من تاريخ مدارس المغرب

لا شك أن تاريخ مدارس المغرب، خاصة الثانويات، هو جزء من تاريخ البلاد الحافل بالأحداث. كما أن البحث في ذاكرة المدارس القديمة بالمملكة، قد ينبش في المتخيل الجميل لعدد من أفراد الأسرة التعليمية ولدى عدد من الأجيال التي تخرجت على أياديهم.
فالكثير من المغاربة، ستتحرك في دواخلهم ذكريات من زمن قد مضى، سواء تعلق الأمر بالتلاميذ، أو الذين عملوا بهذه المؤسسات.
ثانويات، منها التقنية والعلمية والأدبية وغير ذلك، كل واحدة لها مكانة في قلوب الملايين من المغاربة، ويتقاسمون فيها ذكريات كثيرة.
بيان اليوم، تستعرض تاريخ أهم الثانويات، تدقق في تفاصيلها، وتستعيد أهم الأحداث فيها، وتقف على محطات رئيسية في مسارها، وتذكر بأسماء كثيرة تخرجت منها.

ثانوية   طارق ابن زياد..مؤسسة تكوين النخبة في  المجالين  العسكري و المدني

تناولنا في الاعداد   السابقة مؤسسات تعليمية عريقة وهي ثانوية الخوارزمي بالدارالبيضاء   وثانوية مولاي اسماعيل بمكناس وثانوية عمر بن عبد العزيز بوجدة. وفي هذا العدد الرابع سنحط الرحال بمنطقة الأطلس المتوسط رمز المقاومة المسلحة والكفاح الوطني ضد المستعمر الغاشم في هذه المنطقة تقع ثانوية طارق ابن زيادcollege berbère) سابقا)
إن النبش في ذاكرة ثانوية طارق ابن زياد هو يمثابة بعث الحياة في شرايينها وتعريف بجذور هذه الثانوية العريقة.
ويبقى هدفنا من هذا النبش هو استخلاص العبر والاعتبار لهذه المؤسسة التعليمية ولمدينة آزرو وكذلك دعوة لشباب المدينة وأطرها وكل من مر بها الى الاطلاع على منجزات وعطاءات أسلافهم وبالتالي لدعم تطور وتنمية المجتمع المحلي والوطني على السواء.
لقد تأسست الثانوية البربريةle collège berbère    سنة 1927 ويصادف هذا التاريخ بيعة الملك الشاب محمد بن يوسف وهو في سن 16 من عمره وكذلك تداعيات معركة انوال الشهيرة في الريف ونفي بطل الريف محمد بن عبد الكريم الخطابي وكانت هذه الثانوية وقتئذ بمثابة رمزا للاستعمار الفرنسي والسياسة الاستعمارية العنصرية. ولم يكن المستعمر الفرنسي يظن بأن هذه الثانوية ستتحول الى مشتل ومعقل لرموز الحركة الوطنية ومدرسة لتكوين الوطنيين. وقد لعبت الثانوية البربرية دورا جوهريا في احباط مرامي واهداف السياسة الاستعمارية، وفي اذكاء حب الوطن والقيم النبيلة والنصال الوطني في صفوف التلاميذ في القسمين الداخلي والخارجي وذلك عبر كل مراحل الكفاح من مقاومة مسلحة ونضال سياسي وعمليات فدائية إلى غاية نيل الاستقلال سنة 1956.
لقد ركزت أهداف المستعمر على تعليم وتكوين أبناء أعيان الأمازيغ بالثانوية البربرية التي احتضنتها مدينة آزرو، وتمكينهم من ولوج المدرسة العسكرية بمكناس وتكوين أطر إدارية أمازيغية تعوض الأطر العربية.
واختيار المستعمر هذه المدينة لكونها تحتل موقعا استراتيجيا وملتقى الطرق الوطنية وكذلك لمواجهة هذه المقاومة المسلحة بالأطلس المتوسط … وكان وراء هذا الاختيار الجنرال الفرنسي Freydenberg   وهو المسؤول عن تدبير شؤون جهة مكناس وذلك لنهج وتطبيق السياسة البربرية.
وبخصوص اسم الثانوية البربرية فالهدف منه هو تكريس مبدأ (فرق تسد) أي التمييز السلبي الذي يكرس العصبية القبلية وتشتيت مكونات المجتمع المغربي وتكسير الروابط بين فئاته.
فالمستعمر الفرنسي عندما قرر بناء الثانوية البربرية استحضر البعد المعماري فوضع تصميما للثانوية على شكل b   باللغة الفرنسية.
لقد استقبلت الثانوية البربرية جميع التلاميذ الأمازيغ من جميع مناطق الأطلس المتوسط: قبائل زمور، كروان، أيت مكيلد، زيان، أيت عياش، أيت صغروشن، مرموشة، أيت أوراين … وقد كانت بالمؤسسة التعليمية ثلاث شعب مهنية:
    •    شعبة بيداغوجية  مهمتها  اعداد  المعلمين  الأمازيغ
 • شعبة فلاحية مختصة في الفلاحية وتربية الماشية والبستنة
 • شعبة حرفية تختص في الفحم والخشب.
والخاصية المميزة لكوليج آزرو هو دعم اللغة الفرنسية وتقوية التكوين في التربية البدنية لتوجيه المتخرجين الأمازيغ نحو المدرسة العسكرية بمكناس وكذلك تمكين أبناء الاعيان من تكوين في الادارة لتعويض أبنائهم.
وللالتحاق بالثانوية البربرية كان المستعمر يضع شروطا على الأمازيغ نذكر من بينها ارتداء الزي التقليدي الأمازيغي من سلهام وجلباب وعمامة وسروال فضفاض وبلغة وكذلك حلاقة الشعر في كل شهر.
لقد بلغ عدد التلاميذ بكوليج أزرو بين 230 و245 موزعين بين 150 و170 بالقسم الخارجي وبين 70 و75 داخليون أجانب بآزرو من بينهم حوالي النصف من ابناء النخبة القروية. وفيما يلي تطور عدد التلاميذ بين 1936 و1939 وكذلك بين 1940 و1944
وبخصوص الأصل الاجتماعي لتلاميذ كوليج آزرو فالجدول الآتي يوضح بجلاء وجود عدد مهم من التلاميذ يمثلون أعيان مدينة آزرو: القواد والشيوخ وآخرون .
 تمثل سنة 1942 محطة تاريخية متميزة في تاريخ   كوليج آزرو حيث انعقد ولأول مرة   الجمع التأسيسي لجمعية قدماء التلاميذ.
وتشكل مكتب الجمعية من الأعضاء الآتية أسمائهم كالتالي:
 • عبد الحميد بن مولاي حمد الزموري: رئيسا (معلم بكوليج آزرو)
 • مولاي  أحمد  بن  الحسين  نائبه
 • عبد الله بن عمر الرحماني كاتب عام (معلم بإفران)
 • عبد الرحمان نايت لحو أمين المال (مؤسس فرع حزب الاستقلال بآزرو وتاجر بنفس المدينة)
 • العربي بن  القايد  –  علي  العياشي  – عمر بن ناصر بن و زكري – التبر يوسف – محمد بن  القايد  أمقور : مستشارون .
لقد  كان  هدف  الجمعية  هو  نسج  علاقات  حميمية  بين  أعضائها و تأسيس  روابط  التعاون و التضامن إضافة  الى  تحسين  ظروف  العمل بكوليج  آزرو  و مساعدة  التلاميذ  الفقراء  في دراستهم و قد ضمت   الجمعية  في صفوفها  أعضاء  نشيطين  و محسنين و رؤساء شرفيين .
لقد انخرطت جمعية قدماء التلاميذ في العمل السياسي وقرر مكتبها مواصلة الكفاح ضمن التنظيمات السياسية. كما اسس لجنة تسمى: لجنة الأطلس مهمتها مناقشة مختلف الأسئلة المرتبطة بالمقاومة المغربية وقد فشلت السلطات الاستعمارية في محاولتها الرامية الى تقسيم الجمعية.  ولعبت الجمعية دورا مصيريا في الحياة الادارية والسياسية بالمغرب وتمكنت من استقطاب بعض الفرنسيين من أجل الترقيع على رسالة يطالبون فيها بضرورة عودة السلطان الشرعي محمد بن يوسف الى الوطن.
وللتذكير فقد ساهمت شخصيات مهمة في جمعية قدماء التلاميذ في النضال الوطني أمثال: الماعوني، بن عيسى، حاجيبي، براد عسو (ابن موحا اوحمو الزياني) … غير ان ما ميز   نضال تلاميذ كوليج آزرو هو يوم 5 فبراير 1944 تاريخ الاعلان عن تنظيم اضراب تخليدا لذكرى استشهاد جنود بمنطقة تابدوت وتوجيه رسالة قوية المضامين الى مدير   كوليج آزرو جاء فيها ما يلي:  
« Tu es  venu  à Azrou  par  un autocar  et  si tu  continues ton  mouchardage , tu retourneras  à Rabat  dans  un  corbillard . »
 وكانت ردود فعل الادارة الاستعمارية قوية وعنيفة حيث قام المستعمر بإغلاق كوليج آزرو لمدة سنة وتغيير مديرها بكولونيل عسكري، وتوقيف العديد من التلاميذ نذكر من بينهم: التاديلي محمد بن حدو، العياشي مولود، دويري الحبيب بن حمو، حسن بن محمد الزموري، شفيق محمد بن علي، المكي كرماغ … وتم حرمانهم من متابعة الدراسة وارسال آخرين الى التجنيد الاجباري.
وبخصوص النخب المدنية والعسكرية التي مرت بثانوية آزرو نذكر: محمد أوفقير، ادريس بن عمر، حمو اوعقا الزياني، الكولونيل اعبابو، ادريس بن عيسى، عدي اوبيهي، محجوب احرضان (عامل سابق بالرباط ومؤسس الحركة الشعبية). الطاهر اوعسو عامل سابق بآسفي، محمد حساني عامل سابق بالدارالبيضاء بن امسيك، لحسن العلام عامل سابق بافران.
كما تخرجت من هذه الثانوية نخبة متميزة في عديد من الادارات العمومية نذكر من بينهم حسن الزموري، لحسن اليوسي، محمد شفيق (مدير بالثانوية الملكية بالرباط والحركة الامازيغية بالمغرب، ومؤلف قاموس عربي آمازيغي)، الطاهر اوعسو، بوعزة ايكن (في العدل) ….

المراجع  المعتمدة :
 • بحث  للأستاذ  سليمان  جابري
 • Le  collège d’Azrou : Mohamed Benhlal
 • معطيات  قدمها  لنا  الاستاذ  الطايعي  محمد  مكلف  بالانشطة  بثانوية  طارق ابن زياد

خليل البخاري

Related posts

Top