قال المخرج المسرحي بوسرحان الزيتوني إن المسرح خلال فترة السبعينيات والثمانينات من القرن الماضي كان قضية ومجالا للصراع ضد أشكال الظلم السياسي والاجتماعي والاقتصادي، مضيفا في حوار أجرته معه «بيان اليوم» أن مرحلة السبعينيات إلى حدود أواسط الثمانينات تميزت بقتالية المسرحيين رغم بساطة العديد من التجارب الفنية وتواضعها التقني، بسبب الشح في الموارد، مؤكد على أنها مرحلة مسرحية حملت على عاتق صانعي المسرح بفرجته ومغامرات الخيال والتخيل.
المسرحي بوسرحان وفي مقارنته بين مسرح المرحلة الحالية ومسرح السبيعينيات قال إنه لا توجد أية فوارق دقيقة بين مراحل المسرح المغربي مشيرا إلى أن الفرق الوحيد يكمن في كون تلك المرحلة كانت تعرف تشكل المسرح والبحث عن فضاءات تنفس طبيعية. في حين أن المرحلة الحالية تقدمت من الجوانب التقنية حيث تضاعفت قاعات العرض وأشكال الدعم. كما أشار إلى أن المسرح اغتنى بطاقات ابداعية من خريجي المعهد العالي للمسرح والتنشيط الثقافي معتبرا أن تخرجهم كان قفزا بالمسرح إلى مرحلة مختلفة تماما.
في هذا الحوار الذي أجرته معه الجريدة يقربنا المسرحي بوسرحان الزيتوني أكثر من بداياته، وتصوره للمسرح وأعماله الحالية والمستقبلية، كما يحكي لنا الأستاذ الزيتوني بعضا من مغامراته وطرائفه في عالم المسرح.. فيما يلي نص الحوار:
بوسرحان الزيتوني: مسرح السبعينيات كان مسرح قضية ومجال للصراع ضد أشكال الظلم السياسي والاجتماعي والاقتصادي
> أولا هلا تفضلت بالحديث لنا عن بداياتك في المسرح.. وكيف اعتليت خشبة المسرح لأول مرة؟
< ليس في بدايتي ما يميزني كثيرا عن الكثير من أبناء جيلي، فبدايتي كانت أواسط السبعينات من خلال قراءة قصص أو التحلق حول “الحلايقي” لاستمتاع بحيوات أخرى، بالإضافة للتأثير الذي كانت تمارسه السينما علي، خصوصا الأفلام الهندية، والتي حببت في ذاتي خلال فترة المراهقة أن أقلد الممثلين أو أتشبه بـ “أرسين لوبين”، أو أنا أطير في خيالي مع جن القصص العربية وكنت أجد مع أقراني آنذاك دار الشباب وفيها اكتشفنا أننا نستطيع أن نمثل ونقدم ذلك أمام الناس، بعدها اكتشفنا المسرح، لكنني لا أدري كيف استقرت حياتي فيه، وكيف استهواني كل الهوى الذي ما دق قلبي إلا له، رغم إكراهات الحياة، ومتطلباتها التي جعلتني في مرحلة معينة “هاويا له لا محترفا”. أيضا في دار الشباب وجدت جمعيات من بينها “الطلائعي” و”أوسكار”، وخلال تلك السنة وجدت شخصا اسمه محمد الطبعي، مع ثلة من الممثلين يجرون بروفات مسرحية “القطران فالشهدة” التي كانت ستمثل تزامنا مع المسيرة الخضراء بالدارالبيضاء ضمن فعاليات المهرجان الوطني لمسرح الهواة، وهو أيضا زمن مسرحية “الزاوية” للكبير عبد الكريم برشيد. هذا الرجل محمد الطبعي حفر في أثرا لا أستطيع أن أحدده. وربما بسبب ثقل هذا الرجل في بدايتي، ثقل لم يتقصده ولم أسع اليه بل تسرب من غير وعي، قلت بسبب ذلك سيكون محمد الطبعي بداية انطلاق فرقة اللواء نحو الاحتراف سنة 2001، أي بعد لقائي به بأكثر من 27 سنة.
في تلك المرحلة أيضا تعرفت على واحد من المسرحيين الشعبيين والذي كان يعلم المسرح للشباب هو الفنان شوقي علي مع رفيق عمره المرحوم فريد، وقد تدربت معه إلى جانب أصدقاء آخرين، وقمنا ببعض الحصص قبل أن تزين لنا مراهقتنا الموهبة ونستطيع أن نبدأ مسرحنا، فأسسنا نادي مسرحي بتشجيع من مدير دار الشباب سميناه نادي “الأزهار المسرحي”. وقد فتح ذلك لي الباب لأقتحم المسرح بـ”الكوليج” (الثانوية) مأخوذا بالشهرة بين أقراني واستثارة الفتيات…
> لكل واحد منا أشخاص تأثر بهم في مشواره.. بالنسبة لك من أثر في شخصيتك أو استأثرت به في مشوارك الفني؟
< عديدون أثروا في مساري، بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر، منهم من وجدتهم معي وأمامي ومن عبرت الطريق معهم وإلى جوارهم، منهم من كانت المهرجانات المسرحية وأعمالهم المسرحية فضاء اللقاء، ومنهم من وجدتهم في الكتب وتاريخ الفن. ولا زلت لحد الآن، عرضة للتأثر بكل جديد وجميل في المسرح. لا أستطيع أن أحصر الأسماء والتجارب التي شكلتني وكان تفاعلها الكيميائي ملامح وجهي الفني. أذكر محمد الطبعي وسالم اكويندي والمرحوم وحوري حسين وابراهيم نشيخ وعبد الكريم برشيد ومحمد الكغاط. لكن أكثر الذين وجدتني فيهم محمد تيمد، كان اللقاء به في سياق مرحلتي التدريبية حاسما.
> ما هي المرحلة الفاصلة في حياتك الفنية وكيف انتقلت من التجسيد المسرحي إلى الإخراج والتأليف المسرحي؟
< أن تتورط في المسرح في تلك المرحلة أمر سيعقد حياتك، ويجعلك تغامر في الحلول، فكان أولها أن تتشبه بالكتاب المسرحيين، أن تخط ما تظنه كتابة، ومثل ذلك، الاخراج أيضا، فقد اضطررت أن أجد نفسي أوجه الممثلين / أصدقائي، وتسلل من ذلك أيضا لذة السلطة، فلي وحدي كل الممثلين يقولون الكلام الذي أكتبه، ويقومون بالأفعال التي أقررها… هذا الإحساس الجميل آنذاك هو الذي قذف بي جنة المسرح وجحيمه. في هذا السياق لا يمكن أن أنسى أشخاص حددوا بعض أفكاري وسلوكاتي الفنية، أذكر منهم عبد الناصر الفيزازي والمرحوم سعيد طنور..
> قربنا أكثر من أعمالك الفنية الحالية والمستقبلية؟
< بعد مسرحية “أوسويفان”، وتوقف مرحلة من التجربة المسرحية مع جيل قاده كمال كاظيمي ووصولها إلى الحائط المسدود فنيا وإنسانيا، كان علي أن أجرب الاشتغال مع فرق أخرى تمثلت هذه السنة في الإشراف على إخراج مسرحية “جروح” مع محسن زروال وفؤاد أزروال لفائدة فرقة “أريف”. ثم مسرحية “جيل شو” لفائدة فرقة فضاء القرية للإبداع، وبدعم من مسرح محمد الخامس.. بالإضافة إلى عملي على إخراج مسرحية “الرمود” لفائدة جمعية رواد الخشبة من بركان والتي أتوقع عرضها أواسط شهر يوليوز من السنة الجارية.
> حسب تجربتك المسرحية، كيف تنظر للمسرح اليوم بالمقارنة مع سنوات السبعينات والثمانينات؟
< لا يمكن بداية أن نجد فوارق دقيقة بين مراحل المسرح المغربي، وهذا التقسيمات حتى إجرائيا لا تصلح لتبين الحدود الفاصل بين مراحل من حياة المسرح المغربي. وعلى علات ذلك، أقول إنه لا مجال للمقارنة، رغم أني لست من هواة تمجيد الماضي. حقيقة أن مرحلة السبعينيات إلى حدود أواسط الثمانينات كان مسرحها محمولا على عاتق صانعيه، مغامرات خيال وتخيل، إلا أنه كان مسرحا في الطريق إلى التشكل، بالكاد يبحث عن فضاءات تنفس طبيعية. ورغم بساطة العديد من التجارب فنيا وتواضعها التقني، فقد كان المسرح مسرح قضية ومجالا للصراع ضد أشكال الظلم السياسي والاجتماعي والاقتصادي. كان مسرحا بخيارات سياسية واضحة لدرجة كبيرة. لقد كان مسرحنا متعبا والامكانات شحيحة إلى حدود الندرة، وكان العرض امتحانا قاسيا. كانت فضاءات العرض قليلة، وحياة العرض تتجاوز بالكاد العرضين. عكس اليوم حيث تضاعفت قاعات العرض وأشكال الدعم. هنا أيضا لا بد من التأكيد أن مسرحنا اليوم قد اغتنى بطاقات ابداعية من خريجي المعهد العالي للمسرح والتنشيط الثقافي، والذي كان تخرجهم قفزا بالمسرح إلى مرحلة مختلفة تماما.
> ماذا يستلزمنا اليوم من مقومات من أجل النهوض بالمسرح والأنشطة الفنية بشكل عام بالمغرب؟
< بشكل مختصر أقول إنه يلزمنا سياسة ثقافية واضحة، ومصادر دعم شفافة وترك المسرح بعيدا عن التجاذبات. وأظن أن وزارة الثقافة ملزمة بإعادة النظر في تدبيرها للمسرح، بأن تنصت للفرق المسرحية وللإطارات الممثلة للفنانين. وأقدر أن تنأى عن أي خيارات ارتجالية وغير محسوبة النتائج وأن تمنح للحركة المسرحية الفرصة الكاملة للتجريب المسرحي بل وأن تعزز النهج فيه.
ختاما.. خلال تجربتك عشت مجموعة من الطرائف على خشبة المسرح.. احكي لنا إحدى هاته الطرائف؟
< حياتي المسرحية فعلا قد تكون سلسلة من الطرائف وبخاصة في مرحلة ما سمي بالاحتراف، لقد كان تنقلنا من مكان إلى مكان لعرض مسرحياتنا وما تتيحه الجولات من حياة حميمية بين الفانين، مجالا لحياة مليئة بالمنغصات وبالمضحكات. أذكر في هذا المجال أننا كنا بصدد عرض مسرحية “السيبة” بمدينة بركان سنة 2001، وقد كان قسم المسرح يقرر مكان العروض المفروض أن تلتزم بها الفرق. فبعد الناظور وتازة وجرادة ووجدة وصلنا بركان بقاعة السينما الوحيدة الموجودة بالمدينة. كانت عبارة عن شبه مزبلة أو تكاد، غير مجهزة بالمرة، نظفنا ما استطعنا ووجدنا الحلول التي ستسمح على الأقل في تقديم العرض في صورة مرضية قليلا. وجلسنا ننتظر الجمهور. بالكاد بدأ وصول الجمهور، لكنهم تقريبا يجلسون في المكان الأبعد عن الخشبة، سواء كانوا أفرادا أو كان الواحد برفقة صديقته. فرغم توسلنا لهم أن يتقدموا للأمام فقد أصر العدد القليل الحاضر على الالتزام بمقاعده الخلفية وما إن انطفأت الأضواء حتى بدأنا نسمع أصوات فتح قنينات الخمر مع هرج ومرج، فما كان من السي محمد الطبعي إلا أن أوقف العرض موجها كلامه بكل الاحترام اللازم طالبا منهم أن يتركونا نتابع العرض على أن نجلس إليهم في الأخير ونشرب جميعا. وكان صراحة من الطرائف المضحكة التي عشتها، وبالمناسبة كنا قد استأنفنا العرض وفق الاقتراح الذي قدمه سي محمد الطبعي للجمهور.
حاوره: محمد توفيق أمزيان