أعلن النائب أحمد العبادي عضو فريق التقدم والاشتراكية بمجلس النواب عن رفض الفريق النيابي مشروع قانون المالية 2025 لكونه لا يَـستجيب حتى لالتزامات البرنامج الحكومي، وبالأحرى أن يكون جوابا شافيا على الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية الصعبة.
وأبرز أحمد العبادي أن الغائب الأبرز يظل هو المدخل السياسي، داعيا الحكومة إلى الانفتاح على الحوار مع الأحزاب السياسية، أغلبيةً ومعارضةً، حيث لا يستقيم الاستمرار في تجاهل كل هذه المظاهر من العزوف وانعدام الثقة
فيما يلي النص الكامب لمداخلة النائب أحم العبادي:
السيد الرئيس؛ السيدات والسادة الوزراء، السيدات والسادة النواب؛
اليوم، ونحنُ نناقش مشروع قانون مالية 2025، فإننا نتداوُلُ في المصير الاجتماعي لملايين المغاربة، وفي مستقبل الاقتصاد الوطني والمقاولة المغربية.
ولذلك نُرَكِّزُ، في فريق التقدم والاشتراكية، على مُساءَلةِ الاختيارات الحكومية. مُساءلة نُريدُهَا لحظةً سياسيةً بامتياز. ولو أنَّ الأبعادَ الديموقراطية والحقوقيةَ هي الغائبُ الأكبر عن أجْنِدَةِ هذه الحكومة.
إنَّ مشروع قانون مالية 2025، يتضمن فعلاً إيجابياتٍ قليلة. ولكن التدابير التي أتى بها، وتلك التي لم يأتِ بها، تجعلُهُ لا يَعكِسُ تَوَجُّهَاتِهِ المعلنة. كما أنه، على غرار سابِقِيه الثلاثة، لا يرقى إلى أنْ يشكِّـــــلُ عاملاً لاستعادة الثقة، ولا جَواباً على الصعوبات الاقتصادية والمعضلات الاجتماعية.
إنه مشروعٌ مِن دونِ نَـــــفَسٍ إصلاحي أو إبداعٍ سياسي للحلول. يُقَدِّمُ كلَّ القضايا على أنها أولوية، في مقابِل منجزٍ متواضعٍ على المستويات الديموقراطية والاقتصادية والاجتماعية. كما أنه مشروعٌ يقومُ على فرضياتٍ مُضَخَّمَة وغير واقعية، وليس فيه ما يُعزز فعلاً سيادَتنا الاقتصادية، ولا ما يبرهن على حُسنِ استثمار الفرص والإمكانيات الذاتية لبلادنا.
السيد الرئيس؛
لا بد هنا من أنْ نُعربُ عن اعتزازنا بالمكتسبات والاعترافاتِ الوازنة التي تُراكِمُها بلادُنا على دربِ الطيِّ النهائي للنزاع المفتعل حول صحرائنا المغربية، وذلك بفضل سياسة ناجعةٍ، قِوامُها الحزمُ والمبادرةُ والاستباق، والتي يَقودُها جلالة الملك حفظه الله.
ونؤكد على أنَّ صماَّمَ الأمانِ أمام كل التحديات هو تمتينُ جبهتنا الداخلية، ديموقراطيا؛ واقتصاديا؛ واجتماعيا.
السيد الرئيس؛
فعلاً، إن اقتصادَنَا الوطني وماليتَنا العمومية لهما مناعة، تمَّ اكتسابُها بفضل تَراكُمِ الإصلاحات التي باشَرَتها بلادُنا منذ نهايات التسعينات، وكانت محمولةً سياسيا بقوة. وهي فرصة لمساءلة الحكومة حول ماذا تفعلُ بهذا الرصيد؟ ولماذا وضَعَتْ وثيقةَ النموذج التنموي الجديد فوق الرفوف؟
إنَّ مشروع القانون المالي الذي نناقشه اليوم لا يَخرُجُ عن قاعدةِ عملِ هذه الحكومة، التي في عهدها تفاقَمَت أزمة الثقة، وبرزت احتقاناتٌ اجتماعية في أوساطِ معظم القطاعات والفئاتٍ. وهناك حيرةٌ لدى المواطن بين ما يسمعه من برامج معلَنَة بملايير الدراهم، وبين ما يعيشه من ارتفاعٍ فاحشٍ للأسعار ولكُلفة المعيشة، ومن تدهورٍ للقدرة الشرائية.
لكن، أمام كلِّ هذه الأوضاع، تُصِرُّ الحكومة على الرضى عن الذات، وادِّعاءِ إنجاز كل شيء. وهو خطابٌ خطير من شأنه أن يُفاقِمَ الاحتقان.
وعِوض أن تُغَيِّرَ الحكومةُ سياساتها، اكتفتْ فقط بتغيير أشخاص بأشخاص آخرين، نتمنى لهم النجاح.
السيد الرئيس؛
يُخبرنا مشروع قانون المالية بنجاح الحكومة في إنجازِ خُطاطةٍ حول سوق الشغل، بغلاف مالي قدره 14 مليار درهماً، لكن دون أيِّ تفاصيل.
والجميع يعلمُ أنَّ خلق مناصب الشغل يتطلب تحقيقَ نِسَبِ نموٍّ مرتفعة، من خلال خلق مناخ جاذبٍ للاستثمار. لكن الحكومة لم تحقق سوى نِسَبَ نُموٍّ ضعيفة (بين 1 و3%)، على عكس 4% التي التزمت بها.
وأمام وَعْدِ الحكومة بإحداثِ مليون منصب شغل، فَـــــقَدَ اقتصادُنا الوطني مئات الآلاف من مناصب الشغل؛ وقَفَزَ معدلُ البطالة إلى 13,1% عموماً و36,1% في أوساط الشباب. كما قَفَزَ عددُ Les NEET إلى 4.3 مليون.
وكناَّ ننتظر أن تعترفَ الحكومةُ بفشل برنامج فرصة، وبرنامج أوراش، لكنها مُصِرَّةٌ على التَّعَالي وعدمِ الإقرار بأخطائها.
ونؤكد على أن الإخفاقَ في التشغيل هو برهانٌ على محدودية المقاربات الاقتصادية للحكومة، وعلى عجزها في تطويرِ قُدراتِ المقاولات المغربية وفي اعتماد تطويرٍ حقيقي لتصنيعٍ حديث. حيث لا يمكن للحكومة أن تُفَسِّر هذه الوضعية فقط بالجفاف الذي رافَقَ جُلَّ الحكوماتِ دون أن تَصِلَ البطالةُ إلى كلِّ هذا المستوى المقلق والخطير.
وإذا كُــــناَّ نثمن مجهوداتِ الرفع من الموارد وتحصيلِها، وتخصيص 340 مليار للاستثمار العمومي، فإننا نُنَبِّهُ إلى معضلات: تواضُع نسبة التنفيذ لدى عددٍ من القطاعات؛ والترحيل المتواصل لبعض الاعتمادات؛ والتوزيع غير العادل ترابيا.
كما نسجل تواضُع الاستثمارات الأجنبية المباشرة. أما مشاريع اللجنة الوطنية للاستثمار، فننبه إلى ضرورة تتبُّع الحكومة لمدى تنفيذها الفعلي، وإلى ضُعف مردوديتها من حيث الشغل.
كما نكرر تنبيه الحكومة إلى أنها لم تُخرِج بعدُ مرسوم دعم المقاولات الصغرى والصغرى جدًّا. وهو أمرٌ غير قانوني وغير مفهوم.
وإذا كان تحفيزُ الاستثمار الخصوصي رهيناً بالتحسين الحقيقي لمناخ الأعمال، وبإعمال دولة القانون في المنافسة الاقتصادية، ومكافحة الريع والفساد، فإنه على عكس هذا الاتجاه، تراجَعَتْ بلادُنا خلال السنوات الأخيرة في مؤشرات إدراك الفساد والحرية الاقتصادية، ويَسود جوٌّ من عدم الثقة لدى المقاولات، بشهادة تقارير رسمية وطنية.
وهي مناسبة لندعو الحكومة إلى تفادي التهجُّم على المؤسسات الدستورية والرسمية للحكامة التي تقوم بعملها مع جميع الحكومات المتعاقبة.
أما بالنسبة لغلاء الأسعار، فإن مشروع قانون المالية، يُخبِرُنا بأنه يتم التحكُّم في التضخم حاليا، فيما بين 1 و2%. لكن على الحكومة أنْ تُراجِعَ الرقم الاستدلالي للأثمان عند الاستهلاك، حيث بسبب الغلاء: 82.5% من المواطنين صرَّحُوا بتدهور مستوى معيشتهم، كما التحقَ 3.2 مليون مواطناً بدائرة الفقر والهشاشة.
وإذا كنا ندعمُ بعض التدابير، من قبيل دعم المقاصة وأسعار الكهرباء، فإننا نتساءلُ عن جدوى إصرار الحكومة على الاستمرار في تقديمِ الدعم والامتيازات الضريبية والجمركية، بشكلٍ سخٍيٍّ لفئة قليلة، بدون أثرٍ إيجابي على المواطن، (مثلاً أرباب النقل ومستوردي الأبقار والأغنام)؛ ودون إرادةٍ في ربط الدعم بتسقيف الأسعار؛ ودون مكافحةٍ حقيقية للمضاربات؛ ودون تدخلٍ لضبط هوامش الربح، ودون إرادةٍ في رفع الضريبة على الفاعلين في سوق المحروقات والاتصالات.
أما على مستوى الحوار الاجتماعي، فلا يَسَعُنا سوى تثمينُ مراجعةِ أشطر الضريبة على الدخل، والزياداتِ المقررة في الأجور. علماً أنَّ هذا المجهود المالي الهام لا يُغطّي فارق ارتفاع كُلفة المعيشة.
في نفس الوقت، فإن هذه المكاسب المادية يتعين على الحكومة ألاَّ تتعامل معها بمنطق المقايضة مع العمال والفرقاء الاجتماعيين، في الإصلاحات التي يتعين طبعاً أن تُجْرَى، لكن دون المساس بحقوق الطبقة العاملة.
السيد الرئيس؛
إنَّ انخراَطنا في ورش الحماية الاجتماعية لا يُضَاهِيهِ سوى حرصُنا على توفير شروطِ حُسن تفعيلِه. وفي مقدمتها إحداثُ قانون تمويل الحماية الاجتماعية، لتتوضَّح الموارد والنفقات الحقيقية، دون تضخيمٍ في الأرقام، ودون عتباتٍ إقصائية.
في هذا الإطار، تقريباً 4 ملايين أسرة تستفيد الآن من الدعم الاجتماعي المباشر، يعني أنَّ حواليْ 14 مليون مغربية ومغربي، كلهم يعيشون على إعانة الدولة. وذلك ما يُبيِّنُ الحجم المتصاعد والمقلق للفقر، بما يُسائلُ الحكومةَ أساساً حول إشكالية عُظمى هي كيفياتُ إدماج جميع المغاربة في مسلسل الإنتاج والتنمية والشغل.
وإذ نثمِّنُ المجهودات في الصحة، فإن الحكومة يجبُ أن تعترف بأنها فشلت في تعميم التغطية الصحية. والدليل على ذلك هو أنَّ 7 ملايين شخصاً من المهنيين المستقلين ومن الذين صنَّفَتهم الحكومة قادرين على الأداء، يُوجَدُونَ خارجَ نظام التغطية الصحية. كما لم يتجاوز معدَّل تحصيل الاشتراكات 36%. وذلك دون الحديث عن التخوفات من أن تجعل الحكومةُ القطاعَ الصحي الخصوصي هو المستفيد الفعلي الأول من هذا الورش الاجتماعي، على حساب إصلاح المستشفى العمومي.
السيد الرئيس؛
بالنسبة للسيادة الاقتصادية، كان التزامُ برنامجِ الحكومة صريحاً بإنتاج 34 مليار درهم محليا من قيمة الواردات. لكن عجز الميزان التجاري ارتفع في 2024 ب 3.2% ليصل إلــــــــــــــــــــــــــى – 197 مليار درهم.
ورغم التقدم الإيجابي، أساساً في صناعة السيارات، إلا أنَّ الصناعة، بما فيها الصناعةُ التقليدية، لم تخلق سوى 58 ألف منصب شغل؛ مما يطرح على الحكومة سؤالاً حقيقيا حول مدى استعدادها لإعمال تصنيعٍ حديث وقوي.
كما أن 12.5% من وارداتنا هي غذائية، بفاتورة 90 مليار درهم، بما يؤكد ضرورة المراجعة العميقة للسياسة الفلاحية الحالية، التي أدت بنا، رغم الدعم والإعفاءات والبرامج المختلفة، إلى تصدير الماء، في مقابل استيراد الحبوب واللحوم والقطاني والزيت والزيتون واللحم والأبقار والأغنام. كما أدت إلى الفشل في خلق طبقة وسطى فلاحية، وإلى ضُعف استفادة العالَم القروي من ثمار التنمية، وإلى تَضَرُّرِ الفلاح الصغير الذي يُعاني من الجفاف والقروض والمضاربات.
وإذا كنا نُنَوِّهُ بتوجُّهِ بلادنا القوي نحو الطاقات النظيفة، فإن الحكومة لا زالتْ تقفُ بلا إرادةٍ أمام واقِعِ السيادة الطاقية حاليا، حيث أنَّ وارداتِنا الطاقية ضخمة وتستنزف الاقتصاد والمقاولة وجيوب المواطِن، في غياب أيِّ إرادة لتشغيل مصفاة لاسامير.
وفيما يرتبط باللامركزية، فإن مشروع القانون المالي الحالي جاء مثلَ سابقيه، اللَّهُمَّ الرفعُ الإيجابي من حصة الجماعات الترابية من TVA من 30% إلى 32%، حيث قدمنا تعديلاً بهدف رفع هذه النسبة بالنظر إلى الخصاص المالي المهول لدى معظم الجماعات.
والواقع أنَّ 60% من الثروة الوطنية لا تزالُ تخلقها ثلاثُ جهات فقط. كما أكدت فيضاناتُ الجنوب الشرقي وزلزال الحوز الحجم الكبير للتفاوتات الترابية، بما يَفرضُ مراجعة عميقةً لبرنامج تقليص الفوارق المجالية.
وفي مقابل التزام الحكومة بتوفير 120 مليار درهماً على خمس سنوات (أي 24 مليار درهم في السنة) لتأهيل المناطق المتضررة من زلزال الحوز، يتبين أن مجموع الإنفاق في 2024 لا يتجاوز تقريبا 9 مليار درهم، بما يؤكد تعثرات هذا البرنامج وصعوبات التمويل. وهي مناسبة لننبه إلى ضرورة عدم تكرار نفس التعثرات أثناء تنفيذ البرنامج المخصَّص للأقاليم المعنية بالفيضانات، والذي ننوه به.
وفيما يتعلق باستدامة المالية العمومية، فإننا ننبه الحكومة إلى خطورة إغراق الميزانية بالديون، والتي نعتقد أن نسبتها الحقيقية تتجاوز 80% من PIB باحتسابِ مديونية المحفظة العمومية.
كما أننا نُسائِلُ توقُّع انخفاض عجز الميزانية، ولا سيما من حيث نسبة مساهمة التمويلات المبتكرة في تحقيق هذا المنجز، والتي بلغت حصيلتها 80 مليار درهماً ما بين 2021 و2024، بما يطرح تخوفاتٍ حقيقية حول مصير المرفق العمومي مع هذه الحكومة.
ولقد قدمنا تعديلاتٍ حول الإجراءات الضريبية، من قبيل الضريبة على الثروة، طالما أن الحكومة لم تعالج الإصلاحي الضريبي بالشكل الشامل والمطلوب والعادل. على غرار عجزها عن مباشرة إصلاحاتٍ جوهرية أخرى، كإصلاح مناهج وبرامج التعليم؛ ومحاربة الغش الضريبي؛ وإصلاح المحفظة العمومية؛ ومحاربة اقتصاد الظل؛ وإصلاح صناديق التقاعد؛ والجهوية؛ واللاتمركز الإداري.
ويظل الغائب الأبرز، كما قلنا، هو المدخلُ السياسي، حيث لا تقتربُ هذه الحكومة من المواضيع ذات الصلة بتوطيد المسار الديموقراطي.
وهي مناسبة ندعو فيها الحكومة إلى الانفتاح على الحوار مع الأحزاب السياسية، أغلبيةً ومعارضةً، حيث لا يستقيمُ الاستمرارُ في تجاهُلِ كل هذه المظاهر من العزوف وانعدام الثقة.
وفي الختام، فمشروع قانون مالية 2025 هو مشروعٌ لا يَـستجيبُ حتى لالتزامات البرنامج الحكومي، وبالأحرى أن يكون جواباً شافياًّ على الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية الصعبة.
ولذلك نعلن رفضنا له، ومواصلة العمل لأجل إقرار البديل الديموقراطي التقدمي.
وشكراً.
تصوير: رضوان موسى