مهرجان كناوة وموسيقى العالم تسدل الستار عن فعاليات دورته العشرين

تستعد مدينة الصويرة مساء اليوم، لتوديع الدورة العشرين لمهرجانها المتميز، مهرجان كناوة وموسيقى العالم، والذي شهدت فعالياته هذه السنة وعلى غرار الدورات السابقة، تقاطرا كبيرا لعشاق الموسيقى، من مختلف الجنسيات، غصت بهم جنبات المدينة العتيقة، منذ زوال يوم الخميس الماضي، جمهور يتكون في أغلبه من الشباب.
وكما جرت العادة منذ 20 سنة فقد انطلق موكب الفرق الكناوية والتراثية من باب دكالة، إلى ساحة المنزه، صاخبا بالإيقاعات والألوان ومفعما باللوحات الفنية و الرقصات البديعة، إيذانا بافتتاح أيام المهرجان الثلاثة. يذكر أن حفل الافتتاح أقيم بمنصة ساحة مولاي الحسن على غرار كل الدورات السابقة، وعرف حضور الرئيس المؤسس لجمعية الصويرة موغادور اندري أزولاي، ووزير الثقافة والاتصال محمد الأعرج ومجموعة من الشخصيات الوطنية والدولية، إضافة الى مديرة ومنتجة المهرجان السيدة نايلة التازي. بينما توزعت انشطة وعروض هذه النسخة من مهرجان الصويرة موسيقى العالم على أبرز ساحات المدينة كساحة مولاي الحسن وساحة الشاطئ وبرج باب مراكش ودار اللوبان وزاوية عيسى، احتضنت 30 حفلاً موسيقياً، بمشاركة نحو 300 موسيقياً من قارات أفريقيا وأوروبا وأميركا وآسيا.
وخلال حفل الافتتاح أكدت منتجة المهرجان نايلة التازي، إن المغاربة لا يمكنهم إلا الافتخار بهذا المهرجان الذي بلغ مستوى العالمية.
وأضافت، في كلمتها، أن هذا المهرجان، الذي يدافع عن قيم الحرية والمساواة والتعايش، هو شاهد على “مغرب يتغير” و”مغرب يصغي للشباب” و”مغرب فخور بجذوره الافريقية”.
وأشارت السيدة التازي إلى أن مهرجان كناوة موسيقى العالم يثبت حقا أن الثقافة قادرة أن تكون رافعة للتنمية وخلق دينامية اقتصادية وفرص شغل، داعية، في هذا الصدد، كل الفاعلين الى التعبئة لضمان نجاح هذه التظاهرة الثقافية ذات الاشعاع الدولي.

حفل الافتتاح

تفنن المعلم سعيد كويو والمعلم محمد كويو والفنان البرازيلي كارلينيوس براون في إبداع مزيج موسيقي فريد سافر بالجمهور الحاضر إلي عوالم موسيقى (الفيزيون) وكرس قيم التعايش والسلام التي جاء من أجلها الفن، في حفل موسيقي متميز وعلى إيقاعات “ماكاراتو” (التقاليد البرازيلية) و”كاراكاتو” (المغرب الكبير)، اختزل الفنانون من خلال الطبق الفني المقدم، المسافات بين المغرب والبرازيل، ووحدوا الأذواق وشدوا حماس الجمهور الحاضر الذي تفاعل بقوة مع الإيقاعات الموسيقية التي تصعد أحيانا وتهبط أحيانا أخرى في كوريغرافيا فنية شبيهة بحركة الرياح التي تميز ليالي مدينة الصويرة. وبلباسه المبتكر، عزف كارلينيوس براون خلال هذا العرض الموسيقي، الذي تخللته رقصات جميلة أدتها الفرقة الكناوية وأخرى أبدعتها المجموعة البرازيلية، على مجموعة من الآلات الوترية والإيقاعية وآلات النفخ الموسيقية، محاولا في عديد المرات النطق بكلمات من الدارجة المغربية لزيادة حماس الجمهور.
ويعتبر براون من الفنانين الأكثر إبداعا وتجديدا على الساحة الموسيقية البرازيلية حاليا، فإلى جانب الغناء يقوم براون (16 ألبوم) بالإنتاج والتأليف إضافة إلى إتقانه العزف على مجموعة من الآلات الموسيقية واشتغاله كمدرب في أشهر البرامج التلفزية البرازيلية، وإحيائه لسهرات فوق أشهر المنصات العالمية منذ ثلاثين سنة. أما محمد كويو، المزداد بمراكش سنة 1957، فقد ارتقى إلى مرتبة (معلم) سنة 1980، ثم أسس فرقته الخاصة . ومنذ ذلك الحين، وهو يحيي الحفلات داخل المغرب وخارجه، حيث قام بجولة لمدة سنة كاملة بالولايات المتحدة، ويعتبر من الرواد الملازمين للمهرجان ولحفلات المزج.
بدوره، أحيى سعيد كويو وهو أخ محمد كويو عدة حفلات داخل المغرب وخارجه ضمن فرقة شقيقه. وقد سطع نجمه خلال الدورة 16 للمهرجان وخلق المفاجئة خلال حفل الافتتاح بنغمات فريدة من نوعها.
وفي مشهد من الحوار الثقافي والانفتاح والتمازج الحضاري، حولت الفرق الموسيقية مدينة الصويرة إلى كرنفال من الألوان البهيجة والإيقاعات الكناوية.

المنتدى

وبمناسبة دورته العشرين، ينظم المهرجان أيضا وبشراكة مع المجلس الوطني لحقوق الإنسان، للسنة السادسة على التوالي، منتدى حقوق الإنسان، وذلك صباح الجمعة والسبت.
فبعد دورتي 2012 و2013، اللتان تطرقتا، على التوالي، لموضوعي الشباب والثقافة، أصبحت أفريقيا، منذ أربع سنوات، الموضوع الرئيسي للمنتدى، حيث خُصص منتدى دورة 2014 للتاريخ، ثم تلاه منتدى حول النساء في 2015، وآخر حول الدياسبورا الإفريقية في 2016، فيما تطرقت دورة هذه السنة لإشكاليات على قدر كبير من الراهنية، وذلك من خلال الانكباب على فهم الروابط بين المجال الرقمي والثقافة، خصوصا بعد أن بات العالم الرقمي يزحف على ميدان الثقافة، أيضا، حيث اصبح الإبداع الثقافي، كباقي قطاعات الحياة العامة الأخرى، يمر عبر المجال الرقمي، مما يفرض على الجميع طرقاً جديدة للقراءة والاستماع والمشاهدة والاستهلاك، مع أن ذلك لا يُشكل الثورة الوحيدة الجارية في هذا المضمار.
وتفرعت موضوعات منتدى دورة هذه السنة إلى أربعة محاور، بمشاركة 20 متدخلا، من المغرب ومصر وفلسطين وفرنسا والسنغال والنرويج وبلجيكا ولبنان، شملت “الفنون الحية، النشر، السينما، الموسيقى… ماذا يتغير مع المجال الرقمي؟”، و”المجال الرقمي في خدمة التنوع”، و”نحو بروز تخصصات فنية جديدة”، و”أي سياسات عمومية؟ وأي تدابير تقع على عاتق مجموع الفاعلين؟”.
ولاحظ ادريس اليزمي، رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان أنه “على الرغم من كون بعض الحكومات حاولت ومازالت تحاول تكميم حرية التعبير في العالم الافتراضي، فإن الحرية تظل هي الغالبة بل والمهيمنة.
الولوج الشامل للعالم الرقمي يحمل في طياته بالضرورة منافع شتى للمواطن – المستهلك أو صانع محتوى. إذ يوسع هذا الولوج آفاقه بشكل غير متناهي ويمكنه من الوصول، من دون حدود، إلى المعلومات والتعاليق والتحليلات والإبداعات الثقافية. كما يمكنه مبدئيا من التفاعل من دون رقابة مسبقة مع مجموعات من مشارب وانتماءات متعددة ومع مختلف السلطات العمومية. ويسمح لمداركه وآفاقه بالتفتح من دون أي نوع من العوائق والموانع التي تلجمه عادة وتحد من تطوره. وسواء أعلن عن هويته أو فضل إخفاءها، فإن مستعمل الانترنت يمارس حياته بكل حرية وينضم للمجموعات التي يختار أن ينضم إليها لوقت قد يطول أو يقصر والتي يمكنه مغادرتها دون تحمل أي كلفة اجتماعية أو سياسية أو أخلاقية. وبالنسبة لدعاة هذه الرؤية، فإن لمنطق السوق وحده أهلية تنظيم وضبط هذا العالم الرقمي. غير أنه هناك مقاربة أخرى، وهي التي اخترنا بمعية فريق المهرجان تبنيها. وهي مقاربة تتعاطى مع الموضوع بنسبية ولكنها تظل في اعتقادي مثمرة على المدى البعيد. وتقوم على طرح الفرص التي توفرها هذه الثورة الجديدة مع تقييم التحديات المتعددة التي تفرضها علينا”.
وكانت أرضية المنتدى قد استعرضت عدة مؤشرات تؤكد غزو المجال الرقمي لحياتنا بجلاء، جاء فيها: “أطلقت شركة “غوغل”، منذ بضع سنوات، مشروعاً ضخما يرمي إلى القيام برقمنة عالية الجودة لـ 57 ألف عمل فني بارز، مستمد من 230 متحفاً من المتاحف المرموقة في العالم. وأنشأت شركة “أمازون” سنة 2013 منصة رقمية مخصصة لبيع الأعمال الفنية، تضم إجمالا 40 ألف عمل فني من 150 رواقاً دولياً. كما أضحت متاحف عالمية كبرى، مثل “مو ما” (متحف الفن الحديث بالولايات المتحدةً) تعتمد استراتيجيات رقمية وتوظف مسؤولين عن تدبير المنصات الرقمية وعن التواصل الرقمي وتقيم رواقات افتراضية، إلخ. وهناك حالياً في فرنسا 100 ألف عمل أدبي رقمي متوفر. بهذا، يكون العالم الرقمي قد بات يزحف على ميدان الثقافة أيضاً، حيث أصبح الإبداع الثقافي، شأنه شأن باقي قطاعات الحياة العامة الأخرى، يمر عبر المجال الرقمي.
وجدير بالذكر أن موسيقى كناوة التي تعد أحد أبرز عناوين الانتماء الأفريقي للمغرب، من خلال حضورها على امتداد مساحة المغرب الجغرافية، استطاع مهرجان كناوة وموسيقى العالم، الذي تحتضنه مدينة الصويرة، منذ 1998، جعلها ترتبط، على مستوى الاحتفاء بها وتسويقها، عالمياً، بـ”مدينة الرياح”، المدينة، التي يرى أندري أزولاي، والرئيس المؤسس لـ«جمعية الصويرة موغادور»، و للمهرجان أنها، اليوم “عنوان للمغرب المنفتح الذي يتقدم من دون عقد. المغرب المتجذر في هويته وقيمه، مع وفاء كبير للذاكرة، من دون خوف أو تخوف من الذهاب نحو الآخر، والانفتاح على كل أنواع الموسيقى والثقافات والديانات والأعراق”.

مبعوث بيان اليوم إلى الصويرة:
سعيد الحبشي

تصوير: عقيل مكاو

 

Related posts

Top