاع بسلوكها إلى مستوى التطلّع الوطني العام إلى تمتع البلاد بمؤسسات تمثيلية وديمقراطية صحيحة ونزيهة.. في ما يلي النص الكامل للنداء.

***

يخوض المغاربة في سابع أكتوبر 2016، غمار الاستحقاق التشريعي الذي يدشن الولاية الثانية لمجلس النواب في المعمار البرلماني المغربي، بعد إقرار دستور يوليوز 2011. وتنطوي عملية ترجمة هذا الاستحقاق على اختبار دقيق للحصيلة المرحلية في سياق الإصلاح السياسي-الديمقراطي وتوطيد بنيته التحتية والمؤسساتية.
وفي أفق إنجاز هذا الاستحقاق الحيوي تعتري قطاعات واسعة من المواطنين والمواطنات مشاعر تتراوح بين الارتياب والتفاؤل، بين اليقين والشك، إزاء شروط وملابسات إنجاز هذا الاستحقاق التشريعي، لجهة توفّره على منسوب معقول من السلامة والنزاهة، الكفيلتين بضمان مصداقية وفعالية وإنتاجية المؤسسة التمثيلية المنتخبة.
ولعل من بواعث حالة التوجّس والارتياب التي تنتاب الرأي العام بمناسبة كل استحقاق اقتراعي، ما بات ماثلا من مفارقة متفاقمة ما بين الخيارات الديمقراطية المقررة والتوجهات السياسية المسطرة من جانب، وتهافتات الفعل السياسي في الميدان من جانب آخر، بما يطبعه من هفوات في الخطاب المتداول، ومن هجانة في التحالفات الحزبية المتقلّبة التي لا تحكمها برامج مجتمعية واضحة، ومن انتهاك لحرمة التصويت، بفعل شيوع تقنيات شراء الذمم والأصوات.
وتشي هذه الظواهر السلبية التي تنال من روح الدستور، وتلتف على مقتضيات القانون، بتراجع لافت في قدرة المجتمع السياسي على تمثّل المبادئ الديمقراطية الحاكمة للممارسة السياسية، كما أقرّها دستور البلاد، وسطّرتها القوانين التنظيمية المفعّلة لمقتضياته، وعلى تغافله أو تجاهله لأهمية الالتزام بالأخلاقيات السياسية وبالقيم الديمقراطية في ممارسة الفعل السياسي.
ومما لاشك فيه، فإن حضور واستمرار هذه المثالب
التي تلوث اليوم “ديمقراطية العاجل”، لَتُغَذِي مزاج المغاربة بقدر غير قليل من الشك والارتياب في «ديمقراطية الآجل»، كما أنها تباعد المسافة بين واقع المجتمع الوطني الذي تحمله دينامية سوسيو-سياسية غير مسبوقة، وبين المجتمع السياسي الذي يمنعه الاستغراق في «لعبة» سياسة الحاضر من استشراف رهان المستقبل.
وبالفعل فإن المغرب يعيش،اليوم، حركية اجتماعية وسياسية مثيرة للانتباه، تعبر عنها مختلف أشكال التحركات، من مناظرات،ومظاهرات، ومسيرات، وأنماط احتجاج متنوعة الأسباب والأهداف. ومهما كانت الكيفيات التي تنهجها القوى الفاعلة في الحقل السياسي لصياغة الخطاب والمطالب، أو لاعتماد طرق الاستجابة لانتظارات الفئات والشرائح الاجتماعية، فإن المعطيات الموضوعية تدعو إلى استحضار الوضع المتفاقم لآليات إنتاج وإعادة إنتاج النخب القائدة، القادرة على الفعل السياسي الوطني الرشيد، وعلى الإصلاح، إذ يبدو الجيل الحالي وكأنه يتيم من هذا النوع من النخب. وتؤكّد المؤشرات كافة على أن المغرب في حاجة إلى قيادات تمثل نماذج يسترشد بها في السياسة، والاقتصاد، والتعليم، والتواصل، والاجتماع، والثقافة. ولا شك في أن هذا القلق يتجلى، بوضوح، في المناقشات التي تدور حول الأحزاب السياسية وحول مسألة الديمقراطية.
ولعل قارئ فصول تاريخ المغرب المعاصر تثيره مفارقة لافتة تتمثل في أن أغلب المشاريع الإصلاحية صدرت من الدولة، وكان فيها للمثقفين وللعامل الخارجي أدوار مباشرة أو غير مباشرة. لكنها، في المعظم منها، تعرضت للإجهاض،جزئياً أو كلياً، أو أفرغت من مضامينها وغاياتها؛ إما بسبب فساد نخب امتلكت مقاليد القرار، لكنها حرفت توجهات هذه المشاريع لتحكم عليها بالتوقف أو الفشل؛ وإما بسبب عوامل المحافظة الموجودة في ثنايا المجتمع، سواء عبرت عن ذاتها باسم مستندات تراثية، أو باسم مشروع سياسي أو إعلامي يدعي تمثيلها والدفاع عنها؛ أو للسببين معا حيث قد يلتقيان، موضوعياً، في محاصرة مشروع أو نزوع إصلاحي قادر على إنتاج شروط تعبئة وطنية لتأهيل المغرب لمستوى معقول من النهضة والتقدم، وتوسيع مساحات الحرية والديمقراطية.
وقد أبانت التجارب المعاصرة في مجال التحديث عن أنه فضلاً عن ضرورات تأهيل الاقتصاد، وتقليص الفجوة الاجتماعية بين الغنى والفقر، ووضع أطر سياسية مبنية على المشاركة والتداول والمحاسبة، فإن الإصلاح، بالمعنى العصري، يفترض أربعة أبعاد رئيسة؛ يتمثل البعد الأول في الارتكاز على تصورات ورؤى ومشاريع تبدعها وتقترحها نخب فكرية، وطنية في مناخ يقدر قيم التفكير والاجتهاد والنقد والمبادرة؛ ثانيها، الاستثمار في التعليم والثقافة والإعلام، وتوفير شروط إنتاج الأفكار والمعارف والفنون للارتقاء بالأذواق ومظاهر التحضر والمشاركة؛ ويبرز البعد الثالث في الاعتراف بالأدوار الطلائعية للمرأة والشباب في مجالات الإصلاح الاجتماعي، والتوعية، ونقل القيم الإيجابية، والمساهمة في المجال العام، ويتجلى البعد الرابع،أخيراً، في ضرورة تغيير نمط التفكير والتعامل مع الفضاء المديني.
صحيح أن للعالم القروي عطاءه وتجذره، لكن «الانتقال الديمغرافي» للمغرب جعل أغلب سكانه يعيشون في المدينة (ما يعادل 65%)،كما أن الأخيرة أضحت الفضاء الأبرز للمشاركة السياسية وللمبادرة الاقتصادية، وللتعبير الثقافي. وبالإضافة إلى تجديد التفكير في أدوار العالم القروي، وما يتعرض له من استخفاف سياسي أو تبخيس قيمي، ينبغي التأكيد في الوقت عينه، على أنه لا مجال للحديث عن الإصلاح في المغرب من دون إصلاح المدن، وإدراج قضايا المدينة في المنافسة السياسية الديمقراطية، على خدمة المواطن وتحقيق شروط العيش الكريم والأمان المكين.
ويبدو من خلال المناقشات الجارية في المغرب،اليوم،أن ثمة التباسًا كبيرًا بين الديمقراطية والليبرالية السياسية. لكن أسئلة حقيقية بدأت تفرض ذاتها حول التمثيلية والحقوق، والرأي العام، كما على صعيد التحكم في الصراعات، واقتراح أساليب جديدة لتدبير قواعد العقد الاجتماعي. فالديمقراطية ليست مكسبًا نهائيًا لأي كان، لأن الديمقراطيين هم المفعلون الحقيقيون للديمقراطية، شريطة عدم السقوط في اعتبارها مجرد واجهة لحماية الرأسمال، أو مطية لمن يوظف الدين في الشأن العام لمحاربة قيم المجتمع الديمقراطي، وفي مقدمتها قيمة المواطنة، والتهديد الناعم أو الخشن للمؤسسات السياسية.
إن مظاهر اللامساواة التي تظهر علاماتها الجديدة بشكل صارخ، لم تعد تتجلى في الاقتصاد والاجتماع فحسب، بل في التفاوت في تحصيل المعرفة النافعة، وفي المشاركة، وفي فرص بناء القدرات أيضا. فالمواطن في المنظور الديمقراطي الحداثي يظل مناط الفعل السياسي، ورهان الإنجاز التنموي، ومرتكز البناء المستقبلي.
ويجمع المتابعون للمسلسل الديمقراطي ببلادنا على أن النظام التمثيلي المغربي راكم اختلالات لا حصر لها، وأصبح موضوع قلق العديد من المشتغلين بالسياسة، بسبب مختلف أشكال الإفساد والفساد التي استبطنتها نخب حزبية تحولت، مع الزمن، إلى أدوات تعيق محاولات التحديث وخدمة المصلحة العامّة.
ومن المؤكّد أن الديمقراطية تشتغل وتتطوّر بالصراع وبالنقاش الدائم حول مبادئ تأسيسية يتعيّن ملاءمتها مع متغيرات الواقع؛ من قبيل الاستحقاق، والإنصات، والقرب، وتقوية البنية التحتية القانونية للدولة، والوفاء بالالتزامات، وتطوير المساطر الحادة من مساحات تدخل السلطة… الخ.
غير أنه يبدو أن التفكير، أمام ما يحصل من تحوّلات وتشوّهات في المغرب، مطالب بالذهاب إلى أبعد من الاقتصار على الإجراءات الانتخابية التمثيلية.
فالوضع الاقتصادي والاجتماعي الموسوم بالأزمة يستدعي إعادة النظر في أنماط التنظيم والضبط التي تنهجها الدولة. بل يستوجب بالأساس، اقتراح فهم جديد لما يشكل «الروابط الاجتماعية» المؤسسة للجماعة الوطنية. إن تراجع الثقة بالمؤسسات والتبرم بالسياسة، وتفكك أشكال التضامن يطرح أسئلة مقلقة على الفاعل السياسي والاجتماعي.إذ الثقة تتوقف على توافر شروط مقترنة بالحكم الجيد والتدبير الرشيد، من بينها الاستقامة، والنزاهة، والقول الصادق. أما اللغة السياسوية فهي مدمّرة للثقة، وحين ندمّر الثقة ندمر معها القدرة على الفعل.
لقد انتبه محررو دستور 2011 إلى أنه لم يعد من الممكن حصر العمل السياسي في الانتخابات والاقتراع العام، حيث أبان النظام التمثيلي عن حدوده، مهما كانت شرعيته ومستنداته القانونية والمؤسسية. ويأتي في طليعة هذه الحدود ما يسمى بـ «منسيي التمثيل»، إما نتيجة العزوف، أو اللامبالاة، أو الوجود خارج دوائر المشاركة والاهتمام بالعمليات الانتخابية.ولقد سعى النظام التمثيلي في تحسين أدائه بإدخال نظام «الكوطا» لصالح النساء والشباب. لكن هذه الإجراءات جميعها غير كافية. لذلك يتعين تطوير«أشكال غير انتخابية للتمثيل»تجسّد، حقّا، قيم الإنصاف والنزاهة، من قبيل مجالس وهيئات الضبط، والسلطات الإدارية المستقلة، ومجالس فاعلة للحسابات، وقضاء نزيه. إذ لا مناص من الإقرار بالتغيرات الحاصلة على «المثال الديمقراطي»، خصوصا على صعيد العلاقات بين الحاكمين والمحكومين، والتي كثيراً ما كانت تولد مشاعر الحرمان أو الإحباط كلما حصل الانتقال من اللحظة الانتخابية إلى المسؤولية الحكومية.
لقد انخرط المغرب في منعطف تاريخي من خلال التوجه نحو إعادة هيكلة النظام القانوني للدولة المغربية لترجمة الجهوية الموسعة إلى قرارات تأسيسية وإنجازات فعلية، بما تستلزمه هذه الإعادة من مراجعة للتعامل مع الإنسان داخل المكان، وإعداد التراب الوطني، واشتراط الالتزام بمقتضيات الحكامة الفاعلة، والتبني الواضح للمفهوم الإنساني للحقوق والواجبات، ضمن دستور ونخب نزيهة تضمن إنجاح هذا المنعطف التاريخي، واستيعاب التوجهات الكبرى التي بدأت مختلف شرائح المجتمع تجهر بها.
غير أنه إذا كان الدستور رافعة لهذه الانتظارات كافة، فإنه لا يبدو أن التعويل عليه فقط ينسينا الشروط التأسيسية لتأهيل الإنسان، وعلى رأسها التعليم والثقافة ووسائط المعرفة الجديدة، واستنبات مقومات الثقافة الحديثة؛ إذ إن المؤشرات الوطنية والدولية جميعها تبرز التأخّر المقلق للمغرب على صعيد الرأسمال البشري، بسبب النقص في التكوين وفي بناء القدرات نتيجة أعطاب المنظومة التعليمية، وعلى مستوى الرأسمال المؤسسي جراء غياب الحكامة الرشيدة وسطوة الفساد والزبونية؛ كما على صعيد الرأسمال الاجتماعي جراء تفاقم مختلف أشكال الشروخ والتفاوتات الاجتماعية والمجالية.
ولأن المغرب مقبل على استحقاقات سياسية جديدة في القريب العاجل، فإن سؤال الفساد وانعدام الكفاءة الديمقراطية يطرحان على جميع الفاعلين ضرورة الاتفاق على ميثاق شرف لمحاصرة بؤر الإفساد، وتحفيز الشباب والنساء على الانخراط في العمل السياسي الوطني لتجديد القيادات والفاعلين السياسيين.
إن الحديث عن «انعدام الكفاءة» الديمقراطية لا يعني انعدام المهارات الحزبية أو القدرات التنظيمية لدى بعض الفاعلين، فهذه مواصفات متوافرة في العديد من التنظيمات، لكن الأمر يتعلق، بالإضافة إلى هذه الشروط، بالاقتدار الذي تستوجبه المسؤولية السياسية، من تفكير، وتخطيط، وتأطير، وتواصل، وتفاوض، واستشراف، وخدمة المصلحة العامة والوطنية.
إن الحزب مؤسسة عصرية ورافعة للعمل السياسي. وهذا أمر معلوم لدى من يمارسون السياسة في المجتمعات الحديثة. لكن الحياة الحزبية، في المغرب، شهدت مخاضات تولّدت من اختلالات في التنظيم والممارسة أفرزت عناصر هشاشة وشخوص تعبر في بعض الحالات عن نفسها من خلال مواقف بائسة وسلبية لا يمكن احتسابها أو إدراجها إلا في خانة الديمقراطية المضادة. وهو ما يفرض إعادة بناء هياكلها المتداعية، وإعادة إعمارها من الداخل بالقيم الديمقراطية التي بها تتأهل لأن تكون أدوات لتحقيق التنمية السياسية والبناء الديمقراطي.
إن الأمر يتعلّق بدعوة إلى إعادة بناء شاملة للديمقراطية في المغرب، وتحديد جديد للسياسة وللمعمار المؤسسي، تأخذ من كل الآليات السابقة إيجابياتها.فتعقد الديمقراطية لا يكمن في نمط اشتغالها الوظيفي، وإنما في إعادة إدماج مجموع الإجراءات والمؤسسات الداعمة لنتائج الاقتراع العام التي تنظم تجارب الحرية وتنشغل بالمنفعة العامة، سواء تعلق الأمر بالسلطات الإدارية المستقلة، أو بمؤسسات المراقبة التي تعزز النظام التمثيلي، وتثري الممارسة الديمقراطية في اتجاه تجذير قيم المصلحة العامة، والمرفق العمومي.
وهنا لا يكفي التعويل على الدولة وحدها، حتى وإن كان المجتمع المغربي لا يزال في حاجة ماسة إلى حضور قوي لدور الدولة، وإنما يفترض الأمر إطلاق حركية جماعية، سياسية ومدنية،لإدانة وفضح مصادر الفساد، وتنظيف مجال المنافسة السياسية من استخدامات المال السياسي والمتاجرة الانتخابية بأوضاع الكتلة الشعبية الناخبة، وأخلقة الحياة السياسية والحزبية، وتجديد مفعول رأسمال الثقة والنزاهة فيها، وتحييد الدين من المنازعات الداخلية على السلطة والنفوذ، وتنزيهه عن الاستغلال السياسوي، صوناً له كملكية روحية جماعية، والانخراط في «تعاقد وطني كبير» لإصلاح ودمقرطة الدولة والمجتمع استنادا إلى مقتضيات الفكر الحديث، وخلق شروط دافعة نحو نهضة مغربية فعلية.
أن كل مسعى في تنمية الحياة الديمقراطية والمؤسساتية وتصويبها، ينبغي أن يلحظ المكانة الاعتبارية، المركزية التي احتلتها القضية الوطنية، وتحتلها، في وجدان الشعب المغربي وحركته الوطنية، وفي السياسات العليا للدولة، والتي ينبغي أن تصان ويحافظ عليها؛ مثلما ينبغي أن يلحظ ما كان بين القضية الوطنية بالذات والبناء الديمقراطي من اقتران وتفاعل جدلي: إذ على قاعدة عملية استكمال وحدة المغرب الترابية، في منتصف عقد السبعينيات، استأنف المغرب مسار البناء الديمقراطي، بتدرج وانتظام. وفي سياق معطيات ذلك المسار ومكتسباته، انعقد أوسع إجماع وطني على قضية الصحراء المغربية، وتكرست قضية رئيسة ذات أولوية في الخيارات البرنامجية للمغرب: دولة وأحزاباً وشعباً ورأياً عاماً.
إن التمسك بالاقتران التلازمي بين المسألتين، الوطنية والديمقراطية، سمة جوهرية في سياسات بلادنا ينبغي صونها وتطويرها، وهي تنبع من وعي وطني حاد لا يقايض بين الوطن والديمقراطية؛ لأنه لا قيامة لأحدهما من دون الآخر.
إن الموقعين على هذه الرؤية -على اختلاف مشاربهم وتوجّهاتهم- يهيبون بالقوى السياسية كافّة إلى الارتفاع بسلوكها إلى مستوى التطلّع الوطني العام إلى تمتّع البلاد بمؤسسات تمثيلية وديمقراطية صحيحة ونزيهة، عن طريق حسن استثمار الظرفية السياسية والنفسية الجاذبة، وما تتميّز به من إفصاح متزايد عن إرادة إنجاح عملية انتقال ديمقراطي متوازن ومتوافق عليه، وتوفير القواعد والأطر و الأقنية الضرورية لبناء المستقبل الديمقراطي. ولا يكون ذلك – ونحن على أعتاب موعد انتخابي جديد وحاسم- إلا عن طريق بذل ما في الوسع من جهد جماعي قصد:
تنقية العمليات الانتخابية من الشوائب التي أفسدتها، في مراحل سابقة، ونالت من صدقيتها، وفي جملتها: الاستخدام غير المشروع للمال السياسي للتأثير على خيارات الناخبين الطوعية والحرّة؛ وتجنيد قوى المال في العملية الانتخابية بديلاً من مرشّحين حاملين لبرنامج اجتماعي يخاطب مصالح الناخبين. إن تنقية مجال المنافسة وقواعدها وآلياتها شرط ضروري لأي تمثيل صحيح، وأي مؤسسات تتمتع بالصدقية؛
تحرير المنافسة الانتخابية من أمراض الشعبوية، ومن التجييش المناطقي والفئوي، وإقامتها على مبدأ المواطنة وعلى برامج اجتماعية، اقتصادية، ثقافية تستجيب للحاجات التنموية للبلاد، ومصالح الغالبية الساحقة من فئاتها المعرّضة للحرمان والتهميش؛
تقديم قوائم مرشّحين في مستوى المسؤولية السياسية والأدبية، تتوفر فيهم الأهلية السياسية، والخبرة النضالية، والمصداقية المجتمعية، وهي الصفات والمزايا التي يطالب بها المواطن(ة) الناخب(ة)، ويطمئن إليها الرأي العام؛ رفع مستوى الأداء الانتخابي، بما فيه مستوى الخطاب السياسي والتخاطب العام، ووضع حدّ لحملات التهريج المزرية بالمواطن والوطن، لصالح نموذج جديد ومتحضّر للحملة الانتخابية يغتنم فرصة الانتخابات للتوعية السياسية والتعبئة النهضوية.
وإذ يؤكد الموقعون والموقعات على هذا البيان- مثقفين و فاعلين، سياسيين ومدنيين – على التزامهم الخيار الديموقراطي السليم، فإنهم يناشدون المواطنات والمواطنين بالمشاركة السياسية الفاعلة والإيجابية لأنهم وحدهم من يصنعون مستقبلهم ومستقبل أبنائهم ووحدهم من يقرر من يمثلهم في المؤسسات التمثيلية؛ مثلما يطالبون السلطات المسؤولة عن العملية الانتخابية بالعمل على احترام قواعد المنافسة الديمقراطية، بما يؤمن النزاهة والشفافية للعملية الاقتراعية.

Related posts

Top