أفاد تقرير جديد لمنظمة العمل الدولية أن 2.78 مليون شخص يموتون سنويا بسبب طروف العمل، فيما يتعرض أزيد من 374 مليون شخص للإصابة أو المرض من خلال حوادث الشغل.
وذكر التقرير أن أيام العمل الضائعة لأسباب متعلقة بالصحة والسلامة المهنية تمثل حوالي 4 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وتصل في بعض البلدان إلى 6 بالمائة.
وأشار إلى أن التغييرات في ممارسات العمل والديموغرافيا والتكنولوجيا والبيئة تؤدي إلى خلق مخاوف جديدة تتعلق بالسلامة والصحة المهنية.
وتشمل التحديات المتزايدة، بحسب التقرير، المخاطر النفسية والاجتماعية والإجهاد المرتبط بالعمل والأمراض غير المعدية، وخاصة أمراض الدورة الدموية والجهاز التنفسي والسرطانات.
ويستعرض التقرير الذي نشر قبل اليوم العالمي للسلامة والصحة في العمل(28 أبريل)، مائة عام من العمل الذي قامت به منظمة العمل الدولية بشأن قضايا الصحة والسلامة المهنية، كما يسلط الضوء على قضايا الصحة والسلامة الناشئة في عالم الشغل.
وكانت أرقام سابقة لمنظمة العمل الدولية في سنة 2017، سجلت معاناة 160 مليون شخص في العالم من أمراض مرافقة للعمل، منهم 23% يعانون من السرطانات وأمراض القلب والأوعية الدموية، و17 % من الأمراض المنقولة المرافقة للعمل، و19% من الحوادث المهنية.
غير أن هذه التقديرات لا تكشف تماما حجم المشكلة، ولا الأثر الحقيقي للحوادث والأمراض المهنية على العمال والأسر والاقتصادات.. لذا يجب توفير بيانات وطنية أفضل من أجل فهم أفضل لأبعاد وعواقب الحوادث والإصابات والأمراض المتصلة بالعمل، ووضع سياسات واستراتيجيات فعالة لتعزيز السلامة والصحة في أماكن العمل.
وتحتفل منظمة العمل الدولية منذ عام 2003، باليوم العالمي للسلامة والصحة في مكان العمل في 28 أبريل من كل عام، حيث يهدف إلي الوقاية من الحوادث والأمراض المهنية على الصعيد العالمي. فهو حملة لزيادة الوعي يراد بها تركيز الاهتمام الدولي على حجم المشكلة وعلى كيفية تعزيز وخلق ثقافة الصحة والسلامة التي يمكن أن تساعد على التقليل من عدد الوفيات والإصابات المرتبطة بمكان العمل.
وكان تم اختيار يوم 28 أبريل من قبل رابطة الحركة النقابية في العالم عام 1996، تخليدا لذكرى ضحايا الحوادث والأمراض المهنية، وحيث أن الحكومات مسؤولة عن توفير البنية الهيكلية – القوانين والخدمات – الضرورية لضمان استمرار قدرة العمال على العمل ولازدهار الشركات؛ فإن ذلك يشتمل على تطوير برنامج وسياسة عامة وطنية ونظام تفتيش لإنفاذ الامتثال للتشريعات السلامة والمهنية والصحة والسياسة العامة المتصلة بها.. وتقع على العمال أيضا مسؤولية العمل بصورة آمنة وحماية أنفسهم وألا يعرضوا الآخرين للخطر، وأن يعرفوا حقوقهم ويشاركوا في تنفيذ تدابير وقائية.
نهج وقائي وآلية للحوار
تهدف السلامة والصحة المهنية في جوهرهما إلى إدارة المخاطر المهنية. ويعتبر نظام إدارة السلامة والصحة المهنية نهجا وقائيا يرمي إلى تطبيق إجراءات السلامة والصحة بأربع خطوات ويتضمن مبدأ التحسين الدائم. وترتكز مبادئه على دورة الخطة (وضع الخطة وتنفيذها وتقييم النتائج والقيام بالتحسينات). إلى جانب ذلك، يسعى نظام إدارة السلامة والصحة المهنية إلى بناء آلية شاملة ومنظّمة للعمل المشترك ما بين العمال والإدارة في تطبيق إجراءات السلامة والصحة. كما يساهم نهج الأنظمة في تقييم تحسّن الأداء في تطبيق إجراءات الوقاية والرقابة. تشكّل أنظمة إدارة السلامة والصحة المهنية أداة ناجعة في إدارة المخاطر الخاصة بنوع معين من الصناعات أو العمليّات أو المنظمات ومن الممكن تكييفها مع حالات مختلفة من حاجات الشركات الصغيرة إلى مختلف حاجات الصناعات المعقدة والخطيرة كالتعدين والصناعة الكيميائية والبناء.
ولكن من الغير الممكن ضمان حسن سير نظام إدارة السلامة والصحة المهنية من دون إرساء قاعدة فاعلة للحوار الاجتماعي في إطار لجان السلامة والصحة أو في سياق الآليات الأخرى مثل تدابير المفاوضة الجماعية. وسعيا إلى إنجاح تطبيق هذه الأنظمة، من الضروري ضمان الالتزام الإداري ومشاركة العمال الفاعلة في التطبيق.
خلال العقود الماضية، تم تطبيق أنظمة إدارة السلامة والصحة المهنية في شكل واسع في البلدان الصناعية والمتقدّمة من خلال تضمين المتطلّبات القانونية في التشريعات الوطنية وتعزيز المبادئ التوجيهية الوطنية وتفعيل المبادرات الطوعية لإصدار الشهادات. من الضروري اعتماد نظام إدارة السلامة والصحة المهنية عند تطبيق إجراءات الوقاية والحماية في مكان العمل لتحسين شروط وظروف وبيئة العمل. ووفقا لمبدأ التحسين الدائم، من الممكن القيام بمراجعة دورية للأداء ما يسمح بالوقاية من الحوادث والأمراض المهنية.
وطوال عقد أو أكثر من إرسائه، حظي نهج أنظمة إدارة السلامة والصحة المهنية باهتمام الشركات والحكومات والممارسين على المستوى الوطني والدولي. ومن المتوقع أن يضمن عدد متزايد من البلدان نظام إدارة السلامة والصحة المهنية في برامج السلامة والصحة المهنية الوطنية كأداة لتطوير آليات مستدامة لضمان تحسين السلامة والصحة المهنية. وكانت منظمة العمل الدولية أصدرت في العام 2001 مبادئ توجيهية حول أنظمة إدارة الصحة والسلامة المهنية وقد أصبحت هذه المبادئ التوجيهية نموذجا مُستخدما لتطوير المعايير الوطنية في هذا المجال.
عمالة الأطفال
وكانت منظمة الصحة العالمية قد خصصت حملة العام الماضي للتوعية بمخاطر ضعف الصحة المهنية لدى الأطفال والشباب عبر العالم، ليس فقط بهدف تشجيع العمل اللائق للشباب، ولكن أيضا لربط هذه الجهود بمكافحة عمالة الأطفال الخطرة وجميع أشكال العمل الأخرى.
ويشكل العمال الشباب البالغ عددهم 541 مليون عامل (15-24 سنة) في جميع أنحاء العالم، ومن بين هؤلاء 152 مليونا من ضحايا عمل الأطفال ؛ وما يقرب من نصفهم، أي 73 مليون طفل يعملون في عمالة الأطفال الخطرة. ومن حيث القيمة المطلقة، فإن ما يقرب من نصف عمالة الأطفال (72.1 مليون) موجود في أفريقيا، و62.1 مليون في آسيا والمحيط الهادئ، و10.7 مليون في الأمريكتين، و1.2 مليون في الدول العربية، و5.5 مليون في أوروبا وآسيا الوسطى.
وتشير التقديرات التي تعود كذلك إلى 2017 إلى أن عمالة الأطفال الخطرة هي الأكثر انتشارا بين 15-17 سنة.. ومع ذلك فإن ما يصل إلى ربع عمالة الأطفال الخطرة (19 مليون طفل) تتم من قبل الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 12 سنة، وأن 62% من جميع الأطفال في الأعمال الخطرة هم من الأولاد. ومن بين 152 مليون طفل في عمالة الأطفال، هناك 88 مليون طفل، و64 مليون بنت.
ويمكن للعديد من العوامل أن تزيد من تعرض الشباب لمخاطر الصحة والسلامة المهنية، مثل مرحلة نموهم الجسدي والنفسي، ونقص الخبرة العملية ونقص التدريب، والوعي المحدود بالمخاطر المرتبطة بالعمل ونقص القدرة على المفاوضة التي يمكن أن تدفع العمال الشباب إلى قبول المهام الخطرة، أو العمل في ظروف سيئة.
وذكر تقرير للمنظمة أصدرته آنذاك بالمناسبة أنه لا يمكن للتشريعات وحدها أن تقضي على عمل الأطفال، ولكن في الوقت نفسه لن يكون من الممكن القضاء عليه دون تشريعات فعالة.. فأكثر من 99.9 % من أطفال العالم في سن 5-17 عاما تشملهم اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 182 لعام 1999 بشأن حظر أسوأ أشكال عمل الأطفال والإجراءات الفورية للقضاء عليها والتي صادقت عليه 181 دولة. كما حظيت الاتفاقية رقم 138 لعام 1973 بشأن الحد الأدنى لسن الاستخدام بمصادقة واسعة، إذ صادقت عليها 170 دولة.. ولكن تحويل هذه المعايير إلى قوانين وطنية لا يزال يشكل تحديا كبيرا، وكذلك ضمان الرصد والتطبيق الفعالين للقوانين النافذة لمكافحة عمل الأطفال. وثمة أيضا حاجة إلى أنظمة قوية لتفتيش العمل لأنه نادرا ما يصل إلى أماكن العمل في الاقتصاد غير المنظم حيث يعمل معظم الأطفال العاملين.