فنانة شقت طريقها بكل ثبات وعزيمة، بعد أن تم اكتشافها في إطار ورشات الرسم بالمرحلة الإعدادية من دراستها بإعدادية للاحسناء بآزمور سنة 2007 من قبل أستاذ المادة خالد الكحلاوي كفنانة عصامية، لتبدأ مرحلة التكوين والبحث والتعامل مع الصباغة و الألوان، والتعمق في المدارس الفنية، لحين مرحلة الثانوية التأهيلي لتلقى عناية خاصة من قبل الفنان العصامي مصطفى اوعنكيش الذي واصل معها مسيرة التتبع والتكوين، مما أهلها سنة 2015 من الفوز بالجائزة الأولى في الفن التشكيلي ضمن الأيام الثقافية للشباب على الصعيد الوطني، ومنها بدأت الانطلاقة الحقيقية، إنها الفنانة التشكيلية نعيمة السياغي، من مواليد مدينة آزمور 1991، تعمل كمساعدة إدارية بإحدى المؤسسات التعليمية بالجديدة، حاصلة على الإجازة في سلك علم الاجتماع، و دبلوم منشط سوسيو تربوي إضافة إلى دبلوم في الإعلاميات، و بحكم توسعها في مجال التشكيل والإبداع، فإنها تقوم بورشات في فن تدوير مخلفات بيئية محولة إياها إلى أعمال فنية وديكورات تستخدم في تزيين فضاءات المنازل والمؤسسات التربوية، بعد أن كانت ترمى في القمامة أو الشوارع مخلفة أضرارا للإنسان وووسطه البيئي، تقول عنها الأستاذة ومكونة في التنمية الاجتماعية والبشرية أسماء فخرالدين: ” نعيمة السياغي فنانة تشكيلية عصامية، موهوبة، أحبت الألوان والريشة في سن مبكرة مما جعلها تتابع دراستها الجامعية في شعبة السوسيولوجيا لكي تفهم عن قرب علاقة اللوحة والظواهر الاجتماعية كي تعبر عنها بكل عمق، فتناولت التراث التاريخي اللامادي كأحد تيماتها إلى جانب الطبيعة من خلال رسم وجوه ومعالم تزخر بها المنطقة الدكالية، إلى جانب أننا تتفاعل بشكل كبير من خلال أنشطتها مع المتعلمين من برامج تحسيسية وأنشطة بيئية كالتدوير – الرسكلة – حيث أبدعت وتلقت تنويها من قبل المهتمين، إنها فنانة بكل ما تحمله الكلمات من معاني لأن حبها للتشكيل هو ما يجعلها دائمة البحث و التطوير”.
نعيمة السياغي فنانة استهوتها الطبيعة بجميع ألوانها وأشكالها، فاستطاعت بألوانها البهية اختراق صمت الطبيعة والتعبير عما يروم في وجدانها من هواجس وتخيلات وأحاسيس لتغيير هذا الواقع البيئي بإيحاءاتها الشاعرية الحالمة، حيث لم تجد أمامها من سبيل إلا لغة اللون كلغة كونية مشتركة وأداة للتواصل مع محيطها وتحقيق طموحها وأمنيـاتها بدل اللغة المتعارف عليها بنقل هذه الإحساسات والإيحاءات، هي إذن فنانة جادة وعاشقة بعمق للانطباعية، ترسم كل ما تقع عليه العين ويشغف إليه القلب، انطباعية تقوم على تسجيل الانطباع اللحظي الطبيعي الذي تقع عليها عينها، ودون عناء تقوم بإعادة تشكيل عناصره وتوزيعها عبر مساحات اللوحة في تناغم لوني وضوئي مفحم بالحيوية و الروح، يكشف عن تداخل وتقاطع ضربات الفرشاة بشكل متوازن، يعبر عن هدوء وصفاء روح الفنانة و سموها النفسي، واضعة أدق التفاصيل المفضية إلى هارمونية عالية، تجعل من المتلقي يشعر بأنه أمام لوحات متحركة و ناطقة، إنها البصمة التي ميزت ” نعيمة السياغي ” من خلالها أعمالها، ( حركية اللوحة و لغتها ) مرسخة موقعها داخل الحقل التشكيلي المغربي من خلال مشاركتها في عدد من المعارض بدءا من سنة 2008 بكل من آزمور و الجديدة و العرائش و البيضاء و بني ملال و الصويرة و سيدي بنور، أعمال تنم عن موهبة فذة متقدة ومتمرسة تستقي قواعدها من الانطباعية التي لونت مدلولاتها التشكيلية بأكبر قدر من التكثيف والإيحاء ونبض المشاعر الصادقة. تقول عنها ” نسرين الصافي ” محافظة آثار مدينتي الجديدة وأزمور بالمديرية الإقليمية لوزارة الثقافة بالجديدة ” نعيمة السياغي فنانة شابة موهوبة، وإنسانة صادقة، جدية، متواضعة مثابرة طموحة وذات أخلاق عالية… سبق لي التعامل معها في العديد من المناسبات من خلال مشاركتها في معارض تراثية جماعية بالحي البرتغالي بمدينة الجديدة، في إطار الاحتفاء بشهر التراث الثقافي رفقة مجموعة من الفنانين التشكيليين الشباب من إقليمي الجديدة وسيدي بنور، تترجم أعمالها الفنية في كل مرة صدقا وعمقا كبيرين، وجمالية خاصة في ترجمة الأشكال والألوان، إلى جانب الاعتناء بأدق التفاصيل، وهو ما يعبر عن رهافة حسها وعمق نظرتها للأشياء، ” . و إذا كانت ” نعيمة السياغي ” قد استخدمت ألوانا عبرت من خلالها على وهج الطبيعة و جمالها في أحلى تجلياتها وفق تدرجات لونية على شكل نوتات موسيقية دافئة و عذبة تداعب من خلالها خيال المتلقي و تجعله يشاركها هذا الحس الجمالي المرهف و العشق اللامنتهي، فإننا نجدها لصيقة بما هو تراثي اصيل، مستنهضة بتقنيتها العالية مكانته في زخم ما هو محدث و معاصر، كنوع من الاحتفاء بهذا التراث الذي بدا يتلاشى بيننا في صمت، خاصة فيما يتعلق بالمرأة من عادات و طقوس و ملابس و حلي و أواني طينية أو نحاسية، محاولة استدراج المتلقي لعالم طفولتها و طفولة أمهاتنا و هويتهم المغربية، كنوع من الاعتراف و التكريم لشخصهن. فهي رغم ميلها للتبسيط فقد استطاعت من خلال ألوانها الفلكلورية و التراثية المتداخلة فيما بينها ( الأبيض و الأزرق و الأخضر و البني و الأصفر ) أن تشد المتأمل لها من خلال حوار بصري نسجته ضربات فرشاتها عبر مساحات اللوحة و فراغاتها عاكسة جمال الطبيعة و مكوناتها من بشر أو حيوان ( الفرس).
على العموم، يمكن التأكيد على أن تجربة الفنانة التشكيلية نعيمة السياغي والتي تسعى من خلال مسيرتها الفنية التي ابتدأتها كعصامية لتطورها بالبحث المضني والعمل الجاد بدعم من أساتذتها، حيث طافت عبر العديد من المدارس الفنية إلى وجدت ذاتيتها في المدرسة الانطباعية خصوصا لمونتغريون لكلود مونيه، كما استلهمت عشقها هذا أيضا من تشكيليين مغاربة من قبيل الفنان التشكيلي العالمي أحمد بنيسف ومصطفى غماني إلى جانب الفنان الليبي عمران بشنة، محتفية باللون في كامل زينته، و بما تنسجه فرشاتها من أعمال نابعة من دواخلها تبعث على الأمل و الحياة وفق حس شاعري ساحر، فرغم عصاميتها فقد استطاعت كسب احترام وود كل المهتمين بالفن التشكيلي من فنانين و نقاد، ولعل ما يمكن أن نسجله في حقها ما قاله عنها أستاذها في المادة وأحد مكتشفيها خالد الكحلاوي: “هي فنانة من بين باقي الفنانات التشكيليات التي سطع نجمهم بمدينة آزمور خلال السنوات الأخيرة، كأول موهبة اكتشفتها بإعدادية للاحسناء، فوجدت فيها الفتاة المجدة والمثابرة التي لا تكل من البحث والتنقيب إلى أن وجدت لمستها الخاصة بها في الساحة التشكيلية وهي اليوم من بين اللواتي يمتلكن إمكانات هائلة، وكل ما يجب علينا كأساتذة للمادة إلا أن نشجعهم ونعبد لهم الطريق كخلف لخير سلف”.
محمد الصفى