لقد أصبح يوم 8 مارس من كل سنة مناسبة عالمية لمناقشة واستعراض الإنجازات التي تحققت لفائدة المرأة وطنيا ودوليا، ولرصد طموحات النساء في المستقبل. وهو فرصة متاحة للتأمل في التقدم الحاصل، مع تجديد الدعوة لتحسين وضعية المرأة ولتسريع وتيرة الجهود المبذولة من أجل إنصافها. وهي كذلك مناسبة للتعريف بمجهود النساء، وما يضطلعن به من أدوار استثنائية في صنع تاريخ بلدانهن ومجتمعاتهن.
يرفع اليوم العالمي للمرأة هذه السنة شعار “نطمح للمساواة، نبني بذكاء، نبدع من أجل التغيير”. ومن خلال هذا الشعار الأممي، تقترح الأمم المتحدة البحث عن طرق مبتكرة لتعزيز المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة، وخاصة في مجالات نظم الحماية الاجتماعية، والولوج إلى الخدمات العامة وتشييد البنى التحتية المستدامة.
وقد سبق للمنتظم الأممي، وهو يحتفل بعيد المرأة لسنة2018 أن اختار رفع رهان المناصفة من خلال شعار “المرأة في عالم العمل المتغير: “تناصف الكوكب (50/50) بحلول عام 2030”. بهدف التعجيل بتفعيل أهداف التنمية المستدامة في أفق 2030، وبالخصوص الهدف 5 الخاص بالمساواة بين الجنسين والهدف 4 الخاص بضمان التعليم الجيد والمنصف والشامل للجميع.
لكن، تبين للمنتظم الدولي بأن تحقيق أهداف التنمية المستدامة الطموحة (ODD) يتطلب الإقدام على تحولات وتغييرًات حقيقية، وابتكار مناهجً متكاملة وإبداع حلولً جديدة، خاصة فيما يتعلق بتعزيز المساواة بين الجنسين وتمكين جميع النساء والفتيات، حيث تشير المؤشرات المتوفرة إلى أن الإجراءات الحالية لن تكون كافية لتحقيق المناصفة بحلول عام 2030. وبالتالي، فالمقاربات المبتكرة، القادرة على تجاوز الوضع الراهن، أضحت ضرورية لإزالة العقبات البنيوية وضمان عدم ترك أي امرأة أو فتاة على الهامش.
ويستهدف اليوم الدولي للمرأة للعام 2019، وفقا للمحاور ذات الأولوية التي حددتها لجنة وضع المرأة في دورتها الثالثة والستين (CSW63) في مارس 2019 كل المدافعين عن المساواة بين الجنسين والمرأة المبتكرة، لكي يوظفوا الابتكار من أجل كسر الحواجز والتعجيل بالتقدم نحو المساواة بين الجنسين، وتشجيع الاستثمارات في الأنظمة الاجتماعية التي تراعي الفوارق بين الجنسين وتوفير الخدمات وتشييد البنيات التحتية التي تستجيب لاحتياجات النساء والفتيات، حتى يتمكن من لعب دور نشيط في بناء أنظمة أكثر شمولية.
وعلى الصعيد الوطني، فبالرغم من التقدم المحقق خاصة باعتماد قانون جديد للأسرة منذ سنة 2004، وقانون مناهضة العنف ضد النساء ومناهضة التحرش ودينامية الهيئات النسائية الحقوقية في المجال، لا تزال النساء المغربيات ضحايا للعديد من التفاوتات، وأولها مرتبط بالاندماج في سوق الشغل، حيث تسجل المندوبية السامية للتخطيط تراجع معدل نشاط النساء من 27,1% سنة 2007 إلى 22,4% سنة 2017.
فبينما تم تبني إصلاحات هامة للإطار القانوني بغية ضمان وتأمين المساواة بين الجنسين، لا تزال المرأة المغربية تعاني أشكالا هامة من التمييز. فبعض النظر عن أن النساء ينجزن معظم المهام المنزلية، فإنهن يتعرضن أيضا عندما يعملن إلى عدم الاستقرار المهني، وطغيان العمل غير النظامي والأجور المنخفضة مقارنة مع نظرائهن من الرجال.
ونسجل محدودية الولوج النسائي لمراكز صنع القرار، حيث يصير وصول المرأة إلى مناصب القيادة في الإدارة العمومية وفي القطاع الخاص مسألة صعبة ومعقدة. ويعتبر تحسين ولوج المرأة لمراكز القرار من أهم المؤشراًت الدالة على درجة المساواة وتكافؤ الفرص بين الجنسين وإقرار مبدأ المناصفة وعلى تغير الصورة النمطية للمرأة.
وبالرغم من أن الأهمية الديمغرافية للمرأة داخل المجتمع المغربي تفرض واقعا في اتجاه تعزيز حضور المرأة داخل الحياة العامة والسياسية والثقافية والاقتصادية … بحكم أنها أبانت عن قدرات وكفاءات عالية في مختلف المجالات، حتى أنها تتفوق في الدراسة والتكوين وفي مجالات أخرى على شقيقها الرجل، إلا أن عدم مواكبة السياسات العمومية لهاته الطفرة النوعية، وعدم مسايرة وانخراط المجتمع في مسار تمكين المرأة سياسيا واجتماعيا واقتصاديا قد يحول هذه النعمة الديمغرافية والتنموية إلى نقمة، إذا لم نحسن اختيار مكونات بناء مجتمع متماسك، يعاد فيه تقسيم الأدوار داخل الأسرة بشكلها التقليدي ليصنع للمرأة مكانة رفيعة ومحورية في بناء التحولات الجديدة للمجتمع المغربي.
كما أن عدم استهداف المناطق الهشة، بما فيه الانتباه الجدي لوضعية المرأة المغربية في العالم القروي وفي المناطق الجبلية، والتي تتسم بالهشاشة، قد يعمق أكثر من التفاوتات الاجتماعية والمجالية.
فالمرأة القروية مرتبطة بشكل كبير بالرجل، ويشهد مجتمعنا، مثله مثل المجتمعات التقليدية المحافظة، مقاومة ذكورية شرسة لتمكين المرأة اقتصاديا وثقافيا وسياسيا واجتماعيا وبيئيا. كما يفرض تقسيم العمل الغير المتكافئ على النساء القرويات القيام بكثير من الأنشطة المتعبة والمرهقة. وهو ما يؤثر على وضعيتهن وعلى وضعهن الاعتباري، ولا يترك لهن وقتا ثالثا خاصا بهن.
كما أن عدم استفادتهن من الموارد المتاحة بشكل عادل (الأرض – فرص التكوين – الرأسمال – الإرث – المهارات – …) يضاعف من هشاشتهن ويبقيهن في وضع تبعية، مما يتعين معه وضع آليات لتحسين وضع النساء القرويات، وتمكين المرأة من خلال التربية والتأطير والتكوين والتدريب المهني والتطبيب ودعم صحة الأم والطفل بتظافر الجهود بين مصالح الدولة والهيئات المنتخبة والمجتمع المدني، مع الحرص الجاد على تسهيل ولوجهن للخدمات العامة (الماء – الكهرباء – التطهير السائل – الطرق -….) .
كما يتعين تمكين النساء في العمل السياسي والتحفيز على الريادة وأن تلعب الأحزاب السياسية دورها في التأطير السياسي للنساء بدل استغلالهن الظرفي والنفعي الضيق كورقة انتخابية، لأن منطلق تحقيق التنمية المستدامة يبدأ بتحقيق التكافؤ الكامل بين الرجال والنساء على مستوى حقوق الإنسان وحقوق المواطنة.
وفي أفق ضمان تمتع جميع البنات والبنين والفتيات والفتيان بتعليم ابتدائي وثانوي مجاني ومنصف وجيّد، وتجويد المنظومة التربوية، يقتضي الوضع تشييد مزيد من دور الطالبات وتحسين خدماتها وتوسيع طاقتها الاستيعابية، وتحفيز القطاع الخاص والمقاولات المواطنة على الاستثمار في بنيات استقبال ملائمة لتفتق مواهب الطفلة القروية وتحفيزها على حسن العطاء.
كما يجب ضمان فرص الحصول على نوعية جيدة من الرعاية في مرحلة الطفولة المبكرة والتعليم قبل الابتدائي بالعالم القروي حتى يكون أطفالنا جاهزين للتعليم الابتدائي في أجواء تربوية تحفز على تكافئ الفرص بين الذكور والإناث ويسودها الاحترام المتبادل منذ سن مبكرة.
إن الطفرة التي تحققت في جل البوادي، من تزويد بالطاقة الكهربائية، لا بد أن تستفيد منها المرأة القروية بالدرجة الأولى من خلال تسهيل المهام والأدوار المنزلية المنوطة بالنساء، بتشجيعهن على استخدام آليات وتجهيزات منزلية وأدوات فلاحية ميسرة للإنتاج الزراعي ولتربية المواشي، تدعمها الدولة والمقاولات المنتجة، لكي تتوفر للمرأة القروية أدنى شروط العمل الممكن والمسهل للعمل، وتتفرغ أكثر لتربية الأبناء ولنفسها. فكثيرا ما ترهق ظروف العمل في المناطق القروية والجبلية الأجساد ونفسية النساء، دون اعتراف كاف بالجهد المبذول.
إن سيناريو التغيير العميق – والنموذج التنموي المرتقب، والذي من شأنه أن يجعل المغرب ينخرط في تغيير هيكلي لبيئته الاقتصادية، وفي تسريع مسار الالتقائية مع دول جنوب أوروبا في غضون جيل واحد – يتطلب منا تعديل الاستراتيجيات والسياسات العمومية وتكييفها لصالح الرأسمال اللامادي. وفي مقدمة هذا الجهد التنموي الضروري يوجد موقع المرأة المغربية المحوري في عملية التنمية. والأكيد أن أيّ تحجيم للدور السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي والبيئي للمرأة هو تحجيم لأهداف ومبادئ الديمقراطية والتنمية.
فمع المرأة تبدأ الحياة، ومعها تستمر.
فكل عام وأنتن عنوان الحب وسعة الصدر وقوة التحمل والشجاعة وحسن العطاء. وكل عام ونساء المغرب والعالم بألف خير.
> بقلم: عبد اللطيف أعمو