ما يزال الإنتاج المغربي في مجال أدب الأطفال يتسم بمحدودية الانتشار، وهذا راجع إلى كون دور النشر المغربية لا تحفز على الكتابة للفئة المشار إليها؛ بالنظر إلى ما يتطلبه ذلك من تكاليف مادية باهظة، كما أن أدباءنا لا يولون الاهتمام لهذا الأدب، باستثناء فئة قليلة منهم، آمنت بأهمية مخاطبة الأطفال بواسطة نصوص قصصية وشعرية ومسرحية.. لأجل توعيتهم والرقي بمداركهم المعرفية. وبهذا الصدد كان لبيان اليوم حوار مع مجموعة من الأدباء المغاربة الفاعلين في هذا المجال.
ونلتقي اليوم مع الأديب المغربي جمال بوطيب الفائز خلال هذه السنة بجائزة المغرب للكتاب في فرع أدب الأطفال.
> ما هي المبادئ الأساسية التي جعلتك تكرس اهتمامك للكتابة للأطفال؟
< الكتابة للطفل هي استجابة لرغبة ذاتية أولا في إرضاء فضول إنتاجي يستهدف فئة كثيرا ما روج بأن الكتابة لها مغامرة غير محمودة العواقب، وبالتالي فإن المتحكمات في هذه الرغبة هي أساسا إنتاج نصوص لفئة عمرية بعينها، بلغة هذه الفئة وبخيالها وبتفكيرها، بل وحتى بحلمها، مما يجعل مسألة إنتاج نصوص لهذه الفئة تنطلق من كونها تمرينا لنصوص إضافية، وامتحانا لإمكانيات الانتقال من حالة إلى حالات كتابية وواقعية وحلمية جديدة.
> هل هناك مواضيع محددة بخصوص الكتابة للأطفال، أم أن جميع المواضيع صالحة لهذا الغرض؟
< كل ما يعرفه الطفل يصلح لأن يكون موضوع كتابة، بل إن طفل اليوم يرغم كاتبه على أن يكون كاتبا عالما، بالإضافة إلى كونه كاتبا مبدعا، لأنه يعرف من خلال زمنه ومحيطه ما لا يعرفه الكبير معرفيا وتكنولوجيا، بل وحتى تخييليا، مما يصعب من إمكانية إقناعه بنصوص قد يكون اسمها الأصح هو الإعداد، أي إعداد نصوص للأطفال عوض إبداعها، ومكتباتنا العربية غنية بهذه النماذج المعدة. طفل اليوم وفي سن مبكرة يدرس أزيد من لغتين أو ثلاث ويدرس الإعلاميات ويلعب بالهاتف الذكي واللوحة الالكترونية ويتنقل بين المواقع ويحل المتاهات الصعبة، فإذا لم يكن الكاتب قادرا على أن يطوع آلياته الكتابية لغة وفكرا وتخييلا ومعرفة بما يتماشى مع هذا الطفل، فمن الأجدر أن يقوم بإعداد نصوص للأطفال عوض الكتابة لهم والإبداع بلغتهم.
> تكتب للصغار وللكبار، كيف تعيش هذه التجربة، وما هي الصعوبات التي تواجهها في مخاطبتك لكل فئة على حدة؟
< الانتقال ممكن غير أن المغامرة تكمن في مدى النجاح في هذا الانتقال، لذلك فإن أي كاتب يكتب للكبار وللصغار يكون أمام مشكل أساس هو مشكل اللغة، بمختلف تجلياتها سواء أكانت تصف أو تحكي أو تنتقد أو تستفهم، وبالتالي فإن أية محاولة للقفز على هذا التردد اللغوي قد يكون مصيرها الفشل، بالإضافة إلى هذه الصعوبة هناك صعوبة الجنس ففي الشعر مثلا يصعب أن تتحرر من الموسيقى في نص موجه إلى الطفل، وفي القصة يصعب أن تخلص للوصف أو تكتب قصة اللازمن أو اللامكان أو اللاحدث، لابد من تكامل المكونات جميعها، وفي المسرحية الموجهة للطفل لابد من القدرة على جعل الحوار حوارا يستدعي تفاعلية المعرفة لا تفاعلية الذهن…الخ. وتبقى صعوبة أخرى يمكن أن تضاف إلى ما سبق هي صعوبة الفئة العمرية بين الصبي واليافع والشاب والكبير وبين الذكر والأنثى في غير قليل من الأحيان.
> ما هو تقييمك لما ينشر من كتابات موجهة للأطفال؟
< الكتاب الموجه للطفل يتم تقويمه معرفيا وشكليا وقيميا، على المستوى الشكلي يمكن للفشل أن يتدارك بتعديل المنتوج أو البحث عن مستوى أعلى فنيا. أما على المستوى المعرفي فكثير مما يكتب للطفل يخرج عن الإبداعية إلى الإعداد وإعادة الإنتاج والاقتباس والترجمة والنقل وغيره، لذلك لابد من التمييز بين هذه المستويات كلها، غير أن الخطر الرئيس في ما يكتب للأطفال قد يكون في المنتوج القيمي الذي تقدمه هذه الكتب، والذي ينبغي أن يكون دائما تحت مراقبة الأكبر وليا كان أو موجها أو مربيا أو معلما، حتى لا يكون القارئ الطفل عرضة لأية أشكال تضليلية ثقافيا و أخلاقيا ومعرفيا.
> هناك ندرة للأدباء المغاربة الذين يهتمون بالكتابة للصغار، لأي شيء يرجع ذلك؟
< يمكن الحديث عن قلة الأقلام، ولكن أعتقد بأن التراكم بدأ يحدث من خلال مجموعة من الأسماء التي يمكن أن تسرد فنعرف من خلالها هذا التوسع، ولابد من الاعتراف بفضلين: الفضل الأول هو فضل الجيل المؤسس والجيل المجنس لهذا الأدب بالمغرب والفضل الثاني الاعتراف ببعض الأشكال التشجيعية التي بدأ يلقاها هذا الأدب وفي مقدمتها جائزة المغرب للكتاب الموجه للطفل والشباب، وإحداث بعض دور النشر أقساما لأدب الطفل وتخصص دور نشر أخرى في هذا الأدب دون غيره..
> هل دور النشر تشجع على الكتابة للأطفال؟
< لكل دار نشر استراتيجيتها الخاصة في النشر، وفي ضوئها يتم التفاعل والتجاوب مع كتاب الطفل، وأعتقد أن كثيرا من دور النشر تهتم بهذا الجانب الذي ينبغي أن يدعم ويدعم كتابه وناشروه من أجل الدفع به نحو آفاق أرحب وأوسع.
يبقى أن نشير إلى حاجتنا الوطنية إلى مجلة لأدب الأطفال في المغرب وهو ما ليس بعزيز على دور النشر الوطنية بمختلف توجهاتها.
> ما مدى انتشار أدب الطفل المغربي خارج الحدود؟
< كثير من الكتاب المغاربة يؤثثون فضاءات المجلات والدوريات المتخصصة في الكتابة للطفل، وحضورهم متميز وكتاباتهم مطلوبة وتشهد إقبالا محترما، ويكفي أن نعود إلى هذه الدوريات والمجلات المتعددة للتأكد من هذا المعطى.
ما موقع كتابات أدبائنا في المقررات الدراسية؟
< ظل هذا الحضور باهتا في المقررات الدراسية، ولكن ابتداء من السنة المقبلة ستشهد مجموعة من المقررات بالمستويات الدراسية المختلفة حضورا لأدب الأطفال من خلال أسماء كتابية متميزة مغربية ومشرقية، ولعل الاهتمام الوطني بأدب الطفل وارتفاع أصوات المناداة بالاهتمام به ستظهر نتائج ايجابية على هذا المستوى قريبا.
> حاوره: عبد العالي بركات