ليس هناك رابط بين الهايكو والقصة القصيرة جدا، سوى أنهما ينتميان إلى فن الأدب، فضلا عن اشتراكهما في قصر النفس، غير أن إثارتهما معا فرضته ظروف ذات علاقة بساحتنا الثقافية تحديدا.
فقد كثر الحديث خلال السنوات العشر الأخيرة حول الفنين المذكورين، وبرزت أسماء جديدة تزعم أنها تبدع في هذا الفن (الهايكو) أو ذاك (القصة القصيرة جدا)، بل هناك من لا يتردد في القول بأنه رائد أحد الفنين المذكورين، رغم أنه محسوب على الجيل الجديد من الكتاب.
القصة القصيرة جدا بالمغرب – ولا حظوا أنني لا أرمز إليها بالق ق ج، كما يفعل الكثيرون من الجيل الحالي، وسأشرح السبب بعد ذلك- ليست وليدة اللحظة، بل لها امتداد في تاريخ الأدب المغربي، غير أن هناك من مبدعيها ونقادها الحاليين كذلك، ربما عن جهل، لا يكادون يذكرون روادها الحقيقيين، ولا يحملون أنفسهم مشاق البحث في الإنتاجات المتعلقة بهذا النوع من الفن الأدبي، سواء مجموعا في كتب أو متفرقا لا يزال في جرائد ومجلات ورقية، ويتم الاكتفاء في المقابل بذكر أسماء جديدة واعتبارها ممثلة للريادة والسبق في الإبداع، يا سبحان الله، مع العلم أن إتقانها الكتابة في هذا الجنس الإبداعي المسمى القصة القصيرة جدا، مسألة فيها نظر.
ما يدعو إلى الاستغراب أنه كيف يعقل أن من يبدع في مجال أدبي معين ويحبه ويغار عليه، وفي النهاية لا يعنى بذكره. على سبيل المثال، يكتفون بوضع الرمز التالي: ق ق ج. مع أن الأمر يتعلق بفن أدبي له تجنيس خاص به، وينبغي ذكره بحروفه الكاملة غير المنقوصة، على اعتبار أنه جزء لا يتجزأ من العملية الإبداعية ككل.
****
في الآونة الأخيرة كذلك، ظهر جيل جديد من الشعراء، يقول إنه يبدع فن الهايكو، على الطريقة المغربية، وهذا الإسم كما هو معلوم له ارتباط بثقافة أجنبية معينة هي الثقافة اليابانية، وبالتالي فإن تسمية شعر مغربي بالهايكو، مجرد محاولة بئيسة لجعل فن الأدب عبارة عن ماركة ما ، كما هو الحال بالنسبة لأي ماركة خاصة بأي منتوج استهلاكي.
هؤلاء الفتيان المغاربة الذين يزعمون أنهم يكتبون الهايكو وقد أسسوا ناديا خاصا به، أسموه: (موروكو هايكو)، لنلاحظ التسمية بتمعن، ألا تبدو شبيهة بتسمية السوق التجاري الممتاز: موروكو مول.
إنهم يكتبون قصائد قصيرة جدا، وكان يكفيهم تجنيسها على هذا النحو، وبالتالي يريحون ويستريحون، وبعد ذلك، يتم النظر في ما إذا كانت تستحق إدراجها ضمن خانة الشعر، أم لا. في حين أن الاختباء وراء الهايكو، هو مجرد حيلة قد لا تنطلي سوى على أصحابها.
****
يبدو أن الأساسي ليس التسمية التي سنطلقها على هذا النص الإبداعي أو ذاك، سواء كان شعرا أم سردا، بل يمكن الاستغناء عن عملية التجنيس بالمرة، وترك المجال للقارئ بالتالي لاختيار الإسم الذي يروق له.
عبد العالي بركات