السلطات العمومية مطالبة بمواجهة الانحراف المرتبط بإدارة المال العام

شدد الأستاذ عبد اللطيف اعمو منسق مجموعة العمل التقدمي ” حزب التقدم والاشتراكية” على ضرورة قيام السلطات العمومية ليس فقط بضمان احترام المعايير والمبادئ والقيم الديمقراطـية، بالإضافة إلى القواعد القانونية التي تحكم إدارة الأموال العمومية، بل أيضا ب “الوقاية، طبقا للقانون، من كل أشكال الانحراف المرتبطة بنشاط الإدارات والهيئات العمومية وباستعمال الأموال الموجودة تحت تصرفها، وبإبرام الصفقات العمومية وتدبيرها، والزجر عن هذه الانحرافات”.
وأكد عبد اللطيف أوعمو، في مداخلة له، أول أمس الثلاثاء، خلال مناقشة موضوع الصفقات العمومية بمجلس المستشارين، في إطار جلسته الشهرية الخاصة بأجوبة رئيس الحكومة على اسئلة تتعلق بالسياسة العامة، على أن مسألة تخليق مسلسل اتخاذ القرار العمومي في ميدان الاستثمار تبقى في قلب رهانات الحكامة الجيدة في مجال الصفقات العمومية.
فيما يلي النص الكامل للمداخلة التي همت محور نظام الصفقات العمومية ورهان الحكامة الجيدة،

السيد الرئيس،
السيد رئيس الحكومة المحترم،
السيدات والسادة المستشارين،
تعتبر الصفقات العمومية منظومة من الآليات لتنفيذ الميزانيات العمومية، عبر توجهات يجب أن تكون منسجمة مع برنامج الحكومة وأولوياتها وأجندتها، باعتبار أن سوق الصفقات يقدر ب 100 مليار درهم، ويشكل 15% من الناتج الداخلي الخام، وأكثر من 60 % من الاعتمادات المرصودة للوزارات والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية، حسب الاستطلاعات المنجزة في الموضوع.
وبذلك، فإن الصفقات العمومية وسيلة لتوزيع الثروة الوطنية، لأنها تشكل 80 % من حجم أعمال المقاولة الوطنية للبنايات والأشغال العمومية و70% من نشاط مكاتب الدراسات.
وبخصوص المساطر التنظيمية، لوحظ أن هناك ضعفا في البرمجة التوقعية والطلبات، وفي تحديد الحاجيات وإعداد الصفقة. كما أن هناك غيابا للعقوبات وضعفا للمراقبة. فيما تجد الشركات الجديدة صعوبة في الاستفادة من الصفقات العمومية. وهو ما يؤدي إجمالا إلى التأثير على التنافسية.
وحسب الدراسات التي أجرتها مختلف المؤسسات الدستورية وهيئات الحكامة الوطنية، فإن أكثر من 54% من المقاولات المغربية أقرت بوجود المحسوبية في مجال الصفقات العمومية، وأن 36 % من الشركات، قالت أنها كانت موضوع إقصاء وضحية مسطرة غير عادية، وبالمقابل، اعتبرت 64 % من المقاولات، أن تفويت الصفقات يكون عادة منصفا وعاديا. (مجلس المنافسة)
كما كشفت دراسات أخرى أن 10 % فقط من المقاولات المغربية تشارك بانتظام في الصفقات العمومية، مما يؤشر بأن هناك أسبقية للمقاولات الأجنبية أو لأصحاب الحظوة. مما يمثل في كثير من الأحيان تمييزا غير مبرر. فيما تعتبر 54 % من المقاولات المساطر المتعلقة بهذه الصفقات معقدة ومكلفة، في حين أكدت 60 % من المقاولات المغربية أن الصفقات العمومية غير شفافة، وأن الرشوة متفشية في هذا المجال. (المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي).
بدون شك، هناك عدد كبير من العوائق والحواجز التنظيمية، المتعلقة بالتعقيدات المسطرية وبمعايير اختيار الطلبات، والحواجز البنيوية المرتبطة بالقدرة التقنية للإدارة المستهدفة والحواجز الإستراتيجية المرتبطة بالعلاقات والأسعار.
لكن، رغم ذلك ستبقى الصفقات العمومية رافعة إستراتيجية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، بالرغم من وجود اختلالات عميقة تضعف دورها التنموي، باعتبار أنها تساهم بشكل كبير في تعميق العجز التجاري، وفي تقزيم احتياطي المغرب من العملة الصعبة، بدل تنشيط الاقتصاد، وخلق دينامية كبيرة وقيمة مضافة وفرص للشغل.
وهذا ما يجعلها لا تستجيب بالشكل المطلوب لحاجيات دافعي الضرائب، المتمثلة أساسا في خلق الثروات الكفيلة بتحسين مستوى عيش الساكنة. وهو مؤشر عن وجود قصور على مستوى حكامة الصفقات العمومية. مما يؤثر سلبا على النسق التنموي للبلد برمته.
فإذا كانت الحكومة قد بذلت جهدا كبيرا في السنوات الأخيرة، بإصدار مرسوم 20 مارس 2013 المتعلق بالصفقات العمومية ومرسوم دفتر الشروط الإدارية العامة المطبقة على صفقات الأشغال بتاريخ 13 يناير 2016 بقصد إغناء منظومة بكاملها والتفكير في إحداث وكالة خاصة لتنفيذ المشاريع، بالإضافة إلى آليات أخرى كالوكالات الجهوية لتنفيذ المشاريع الجهوية، فذلك كله يبقى دون صدى مؤثر ووازن.
لأن ما لا يمكن قياسه، لا يمكن تقييمه، لذلك أوصى المجلس الأعلى للحسابات بضرورة إنجاز دراسة استراتيجية تبين بدقة الأهداف المتوخاة في مجال التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية في ارتباط مع الطلبيات العمومية، والقيام بالدراسات القبلية المناسبة للمشاريع المزمع إدراجها في إطار الاتفاقيات، والتي تكون موضوع صفقات عمومية، وذلك من أجل ضبط بنود الاتفاقيات وضبط الالتزامات المالية لمختلف الشركاء، وإلزام صاحب الصفقة بتقديم برنامج دقيق لتنفيذ الأشغال وضبط الكلفة.
لذلك، فإن إشكالية الحكامة في مجال الصفقات العمومية ستسائلكم، السيد رئيس الحكومة، على مستويات عدة: السياسية منها والاقتصادية والاجتماعية.
فعلى المستوى السياسي، يكفي التذكير بالمادتين 154 و 36 من الدستور اللتان تتضمنان العناصر الأساسية لتنظيم المرافق العمومية بضمان احترام المعايير والمبادئ والقيم الديمقراطية والقواعد القانونية التي تحكم تدبير المال العام والوقاية من كل أشكال الانحراف، والتي تفرض في أداءنا العمومي اعتماد نظام حكامة منفتحة وشفافة ومسؤولة للصفقات العمومية.
وعلى المستوى الاقتصادي، أضحت النجاعة الاقتصادية محرك الأداء العمومي، والمعيار الأساسي لتقييم وتقدير نجاعة أداء المشاريع العمومية، خاصة فيما يتعلق بالمشتريات العمومية، التي تنصهر شيئا فشيئا في قوالب العولمة الضاغطة.
لذلك، فإن تحسين طرق وأنماط تدبير الشأن العام أضحى تحديا جوهريا، نحو مزيد من الفعالية على مستوى المشتريات العمومية بالخصوص. وهو ما يمر بالضرورة عبر ترشيد النفقات العمومية وضمان الاستخدام السليم للموارد ودمقرطـة تدبيرها، مع تحقيق الأهداف بأقل كلفة ممكنة، من منطلق أن التحكم في مستوى الإنفاق هو المحدد الأساس لمستوى الضغط الضريبي ولمستوى العجز في الميزانية.
وعلى المستوى الاجتماعي، فإن نجاعة الأداء الاجتماعي للمقتنيات العمومية والرفع من فعالية الإنفاق العام أصبحت على رأس المطالب المجتمعية. والرأي العام يراقب كيفية التدبير ودرجة الشفافية ومدى الحرص على اتباع المساطر الخاصة بالنفقات العمومية واندماج الفاعلين المدبرين.
وهو ما يضع مدبري الشأن العام والقائمين على تنفيذ السياسات العمومية أمام مسؤولية اجتماعية وأخلاقية كبيرة تجاه دافعي الضرائب.
مع العلم أن كل الآليات المنظمة للحكامة ستبقى مجرد شعارات، ما لم تتوفر إرادة سياسية قوية ووعي مجتمعي راسخ.
لأن عدم وجود نهج أخلاقي والتلكؤ في التطبيق الصارم للعقوبات الرادعة للسلوك الفردي والجماعي للمشترين العموميين والمتعاقدين معهم من شأنه أن يجعل كل إجراءات الحكامة العمومية، فارغة من كل فائدة ملموسة.
كما يجب التخلي عن المنطق الحصري للمعاقبة عن الأخطاء، لفائدة الانتقال النوعي لمنطق رصد وتدبير المخاطر وتقويم مشاريع الاستثمارات العمومية.
وبالتالي، فإن السلطات العمومية مطالبة ليس فقط بضمان احترام المعايير والمبادئ والقيم الديمقراطـية، بالإضافة إلى القواعد القانونية التي تحكم إدارة الأموال العمومية، بل هي مطالبة كذلك، ب «الوقاية، طبقا للقانون، من كل أشكال الانحراف المرتبطة بنشاط الإدارات والهيئات العمومية وباستعمال الأموال الموجودة تحت تصرفها، وبإبرام الصفقات العمومية وتدبيرها، والزجر عن هذه الانحرافات” (المادة 36 من الدستور).
وهذا يعني أن مسألة تخليق مسلسل اتخاذ القرار العمومي في ميدان الاستثمار تبقى في قلب رهانات الحكامة الجيدة في مجال الصفقات العمومية.

Related posts

Top